مسلمو تايلاند جرح جديد في جسد الأمة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

مذبحة بشعة قامت بها قوات الأمن التايلاندية ضد الأقلية المسلمة حيث قتلت 84 مسلماً في الثالث عشر من رمضان السادس والعشرين من أكتوبر 2004م، بعد حشر مئات منهم بعضهم فوق بعض في شاحناتها، وذلك إثر مظاهرات احتجاجية قتل فيها 6 مسلمين جنوبي البلاد، والأخطر من ذلك أن رئيس الوزراء التايلاندي امتدح قوات الأمن، واعتبر أنهم "أدوا عملاً رائعاً".

بينما حفر الأهالي قبوراً جماعية لنحو 28 جثة لم يتم التعرف عليها وذلك من أصل 78 قتيلاً مسلماً سقطوا في هذه الحادثة، إضافة إلى ستة آخرين قتلوا بنيران الشرطة إثر احتجاجات تلت الحادثة.

ورداً على الحادث توعدت منظمة باتاني الموحدة للتحرير (بولو) - وهي حركة انفصالية إسلامية - بالانتقام لمقتل المسلمين.

يشار إلى أن رئيس الوزراء التايلاندي ثاكسين شيناواترا قد أقر بوقوع أخطاء في الطريقة التي تعاملت بها قوات الأمن مع الاحتجاجات.

وتدعي الحكومة التايلاندية ذات الغالبية البوذية أن روح الانفصال في الإقليم تؤجج أعمال العنف بجنوبي البلاد المحاذي لماليزيا، وأنها تنوي وضع خطة متكاملة لإنهاء التمرد هناك.

وأسفرت المواجهات في جنوبي تايلاند عن سقوط 400 قتيل على الأقل منذ مطلع العام الحالي، ويتهم ناشطو حقوق الإنسان السلطات التايلندية باستخدام وسائل عنيفة في الجنوب, مشيرين إلى قمع حركة احتجاج في أبريل/نيسان الماضي أدت لمجزرة في مسجد باتاني راح ضحيتها 32 شخصاً.

ويشكل المسلمون نحو 10 % من سكان تايلند البالغ عددهم 63 مليون نسمة، ويتركزون في الأقاليم الجنوبية للبلاد، وهم يحتجون على إجراءات التمييز بحقهم في الوظائف والخدمات.

وكان نحو 3000 مسلم نظموا مظاهرة في الخامس والعشرين من أكتوبر الحالي أمام أحد مراكز شرطة ولاية ناراثيوات ذات الأغلبية المسلمة جنوب البلاد احتجاجاً على اعتقال 6 مسؤولين محليين بتهمة دعم ما تصفه الحكومة بـ"الجماعات المتمردة المسلحة" في جنوب البلاد، إلا أن قوات الشرطة والجيش تدخلت لقمع المتظاهرينº وهو ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص بعدما استخدمت قوات الجيش والشرطة الذخيرة الحية، والغازات المسيلة للدموع، وخراطيم المياه.

وقامت قوى الأمن بحشر 1300 من المتظاهرين داخل شاحنات لنقلهم إلى ثكنات عسكرية في مدينة باتاني لاستجوابهم، وتم إرغام المعتقلين على التمدد على الأرض ووجوههم إلى الأسفل وأيديهم مقيدة خلف ظهورهم قبل وضعهم فوق بعضهم في الشاحنات.

وتشهد مناطق الجنوب المسلم حالة من السخط والغضب المتزايدين في الفترة الماضية في أعقاب قيام السلطات التايلاندية بشن حملة اعتقال طالت زعماء مسلمين وعدداً من السكان المحليين دون توجيه أي تهم رسمية إليهم، وكانت المواجهات في جنوب تايلاند قد أسفرت عن سقوط 400 قتيل على الأقل منذ مطلع عام العام الحالي.

وأدت عملية قمع قاومت بها قوى الأمن حركة احتجاج في إبريل الماضي إلى مجزرة في مسجد باتاني راح ضحيتها 32 مسلماً.

وفي أواخر أبريل الماضي اندلعت مواجهات عنيفة بين قوات الأمن التايلاندية ومسلحين يعتقد أنهم إسلاميون اقتحمت خلالها قوات الأمن أحد المساجد بجنوب البلاد ذي الأغلبية المسلمة، وأسفرت المواجهات عن مقتل نحو 95 شخصاً.

وتُعَدّ مقاطعتا يالا وباتاني إلى جانب مقاطعة ناراثيوات المقاطعات الوحيدة التي تقطنها أغلبية مسلمة في تايلاند التي يدين أغلبية سكانها بالبوذية.

يُذكر أن هذه المواجهات هي أخطر مواجهات منذ بداية يناير الماضي، حيث اندلعت أعمال عنف لم تعرف أسبابها أدت إلى سقوط نحو 60 قتيلاً في المناطق المحاذية لماليزيا على بعد حوالي 1000 كيلومتر جنوب بانكوك.

وكانت قوات الجيش التايلاندي قد شنت مؤخراً حملة اعتقالات واسعة في يناير الماضي طالت العشرات من المسلمين للاشتباه في علاقتهم بـ"إرهابيين"، ووضعتهم قيد الاعتقال لمدة 7 أيام بدون محاكمة تبعاً لقانون الأحكام العرفية التايلاندي، وهو ما أثار سخط المسلمين في الجنوب.

 

التضييق على المدارس الإسلامية:

وقد أمرت السلطات التايلاندية قوات الشرطة بإحكام المراقبة والتضييق على المدارس الإسلامية الخاصة في تايلاند بدعوى أنها "تفرّخ إسلاميين مسلحين".

وأمر رئيس الوزراء ثاسكين شيناوترا الشرطة والجيش جنوب البلاد بإخضاع المدارس الإسلامية الخاصة هناك لفحص ولتحقيقات دقيقة، واتهمها بتفريخ ما أسماه "إسلاميين مسلحين".

وتوجد نحو 500 مدرسة إسلامية تتركز بصورة خاصة في المقاطعات الجنوبية الخمسة ذات الأغلبية المسلمة في تايلاند.

وتشعر السلطات التايلاندية بالاستياء لأن نحو 100 فقط من تلك المدارس تدرس مناهج أقرتها وزارة التعليم، في الوقت الذي تتلقى فيه كافة المدارس الخاصة دعماً من الحكومة.

 

مأساة فطاني:

ومسلمو تايلاند يعرفون تاريخياً بمسلمي فطاني، وفطاني بلد إسلامي يقع في جنوب شرقي آسيا ، يجاور في الجنوب ماليزيا، وفي الشمال تايلاند، ويطل في الشرق على بحر الصين الجنوبي، وفي الغرب على المحيط الهندي.

ومساحته صغيرة، ولكنه غني بالمحصولات الزراعية والمعادن، ويشمل أربع ولايات هي: فطاني العاصمة، وسونكلا, وساتول، وناراتيوس، وبنارا.

دخل الإسلام فطاني عن طريق التجار والدعاة المسلمين الذين وصلوا إلى موانئها من ماليزيا وسومطرة، وحين أسلم ملكها ( أندراسرى ) في القرن التاسع الهجري صارت مملكة إسلامية، وانتشر فيها الإسلام بشكل واسع، وتقدمت في جميع مجالات الحياة، ثم بلغت أوجها في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الهجريين حيث ظهر فيها كثير من العلماء، وصارت مركزاً ثقافياً إسلامياً هاماً في جنوب شرقي آسيا.

ثم أصاب فطاني ما أصاب البلدان الإسلامية من ضعف وتفرق، وأصبحت مطمعاً لأهل تايلاند البوذيين الذين عملوا منذ أواخر القرن الثاني عشر الهجري على احتلال البلاد، كراهية لأهلها الذين دانوا بالإسلام، وطمعاً في خيراتها وثرواتها، فقد هاجم التايلانديون فطاني مرات عديدة، وألزموا الفطانيين بدفع الإتاوات لهم، ثم سقطت أخيراً في أيديهم سنة 1248هـ - 1832م.

وفي سنة 1320هـ - 1902م قضت تايلاند نهائياً على استقلال فطاني بإبعاد آخر سلاطينها المسلمين تنكو عبدالقادر قمر الدين وتعيين حاكم بوذي عليها، وبذلك ضمت فطاني إلى تايلاند التي أصبحت تدعي أنها جزء من بلادها.

وقد عملت تايلاند على محو الإسلام في فطاني بالحروب الطويلة التي كان يساق فيها الأسرى المسلمون إلى بانكوك عاصمة تايلاند، كما أكرهت الفطانيين المسلمين على الثقافة البوذية، وتعلم اللغة التاهية ( لغة تايلاند)، وأمرتهم بالركوع لتماثيل بوذا التي أقيمت في المعابد والساحات العامة.

 

واقع المسلمين في فطاني:

يبلغ عدد المسلمين في فطاني أربعة ملايين يشكلون 80% من السكان، وهم من أصل ملايوي، وتربطهم بجيرانهم في ماليزيا روابط الدين والعادات والجنس واللغة الملايوية التي لا تزال تكتب بالحروف العربية، ويعيش المسلمون في حالة يرثى لها من الفقر والاضطهاد، وهذا بعض ما لقيه - ولا يزال يلقاه - شعب فطاني المسلم من السلطة التايلاندية.

ومن أبرز مظاهر الاضطهاد أن الحكومة البوذية التي فرضتها تايلاند عملت بعد أن أزاحت السلطان المسلم تنكو عبدالقادر على محو الطابع الإسلامي من البلادº بإرغام الشعب المسلم فيها على اتخاذ الأسماء والألبسة والتقاليد البوذية واستعمال اللغة التايلندية.

وألغت المحاكم الشرعية، ثم سمحت بعد غضب الشعب وهياجه للقضاة المسلمين بالجلوس في المحاكم المدنية لسماع القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية للمسلمين.

وعملت الحكومة على توطين البوذيين في المناطق الإسلامية، وبنت لهم أكثر من 70 مستوطنة يسكنها حوالي 180 ألف بوذي.

وحاربت المدارس الإسلامية و الملايوية، وطبقت ما سمته قانون الإصلاح التعليمي للمدارس الإسلامية في فطاني لإضعاف مستوى التعليم الإسلامي، وتوجيهه في خدمة السياسة التايلندية.

وبنت القواعد العسكرية في فطاني ولا سيما القرى القريبة من جبال بودور مركز عمليات المجاهدين المسلمين.

وقامت بتصفية العلماء والدعاة جسدياً، أو تهديدهم وإهانتهم وتشريدهمº مما اضطر فريقاً منهم إلى الهجرة واللجوء إلى ماليزيا، كما تقوم بإحراق الأحياء الإسلامية والقتل الجماعي, ففي حادث بشع قامت القوات التايلندية بحرق (100) شاب مسلم بالبنزين, وصرح رئيس البوليس في المنطقة بأن حياة المسلم لا تساوي 26 سنتاً فقط (ثمن الرصاصة).

وأخمدت القوات التايلاندية كل ثورة للمسلمين بالحديد والنار، أو بالمكر والخديعة، فقد غضب الفطانيون لحقهم مرات عديدة، وخاضوا مع الجيش التايلندي معارك دامية لقي الكثير خلالها مصرعهم، وأحرقت بيوتهم، واغتصبت ممتلكاتهم، وانتهكت حرماتهم، وسجن الألوف منهم، بينما هام عشرات الألوف غيرهم على وجوههم لاجئين إلى ماليزيا.

كذلك حرمت حكومة بانكوك المسلمين من ثروات بلادهم، كما حرمتهم المراكز الهامة، والوظائف الحكومية، وكافة الحقوق التي يتمتع بها مواطنو تايلند، وعرضتهم لألوان الذل والقهر والاستعباد.

والفطانيون على فقرهم يتحملون وحدهم نفقات التعليم الإسلامي في المساجد والمدارس الخاصة، ويهتمون به اهتمامهم بحمل السلاح الذي يدافعون به عن حقهم في الحياة الكريمة، لأن أكثر المسلمين امتنعوا عن إرسال أولادهم إلى مدارس الحكومة الرسمية لفقرهم، ولأن هذه المدارس يعلم فيها مدرسون وثنيون يدرسون الديانة البوذية مادة إجبارية في المرحلتين الابتدائية والثانوية، كما أن حكومة تايلند تفرض اللغة التاهية التايلندية، بينما يصر أهل فطاني على تعلم لغتهم الملايوية التي يكتبونها بحروف عربية، ويعدون هذا جزءاً من كيانهم، مما قلل عدد المسلمين الذين يتابعون دراستهم الجامعية.

ومعظم المتعلمين والخريجين اليوم في فطاني تعلموا في الكليات الإسلامية في ماليزيا أو البلاد العربية، وهم يعملون بالتعليم في المدارس الإسلامية الخاصة.

 

حركات التحرير في فطاني:

هبَّ الشعب الفطاني يجاهد لاستقلال بلاده، وأسس جبهات التحرير التي انضوى في صفوفها كثير من الشباب المسلم، وأخذ يقاتل على أرض فطاني، في جبال بودور الشاهقة، وبين الغابات والأدغال المتشابكة المجاورة لماليزيا، وبدأت عمليات المقاومة منذ 1369هـ - 1950م ولا تزال حتى الآن تواجه المستحيل، وتتحدى المصاعب وحدها في تلك الثغور البعيدة، على حين غفلة من أبناء المسلمين الذين يعاني كل منهم في بلدة ما يؤؤده من البلاء وتسلط الأعداء، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

مقاومة حكومة تايلاند:

وهناك عدة جهات من مسلمي تايلاند تقاوم عنف حكومة تايلاند وإجراءاتها القمعية ضد المسلمين منها الجبهة الوطنية لتحرير فطاني التي تأسست عام 1960م، وهي أول جبهة أنشئت في فطاني، وتدعو إلى تنظيم المجتمع الإسلامي، ووسيلتها حرب العصابات.

وكذلك المنظمة المتحدة لتحرير فطاني التي تأسست عام 1968م، وتتبع أساليب العنف ضد الحكومة البوذية.

وتوجد أيضاً الجبهة الوطنية لتحرير فطاني والتي تأسست عام 1970 م، وتنادي بالاستقلال على أن يكون نظام الحكم ملكي, ومعظم قادتها في الخارج.

وهناك كذلك الحركة الإسلامية الفطانية التي تأسست عام 1975م على يد عدد من العلماء، وقد قامت بنشاط إعلامي للتعريف بقضية فطاني.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply