مؤسسة (راند) تغير إستراتيجية الحرب


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بعد سبع حملات صليبية فاشلة على مدى مئتين سنة (690-490) لغزو بلاد المسلمين العربية تم أسر قائد الحملة الصليبية السابعة ملك فرنسا لويس التاسع في معركة فارسكور بمصر بين الصليبيين والمماليك بقيادة توراه شاه ابن الملك الصالح نجم الدين أيوب الذي توفي قبيل المعركة بعدما أعد لها عدتها وسجن ملك فرنسا الأسير في سجن المنصورة ثم أطلق سراحه بعد دفع فدية مالية فادحة بلغت عشرة ملايين فرنك، وقد أقسم بأغلظ الأيمان ألا يعود لحرب المسلمين مرة أخرى، وقبل وفاته كتب وصيته للصليبيين يطالبهم بتغيير خططهم وأساليبهم في غزو المسلمين وذلك بترك القتال والتركيز على الغزو الفكري فكانت تلك الوصية هي بداية الحركة الاستشراقية.

وفي عصرنا يعلن بوش الحرب الصليبية من جديد على بلاد المسلمين فيلقى هزيمة نكراء في العراق أعلن عنها وصرح بها وزير خارجية فرنسا (برنار كوشنر) في حكومتها الجديدة المناصرة لبوش والذي أكد: "إن هذه الهزيمة قائمة فعلا بالنسبة لواشنطن في هذا البلد.

 

فماذا يعد لنا الصليبيون بعد هزيمتهم؟

أصدرت مؤسسة راند البحثية الأمريكية RAND Corporation أحد أهم المؤسسات الفكرية الأمريكية المؤثرة على صناعة القرار في الإدارة الأمريكية الحالية، خاصة فيما يتعلق بمنطـقة الشـرق الأوسط و مؤسسة راند تدعمها المؤسسة العسكرية الأمريكية وتبلغ ميزانيتها السنوية 150 مليون دولار، أصدرت هذه المؤسسة في ربيـع الأول 1428هـ مـارس 2007م تقريرا بعنوان: بناء شبكات مسلمة معتدلة، (وحددت مواصفاتها للاعتدال ومنها: مساواة المرأة بالرجل في الميراث ورفض تطبيق الشريعة) وهذا التقرير تم إعداده على مدى ثلاث سنوات من البحث ويخلص إلى أن احتواء المد الإسلامي لابد أن يكون بواسطة إدارة صراع فكري ضد التيار الإسلامي يقوم به فريق من داخل المجتمع المسلم يتمثل في العلمانيين والحداثيين والتيار التقليدي المعتدل الذي يصلي في الأضرحة ويميل إلى التصوف، ومحاولة ضم الدعاة الجدد والكتاب والإعلاميين وجمعيات المرأة لذلك الفريق في مواجهة الإسلام السلفي، ويؤكد التقرير أن الصراع هو صراع أفكار إضافة إلى الصـراع العسـكري أو الأمني، وأن حسم المعركة مع الإرهاب لن يتم فقط على الساحات الأمنية أو العسكرية، ولكن الأهم أن يهزم الفكر الإسلامي - الذي يصفه التقرير بالمتطرف - في ساحة الأفكار أيضاً مستندا في أهمية التركيز على الحرب فكرية بما جرى مع الاتحاد السوفييتي عبر الحرب الباردة التي أسقطت ذلك الاتحاد بلا قتال.

وكانت مؤسسة راند قد أصدرت في فبراير من عام 2005 م تقريرا بعنوان (الإسلام المدني الديمقراطي: الشركاء والموارد والاستراتيجيات)، ويرى التقرير - كما ينقل أحد الباحثين(2)- أنه لا يمكن إحداث الإصلاح المطلوب من دون فهم طبيعة الإسلام في المنطقةº الذي يقف سداً منيعاً أمام محاولات التغيير، وأنّ الحل يكمن في النظر إلى المسلمين عبر أربع فئات، هي: مسلمين أصوليين، مسلمين تقليديين، مسلمين حداثيين، ومسلمين علمانيين. أما فيما يتعلّق بالأصوليين فتقول (راند): يجب محاربتهم واستئصالهم والقضاء عليهم، وأفضلهم هو ميّتهم لأنّهم يعادون الديمقراطية والغرب، ويتمسكون بما يسمى الجهاد وبالتفسير الدقيق للقرآن، وأنهم يريدون أن يعيدوا الخلافة الإسلامية، ويجب الحذر منهم لأنّهم لا يعارضون استخدام الوسائل الحديثة والعلم في تحقيق أهدافهم، وهم ذوو تمكٌّن في الحجّة والمجادلة. ويدخل في هذا الباب السلفيون السنة، وأتباع تنظيم القاعدة والموالون لهم والمتعاطفون معهم، و (الوهّابيون)، كما يقول التقرير.

لقد انتصر المسلمون في معركتهم العسكرية مع الغرب الصليبي في العراق وأفغانستان وهاهو الغرب يحول استراتيجيته من الميدان العسكري إلى الميدان الفكري لكن الفرق بين هذا التحول الذي تدعو له مؤسسة راند والتحول الذي دعا إليه لويس التاسع بعد فشل الحروب الصليبية أن مادعا له لويس من غزو فكري نفذه مستشرقون غربيون أما ما دعت له مؤسسة راند فهو معركة فكرية ضد الإسلام تنفذ بيد أناس من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا كما أشار لذلك المؤلف الرئيسي للدراسة في لقاء صحفي حين أكد أن "الهدف الرئيس للدراسة ليس طرح الصراع بين العالم الإسلامي والغرب وإنما بين العالم الإسلامي بعضه بعضا" وهنا مكمن الخطر وكما قال المثل: من مأمنه يؤتى الحذر.

والسؤال: ماذا أعددنا للمعركة الفكرية الجديدة؟

أم سنكتفي بالدعوات للحوار والتعايش السلمي بينما هم يعملون بجد لهدم قيمنا بالحرب الفكرية الصليبية الجديدة؟

إن المستوى الفكري في الأمة يشهد وعيا كبيرا رغم أن الأمة تشهد انحدارا كبيرا في المستوى السياسي والعسكري والاقتصادي الرسمي إلا أن هذا الوعي الفكري يحتاج لبرامج تحسن استثماره وتحوله لرصيد نافع للأمة سياسيا وعسكريا واقتصاديا ولنستفيد من هذا الوعي الفكري في صد الهجمة الفكرية الصليبية الجديدة والتي هي غزو من الداخل عبر الطابور الخامس.

  

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply