المؤامرة التي قال لها الجميع لا !


بسم الله الرحمن الرحيم

 

بدايةً أتوجه بالشكر الجزيل لموقعِ "سبق" على إحسانهم الظن بي، وإعطائي مساحةً للكتابة فيها، مع علمي الجازم أنه يوجدُ من هو أولى وأفضل مني بهذه المساحة، ولكني توكلتُ على الله مستعيناً به سائلاً المولى أن أكون عند حسن ظنهم.

 

عنونتُ لمقالي الأول " المؤامرة التي قال عنها الجميع: لا "!، قد يقولُ البعضُ: " أيٌّ مؤامرة تقصد؟ فالمؤامرات كثيرةٌ جداً "، وأقولُ: " إنها مؤامرة مكثوا في تدبيرها ثلاث سنوات، وخرجت للعالم بتفصاليها الدقيقة مكتوبةً مدونةً، ولكن مع الثورةِ المعلوماتية " النت بالذات " أصبحت في متناول الجميع ".

 

قد تقولون: " ما هذه الطلاسم التي تتحدثُ عنها، ليتك تفصح أكثر "، أقولُ: إنه تقرير " راند 2007 RAND " الأخير ".

 

لست بصدد الحديث عن التقرير، وتكرار ما قيل عنه فقد كفانا المؤنةَ كثيرٌ من المحللين والراصدين للتقرير دعوني أقفُ مع التقرير وقفاتٍ, سريعةً:

الوقفة الأولى: تقرير "راند 2007 " ترى فيه مصداق قوله - تعالى -: " وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُم حَتَّى يَرُدٌّوكُم عَن دِينِكُم إِنِ استَطَاعُوا " [البقرة: 217]، وقوله - تعالى -: " وَدٌّوا لَو تَكفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً " [النساء: 89]، وقوله - تعالى -: " وَدٌّوا لَو تُدهِنُ فَيُدهِنُونَ " [القلم: 9]، وقوله - تعالى -: " قَد بَدَتِ البَغضَاءُ مِن أَفوَاهِهِم وَمَا تُخفِي صُدُورُهُم أَكبَرُ " [آل عمران: 118]، فالحرب ضد هذا الدين قائمة إلى أن يرث اللهُ الأرض ومن عليها، ولا يشترط أن تكون حرباً بالأسلحة المعروفة فقد جربوا وفشلوا وعندما عجزوا غيروا خططهم واستراتجياتهم فجعلوها حرباً فكريةً للأمة.

 

الوقفة الثانية: صادف تقريرُ " راند 2007 " وعياً لم يكن موجوداً حين صدور التقارير السابقة بسبب أنها كانت قليلة التداول، والمنشغلين بها قلة من أصحاب الاختصاص، وقد كان من العوامل المؤثرة في ذلك الوعي انتشاره حين صدوره بسرعة، وفي مدة قصيرة على الشبكة العنكبوتية، وتناوَلَه كثير من المحللين والاختصاصيين بالترجمة والتحليل، وبيانهم لما يحتويه من مصادمة واضحة لثوابت الأمة، وفرض أناس لا قيمة لهم في الأمة مقارنة بالباقي منهم، فهم لا يمثلون إلا شرذمة قليلة.

 

الوقفة الثالثة: ردّت الأمة ذلك التقرير جملةً وتفصيلاً ممثلة في عدد من علمائها ومفكريها لما فيه من تجديف ضد ثوابتها، وعدم صحة ما ورد فيه، والمنادة والتوصية بالتمكين للعلمانيين والليبراليين وبعض الفرق المنحرفة عن الدين الصحيح الذي أتى به محمد - صلى الله عليه وسلم -، بل وصلت المؤامرة مداها في مطالبة التقرير باختراق الجيوش، والعجيب أنهم يطلقون عليهم " معتدلين "، فالذي يسخر بالرب في شعره، والذي يشكك في القرآن، والذي يهزأ بالدين، والذي يشكك في ثوابت الأمة كلّ أولئك يسمون في قاموس تقرير " راند 2007 " " معتدلين "!، وقد أتى في التقرير ذكر بعض أسماء أولئك المعتدلين أمثال أدونيس ونصر أبو زيد ومارسيل خليفة!

 

وإليكم بعض أقوال علماء الأمة ومفكريها في ردّ التقرير أنقلها من موقع " إسلام أون لاين ". قال د. نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق وبلهجة حاسمة: " لا يمكن أن يفرض علينا أحد رؤيته " لافتا إلى أن "المعيار في هذا التقرير وغيره من أمثال التقارير الأمريكية ينبغي أن يكون رفض كل ما يتعارض مع العقيدة والشريعة" مشددا على أنه " لابد وأن نعلن أنه لا يمكن لأي قوة أن تجبرنا على تغيير عقيدتنا وشريعتنا، وأن نطبق قول الله - تعالى -: " وَقُلِ الحَقٌّ مِن رَّبِّكُم فَمَن شَاءَ فَليُؤمِن وَمَن شَاءَ فَليَكفُر ".

 

وفي حكم حاسم يؤكد الشيخ حسين حلاوة الأمين العام للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث أنه " من الواضح أن معدي التقرير الصادر عن مؤسسة راند لم يرجعوا إلى مصادر الإسلام الحقيقية ليستقوا منها معلوماتهم، وربما استقوا معلوماتهم تلك من بعض العلمانيين أو الحاقدين على الإسلام أو الجاهلين به ".

 

الدكتور طه جابر علواني يعلن رفضه المطلق ويوضح سبب رفضه فيقول: " من يعرف معنى الاعتدال ويؤمن به، ومعنى التطرف ويرفضه، وله مرجعية تحدد طبيعة المفهومين..هذا الشخص أو الأمة أو الهيئة هو من له حق تحديد من هو المعتدل، ومن هو المتطرف؟ وهذا ما لم يلاحظ فيما هو مطروح من قبل مركز (راند) الأمريكي ".

 

أما د.باسم خفاجي فقد قدم قراءة عن التقرير في مجلة " البيان " (عدد ربيع الثاني 1428 أبريل 2007)، وأوصى في آخره بمقترحات للتعامل مع التقرير، يرجعُ إليها في المصدر المذكور، وأكتفي بذكر هؤلاء.

 

الوقفة الرابعة: طالب بعضُ من ينتسبون إلى الثقافة بإهمال مثل هذه التقارير ومنها تقرير " راند 2007 "، وعدم الاهتمام بها، لكنها قوبلت برفضٍ, قوي واستغراب شديد، ومن ذلك ما كتبه د. سعد بن مطر العتيبي في جريدة " الوطن " (الخميس 9 ربيع الآخر 1428هـ الموافق 26 أبريل 2007م العدد 2400) رداً على أحدهم حيث بين أن " متابعة ورصد وتفنيد التقارير الراندية واجب وطني مهم "، وطرح د. سعد في آخر مقاله سؤالا مهما: " ومن الذي يحدِّد المسلمين المعتدلين؟ أهي معايير التقرير التي وضعها في قالب أسئلة بلهاء؟ أم هي المرجعية الإسلامية المتمثلة في أولي العلم بالشريعة الذين أحالنا الله - تعالى -إليهم في قوله - سبحانه -: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)؟ ". ا. هـ.

 

الوقفة الخامسة: يريد التقرير إيجادَ نوعيةٍ, معينةٍ, من المميعين الذين يسميهم " معتدلين " ليقدموا تنازلاتٍ, مكتوبةً عن الثوابت الإسلامية كما فعل الكنسيون في " المدونةِ البابوية "، وهذا ما ذكره د. سعد بن مطر العتيبي في برنامج " ساعة حوار " الأخير.

 

الوقفة السادسة والأخيرة: لا بد من تكاتف الجهود للوقوف في وجه هذا التقرير سواء من العلماء أو طلاب العلم أو المفكرين أو المثقفين أو الأكادميين، وعلى الهيئات العلمية مثل هيئة كبار العلماء في بلادنا، والمجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي وغيرهما إصدار بيانات توضح فيه خطر هذا التقرير وغيره من التقارير التي تعبثُ بثوابت الأمة، وتفرضُ على الأمة إسلاماً بمواصفات أمريكية!

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply