الغرب يسعى لتدمير الأسرة المسلمة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

حذرت كاميليا حلمي - المدير التنفيذي للجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل، ومنسقة ائتلاف المنظمات الإسلامية - من المخططات الغربية الرامية إلى تدمير الأسرة العربية والمسلمة في إطار سعي الغرب للهيمنة على العالمين العربي والإسلامي.

تلك الهيمنة التي بدأت باحتلال فلسطين ثم العراق وأفغانستانº لأنه يدرك أن الأسرة هي خط الدفاع القوي أمام تلك المخططات، فهي التي تربي الأجيال على تعاليم الإسلام، وحب الوطن، والاستشهاد في سبيل الله.

وأوضحت كاميليا حلمي في حوارها مع شبكة (الإسلام اليوم) أن المواثيق الصادرة عن الأمم المتحدة الخاصة بالمرأة والطفل تتضمن بنوداً تتعارض مع الشريعة الإسلامية، وهي تعكس منظومة أنثوية متطرفة يُراد فرضها على العالم، لافتة النظر إلى أن المظالم التي تعاني منها بعض النساء في المجتمعات الإسلامية، ويستغلها العلمانيون في الطعن على الإسلام ترجع إلى الفهم الخاطئ لدى عدد من الرجال في بلادنا الإسلامية لمفهوم "القوامة"، وإليكم تفاصيل الحوار:

* ما هي مخاطر المواثيق المتعلقة بالمرأة والطفل التي تصدرها الأمم المتحدة على الأسرة العربية والمسلمة؟

هذه الاتفاقيات أو المواثيق التي تصدرها الأمم المتحدة فيما يتعلق بالمرأة والطفل تتضمن بنوداً تتصادم مع الشريعة الإسلامية، وقد تحفظت على تلك البنود الوفود الإسلامية الحكوميةº لخطورتها على تماسك الأسرة، ولكن لجنة مركز المرأة بالأمم المتحدة تسعي جاهدةº لإلغاء هذه التحفظات في محاولة لفرض رؤيتها النسوية على البلدان العربية والإسلامية.

الخطورة في تلك المواثيق أنها بمجرد التصديق عليها من جانب الدول الأعضاء بالأمم المتحدة تصبح مباشرة جزءاً من منظومة القوانيين المحلية، ومعروف أن تغيير هذه المنظومة يحدث تغييرات في الإدراك العام، والوعي المجتمعي بما يقضي على ما تعارف عليه المسلمون من قيم وتقاليد، وإحلال قيم ثقافية وعرف اجتماعي ذي نزعة غربية تتناقض مع الدين، ومنظومة الثقافة العربية والإسلامية، ومع مرور الوقت تنشأ أجيال من الشباب المسلم وقد تم تغريبها وسلخها عن هويتها المسلمة.

 

تهديد بقطع المساعدات:

* ما هي الوسائل التي تلجأ إليها لجنة مركز المرأة بالأمم المتحدة لإجبار الوفود الرسمية على سحب تحفظاتهم على البنود التي تتصادم مع الشريعة الإسلامية؟

اللجنة تلجأ لعدد من الوسائل منها: التلويح بسلاح المساعدات الاقتصادية، وهذا السلاح فعّال مع الدول الفقيرة، واستخدام المصطلحات بشكل ملتوٍ, بإعطاء معنى معين للمصطلح باللغة الإنجليزية، ومعنى مخالف له باللغة العربية، وقد وقعت الوفود العربية الرسمية في الفخº فقد أعطى بعضهم موافقته على المعنى العربي لمصطلح (الجندر) في حين أن المصطلح بالإنجليزية له معنى مختلف تماماً.

وهذا المصطلح (الجندر) يمثل حجر الزاوية في كل المواثيق وفي أغلب البنود، ويعني في الإنجليزية (النوع الاجتماعي) أي: الرجل والمرأة والمثليين، أما في الترجمة العربية للكلمة فمعناها الرجل والمرأة فقط، كما أنهم طرحوا المصطلح أمام الوفود العربية وغيرها بأن معناه المساواة بين الرجل والمرأة وأخفوا المعنى الحقيقي له.

والخطورة في هذا المصطلح، والتي لم تفطن إليها الوفود العربية الحكومية أن الترجمة الإنجليزية له تفتح الباب واسعاً لتقنين الشذوذ، بل والسماح بالزواج بين المثليين في إطار ما تسميه هذه الوثائق بالأسرة غير النمطية المكونة من رجل ورجل، أو امرأة وامرأة، بل السعي لتضمين ذلك في صلب هذه المواثيق باعتباره من حقوق الإنسان.

 

* ما هي توجهات أعضاء لجنة مركز المرأة؟ وكيف استطاعوا الهيمنة عليها وبالتالي فرض تلك التوجهات على المواثيق الصادرة عن الأمم المتحدة وعلى وفود الدول الأعضاء؟

عدد كبير من أعضاء تلك اللجنة من أصحاب التوجه الأنثوي، كما أنهن موجودات في أجهزة وإدارات أخرى في الأمم المتحدة، وصاحبات هذا التوجه يرفعن شعار لا للحياة الزوجية، ولا للأمومة، ولا للرجل نفسه، ويروجن لمقولة: إن الزواج سجن، والأمومة عبودية للمرأة، وأحد العوائق لتوليها المناصب القيادية، ويروّجن للعلاقات الجنسية الشاذة.

والأنثويات يتبنين أجندة الجندر، ويتمحورن حول أنفسهن، ويرين أن الأنثى هي الأصل، وأنهن لسن في حاجة إلى الرجل، وأن العلاقة الزوجية اغتصاب للمرأة، وأن عمل البنت في بيت أسرتها - الذي هو نوع من التدريبº يفيدها في حياتها المستقبلية - يعتبرنه نوعاً من العمل غير مدفوع الأجر، ويطالبن بتجريمه، وحث منظمة العمل الدولية على اتخاذ نفس الموقف.

وللأسف الذين وضعوا هذه العناصر الأنثوية في أماكنهم الحساسة داخل الأمم المتحدة هم رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، الذين زرعوهم لخدمة أهداف ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية، وأهمها الرغبة في الهيمنة على العالم.

 

الهيمنة على العالم الإسلامي:

* ولكن لماذا تركز لجنة مركز المرأة على المرأة والطفل تحديداً؟

الهدف هو تدمير الأسرة العربية والمسلمةº لأن من يخططون للهيمنة على العالمين العربي والإسلامي، ونهب ثرواته تلك الهيمنة التي بدأت باحتلال فلسطين ثم العراق وأفغانستان والبقية تأتيº يعلمون أن الأسرة هي خط الدفاع الأخير أمام مخططاتهم، فهي التي تربي الأبناء على القيم، وعلى حب الوطن، والاستشهاد في سبيل الله، وهم يريدون جيلاً منهزماً منسلخاً عن عقيدته وهويته، وينتمي ثقافياً إلى منظومتهم وهويتهم، ويرحب بهم إذا جاؤوا لاحتلال وطنه بدلاً من أن يضحي بنفسه لمنع هذا الاحتلال.

 

* ما هي أهم الفروق بين الرؤية الإسلامية والغربية حول العلاقة بين الرجل والمرأة وحقوق المرأة؟

نظرة الإسلام حول العلاقة بين الرجل والمرأة تختلف جذرياً مع الرؤية الغربيةº فالنظرة الغربية ترى تلك العلاقة تصارعية، في حين أنها في الإسلام علاقة تكاملية، والإسلام يعتبر الرجال والنساء متساوين في التكاليف الشرعية والكرامة الإنسانية، والثواب والعقاب، مع مراعاة اختلاف الأدوار لاختلاف الخصائص الفسيولوجية والسيكولوجية والبيولوجية، لكنهم غير متطابقين.

والرؤية الغربية والمواثيق الدولية التي تعكس في الغالب وجهة نظر الغرب تربط ربطاً مغلوطاً بين تعاليم الدين الإسلامي وبين ما تعانيه بعض النساء من ظلم وهدر حقوقهنº لذلك نحن نطالب هيئة الأمم المتحدة باحترام التعددية الدينية والثقافية لشعوب العالم إن أرادت لجهودها المبذولة النجاح، وكذلك دعم حق تلك الشعوب في التمسك بثقافاتها وقيمها، والتوقف عن محاولات فرض الأجندة والرؤية الغربية على دول العالم.

 

الفهم الخاطئ للقوامة:

* ولكن من أين تأتي تلك المظالم التي تتعرض لها بعض المسلمات وتُتخذ سبباً من جانب النسويات الغربيات وكذلك العلمانيات في العالم العربي للطعن في تعاليم الإسلام؟

هذه المظالم ترجع إلى الفهم الخاطئ لدى بعض الرجال لمفهوم "القوامة"º فيسيء للمرأة، ويتسلط عليها، وينسى أن تلك القوامة تعني الرعاية للزوجة، والإنفاق عليها وحمايتها، وأن يشاورها في أمور الأسرة والأولاد، فالله - سبحانه وتعالى - جعل من صفات المؤمنين أن أمرهم شورى بينهم، والرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يشاور زوجاته، ويساعدهن في أعمال البيت، ولم يضرب امرأة قط، وكان دائم الحث على الرفق بالنساء، والإحسان إليهن.

وعلى الجانب الآخر فإن غياب مفهوم "حسن التبعل" للزوج - الذي يعدل الجهاد في سبيل الله - لدى بعض الزوجات يُعدّ من أسباب عدم التوافق بين الزوجين، وقد يدفع الرجل للإساءة إلى زوجته، إلى جانب غياب مفهوم المرأة الصالحة التي إذا نظر إليها زوجها سرّته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله، والرجل هو قائد البيت في إطار الرعاية والشورى.

والغرب بمواثيقه التي تصدر عن الأمم المتحدة يستهدف إلغاء قوامة الرجل التي تحمله أعباء إضافية داخل الأسرة، ويشجع المرأة للتمرد على هذه القوامة بحجة المساواة بين الرجل والمرأة، حتى يصبح لمؤسسة الأسرة رئيسان، والمثل الشعبي يقول: (المركب التي لها رئيسان تغرق).

 

* ولكنّ العلمانيين في العالم العربي والإسلامي والنسويات الغربيات يقولون: إن الإسلام يميز بين الرجل والمرأة في الميراث ولا يساوي بينهما؟

الشريعة الإسلامية قررت حق المرأة في الميراث، وذلك بعد أن كانت غير ذات حق في الميراث، فأصبحت ترث أباها وأخاها، وابنها وزوجها بضوابط حددها الشرع. وتقسيم الميراث بين الرجل والمرأة في الإسلام لا يقوم على الجنس، ولا على نقصان إنسانية المرأة بالنسبة للرجلº لأن الإسلام ساوى في بعض الحالات بينهما، كما في الإرث بين الأخت والأخ لأم في حالة الكلالة يقول القرآن الكريم: ((وإن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امرَأَةٌ ولَهُ أَخٌ أَو أُختٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ, مِّنهُمَا السٌّدُسُ فَإن كَانُوا أَكثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُم شُرَكَاءُ فِي الثٌّلُثِ))(النساء:الآية 12).

كذلك نجد في الشريعة الإسلامية أربعاً وعشرين حالة ترث فيها المرأة أكثر من الرجل، فالبنت ترث في بعض الأحيان أكثر من الأب، وقد ترث أكثر من الأم - وكلاهما أنثى -، ومن هنا تجدر الإشارة إلى أن أحكام المواريث في الإسلام لا تحكمها معايير الذكورة ولا الأنوثة، ولكن يحكمها عدد من المعايير:

أول هذه المعايير: أن الجيل الجديد يرث أكثر من الجيل القديم.

والمعيار الثاني: هو درجة القرابة.

أما المعيار الثالث: فهو الأعباء الماليةº لأن الفطرة أن الرجل مكلف أن ينفق على الأنثى، فإذا كان هناك ولد وبنت فإننا نطبق قاعدة ((لِلذَّكَرِ مِثلُ حَظِّ الأُنثَيَينِ))[النساء: 11] لأن هذا الولد سوف يتزوج ويأتى بزوجة يعولها، على حين أن البنت سوف تتزوج برجل يعولها، وبالتالي فالبنت في هذه الحالة متميزة في الميراث من الناحية العمليةº لأنه من المفروض أن تحتفظ بنصيبها وفق ذمتها المالية دون أن يكون عليها إنفاق.

ومعلوم أن المرأة لها ذمة مالية كاملة لا تنقص شيئاً عن ذمة الرجل المالية، فلها حق تملك جميع أنواع الأموال من عقارات ومنقولات وأموال سائلة (نقود) كالرجل سواءً بسواء، ولها حق التصرف بمختلف أنواع التصرفات بإرادتها الذاتية، ولا يتوقف شيء من ذلك على رضا أب أو أخ أو زوج، وهو ما تفتقده المرأة الغربية في عدد من الدول الأوروبية حتى الآن.

 

* ما هو دور اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل وائتلاف المنظمات الإسلامية الذي شارك في الجلسة الـ(51) للجنة مركز المرأة بالأمم المتحدة؟

اللجنة عضو في المجلس الاقتصادي والاجتماعي في الأمم المتحدة، وهو ما يتيح لنا الفرصة للمشاركة في مناقشات لجنة مركز المرأة كمراقبين فقط، أما القرار أو التحفظ أو التوقيع فأمور متاحة فقط للوفود الرسمية الحكومية، ودورنا يتمثل في مراقبة المناقشات من خلال المشاركة، وتوضيح الرؤية الإسلامية تجاه الوثائق التي تطرح في هذه الجلسات للوفود الرسميةº لتكون أكثر وعياً بما تدبره تلك اللجنة.

وقد شارك ائتلاف المنظمات الإسلامية في الجلسة الواحدة والخمسين للجنة مركز المرأة بالأمم المتحدة، والتي تُعقد بشكل دوري كل عام لمتابعة الحكومات في تطبيقها لبنود الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة، كما عقدنا ندوات وحلقات نقاش للوفود الأهليةº للتعريف بوجهة نظر الإسلام في القضايا التي طرحتها اللجنة، ونسقنا مع وفد الفاتيكان، وبعض الوفود الأخرى التي لها موقف مشابه لموقفنا الرافض لإباحة الإجهاض، والأمور الأخرى التي تهدد مؤسسة الأسرة.

ونحن نطالب الدول الإسلامية بالتمسك بتحفظاتها على البنود التي تتصادم مع الشريعة الإسلامية، وعدم الرضوخ للضغوط التي تمارسها تلك اللجنة بهدف رفع تلك التحفظات، وألاّ تتبنى الوفود الرسمية الممثلة للدول العربية والإسلامية مشروع وثيقة القضاء على كافة أشكال التمييز ضد الطفلة بكل موادها، وألاّ تقبل أن تُفرض على الدول المواثيق المشار إليها لاحقاً كمرجعية قانونية تلزم بتطبيقها على الرغم من التحفظات.

واللجنة الإسلامية للمرأة والطفل انتهت من إعداد ميثاق الأسرة في الإسلامº والذي وضعه مجموعة من العلماء والباحثين، وأصدرت من قبل ميثاق الطفل في الإسلام، وهي بذلك تكون قد ساهمت من خلال هاتين الوثيقتين في تقديم الرؤية الإسلامية البديلة للمواثيق الصادرة عن الأمم المتحدة، وهي على اتصال دائم بوسائل الإعلام المحلية والدولية، وتمدها بالتقارير والمعلومات التي تصب في التحذير من مواثيق الأمم المتحدة، ومحاولات لجنة مركز المرأة في فرض أجندتها الإباحية على العالم العربي والإسلامي.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply