حول تصريحات البابا ... هل الإسلام انتشر بحد السيف ؟


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

القول بأن الإسلام انتشر بحد السيف قولُُ باطل لا أساس له، فإن القتال في الإسلام كان أولاً لحماية الأمة والمجتمع الإسلامي الجديد الناشئ في المدينة لأن الشرك الذي طارد المسلمين حتى أخرجهم من مكة لن يسكت بل سيلاحقهم في كل مكان.

لقد نزل في أواخر السنة الأولى للهجرة الإذن بالقتال بقول الحق- تبارك وتعالى –:{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُم ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصرِهِم لَقَدِيرٌ* الَّذِينَ أُخرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيرِ حَقٍّ, إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبٌّنَا اللهُ} (سورة الحج: 39 40).

وفي الآية نفسها يبين الحق- تبارك وتعالى -حقيقة الجهاد فيقول: {وَلَولاَ دَفعُ اللهِ النَّاسَ بَعضَهُم بِبَعضٍ, لَّهُدِّمَت صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذكَرُ فِيهَا اسمُ اللهِ كَثِيرًا? (سورة الحج: 40)، يقول  سيد قطب في تفسير هذه الآية: الصوامع هي أماكن العبادة والمنعزلة للعبادة، والبيع هى للنصارى عامة وهى أوسع من الصوامع، والصلوات أماكن العبادة لليهود والمساجد أماكن العبادة للمسلمين، ثم يقول وهى كلها مُعرضة للهدم على قداستها وتخصيصها لعبادة الله، لا يشفع لها عند الباطل أن اسم الله فيها ولا يحميها إلا دفع الله الناس بعضهم ببعض، أي دفع حماة العقيدة لأعدائها الذين ينتهكون حرمتها ويعتدون على أهلها، فالباطل مُتبجح ولا يقف عن العدوان إلا أن يُدفع بمثل القوة التي يصول بها ويجول، ولا يكفى الحق أنه الحق ليقف عدوان الباطل عليه، بل لابد من قوة تحميه وتدفع عنه، وهى قاعدة كلية لا تتبدل ما دام الإنسان هو الإنسان" (في ظلال القرآن الجزء الرابع).

أبعد اعتبار الإسلام بيوت العبادة لغير المسلمين بهذه الدرجة، ويوجب على المسلمين الدفاع عنها وحمايتها وسلامتها، أهذا الدين بهذا المستوى يُقال عنه اليوم إنه انتشر بحد السيف؟

لقد صبر المسلمون أربع عشرة سنة على الذين يؤذونهم ويقاتلونهم، فالقتال هنا كان لدفع المعركة أو لرد العدوان الذي بدأه المشركون.

هناك أمرُ لابد من الانتباه إليه وهو أن الروم والفرس بعد أن تطهرت الجزيرة العربية من المشركين ودانت للإسلام، أحسوا بخطورة الإسلام عليهم وبدءوا يستعدون للقتال، فمثلاً غزوة تبوك كان السبب فيها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بلغه أن الروم حشدوا جيوشهم لغزو المدينة المنورة فهم الذين بدءوا بالعدوان، وأيضاً كان موقف الفرس من الإسلام واضحاً من أول يوم، فقد مزق كسرى كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر عامله في اليمن أن يرسل رجلين يأتيانه بمحمد وقال مستنكراً: "يكتب إلىّ بهذا وهو عبدى".

وكان كسرى بهذا المُنطق يستعبد كل عربي، وعامله إلى اليمن قام فعلاً بإرسال رجلين من اليمن إلى المدينة المنورة ودخلا على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو بين أصحابه فقالا له قم أجب ربنا، فأشاح عنهم المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بوجهه وقال: "لولا أن الرسل لا تُقتل لقتلتكما، أخبرا ربكما (وهو والي اليمن) أن ربي قد قتل ربه الليلة" وكان ابن كسرى في هذه الليلة قد وثب على أبيه فقتله.

وتركهما يخرجان من المدينة إلى اليمن، وفي الطريق علما بما أخبرهما به النبي - صلى الله عليه وسلم - وتقول الروايات أنهما أسلما وأسلم خلق كثير ممن سمعوا هذه النبوءة من المصطفى - صلى الله عليه وسلم -.

فالمسلمون يتوقعون الحرب من فارس والروم أكبر دولتين في العالم، إنهم يتوقعون العدوان، ولذلك فإن من حقهم أن يطمأنوا إلى عدم وجود أعداء لهم داخل الجزيرة العربية، وأن من بدأ يستعد من خارج الجزيرة أياً كان للإغارة عليها ففرض على المسلمين أن يستعدوا لملاقاته وهزيمته وكسر شوكته وهذا ما كان.

والمسلمون مكلفون أيضاً من الله - عز وجل - بتبليغ دعوة الله للناس بالحكمة والموعظة الحسنة وعليهم بالتالى أن يُزيلوا كل عقبة تقف أمامهم حتى يتمكنوا من إيصال دعوة الله لعباد الله، وهم بعد ذلك أحرار في أن يستجيبوا لها أو يُعرضوا عنها، قال - تعالى -: ?يَا أَيٌّهَا الرَّسُولُ بَلِّغ مَا أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّم تَفعَل فَمَا بَلَّغتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعصِمُكَ مِنَ النَّاسِ? (سورة المائدة: 67).

ومع ذلك فإن الإسلام لو استطاع أن يُزيل العقبات من أمام الدعوة بغير قتال فإنه يرحب بذلك، فذلك خير، ويرحب بالحوار والمعايشة بين الشعوب، كما أن الإسلام يهمه بالدرجة الأولى حرية الشعوب وكرامتها بصرف النظر عن عقيدتها، فمثلاً حين جاء الإسلام وفتح مصر، طردوا الرومان الذين استعمروها وأذلوها وشردوا أهلها فأزال الإسلام كل الظلم الواقع على أهلها.

 ووصل حد الحريات في الإسلام أن ابن فاتح مصر عمرو بن العاص ضرب ابن نصراني في سباق كان بينهما، وقام والده الذي أحس في قرارة نفسه بمدى الحرية التي يعيش فيها، ومن هنا لم يذهب لوالي مصر بل سافر من مصر إلى المدينة، فالطريق آمن وصاحب الحق لابد أن يأخذ حقه، وهناك كَلم الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وشكا إليه فماذا فعل الخليفة؟ استدعى على الفور عمرو بن العاص وابنه وأعطى للنصراني السوط ليقتص من ابن عمرو، وبعد أن اقتص منه قال له عمر أدرها على صلعة عمرو فإن ابنه ما ضرب ابنك إلا بسلطان أبيه، فقال لا يا أمير المؤمنين الآن اشتفت نفسي" هل سمعت الدنيا بمثل هذا؟ هل رأي العالم من أوله إلى آخره هذا العدل والحرية وكرامة الإنسان إلا في الإسلام، وما ذلك إلا لأن الإسلام يُقرر أن لكل نفس حرمة، ولكل نفس كرامة بحكم إنسانيته، قال - تعالى -: {قَد كَرَّمنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلنَاهُم فِي البَرِّ وَالبَحرِ وَرَزَقنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلنَاهُم عَلَى كَثِيرٍ, مِّمَّن خَلَقنَا تَفضِيلاً}(سورة الإسراء: 70).

أفبعد ذلك يُقال أن الإسلام انتشر بحد السيف وبقهر الشعوب بالعدوان عليها، إن الإسلام انتشر لأنه وضع حداً للسيف لا يتعداه، وضمن كل الحقوق لجميع خلق الله، وهذا هو الحق وغيره الباطل، وصدق الله العظيم حين رد على هؤلاء وأمثالهم ? كَبُرَت كَلِمَةً تَخرُجُ مِن أَفوَاهِهِم إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا? (سورة الكهف:5).

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply