زيارة كونداليزا للمنطقة محاولة أمريكية لإفشال اتفاق مكة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

على قدر الفرح العربي والإسلامي باتفاق مكة - على أساس أنه يحقن الدم الفلسطيني، وينزع فتيل الحرب الأهلية بين فتح وحماس - على قدر الغضب والضيق الأمريكي الإسرائيلي من هذا الاتفاق، فالأجندة الأمريكية التقليدية هي الفوضى الخلاقة، والحرب بين الطوائف في المنطقة، وجزء من هذه الأجندة هي الحرب بين حماس والجهاد في فلسطين، وكذلك فإن زيارة كونداليزا رايس كانت مقررة سلفاً قبل اتفاق مكةº بهدف وضع اللمسة الأخيرة في عملية الإطاحة بحكومة حماس، ولكن اتفاق مكة قطع هذا المخطط وأفشله، وردت أمريكا على ذلك بتجميد الـ 86 مليون دولار التي كانت قررتها لصالح الرئاسة الفلسطينية أي نوع من التعبير عن الغضب على محمود عباس لأنه تجرأ وقبل الاتفاق مع حماس، حتى لو كان ذلك عن طريق ضغوط دول حليفة لأمريكا، فالتحالف لا يعني بالضرورة الانطباق في المواقف، وربما يعرف الحلفاء المحليون ما لا تعرفه أمريكا!!، ولا تفهمه إدارة المحافظين الجدد، أو أغبياء واشنطن أمثال بوش وتشيني الذين يدفعون الأمور لصالح إيران دون أن يدروا!!.

الموقف الأمريكي الغاضب من اتفاق مكة عبر عن نفسه في تصريحات المسئولين الأمريكيين بمن فيهم الآنسة كونداليزا رايس، وهي أن أمريكا سوف تتريث لترى سلوك الحكومة، أي أنها تريد اعتراف حماس بإسرائيل، والقبول بنبذ العنف، وتفكيك الجناح العسكري لحماس، ثم بعد ذلك تفكر في رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني، وربما وجدت ساعتها أن ما حدث لا يكفي، فلا بد من قيام حماس بنفسها بتصفية الأجنحة العسكرية للحركات الأخرى مثل الجهاد والجبهة الشعبية، وربما أيضاً طلبت من الحكومة تفكيك الجناح العسكري لفتح ذاتها المتمثل في كتائب شهداء الأقصى، أو ربما تطلب إسرائيل ومعها أمريكا بتسليم قادة حماس وفتح إلى المحاكمة، ومن ثم من يبقى في الحكومة والبرلمان من فتح وحماس يمكنهم أن يطلبوا من أمريكا وغيرها رفع الحصار.

جاءت كونداليزا رايس إلى المنطقة، وفضلت أن تمر على العراق أولاً لتقول للجميع: أن ما يعني الإدارة الأمريكية في الوقت الحاضر هو الموضوع العراقي، ولا داعي لأن يطلب منها الرئيس عباس شيء ذو قيمة في الحلف الفلسطيني، وكانت إسرائيل ومعها أمريكا قد عبرت سلفاً قبل الاجتماع الثلاثي الذي تم بين كونداليزا ومحمود عباس وايهود أولمرت أنها لن تتطرق إلى القضايا الجوهرية.

إذا كان الاجتماع مجرد تطييب خواطرº فالرئيس عباس حاول تسويق وتبرير وتأويل الاتفاق بما يطمئن أمريكا وإسرائيل، وحاول أن يلفت نظرهم إلى أن الأمور في فلسطين المحتلة وفي المنطقة لا تسمح بتنفيذ الأجندة الأمريكية بالطريقة الغبية التي تريد كونداليزا، وأن الاستمرار بهذه الطريقة سيحرج حلفاء أمريكا في المنطقة، وربما يزيد قوة حماس في النهاية، وأنه من غير المعقول أن يرجع عباس من الاجتماع الثلاثي بدون أي تقدم سياسي، أو حتى اقتصادي، ومن ثم فإن منطق حماس سيكون هو المنطق الصحيح، وهو أن حماس لا ترفض المرونة لمجرد أنها متشددة، بل هي ترفض المرونة بدون ثمن مقابل، وإلا فإن من يفعل ذلك هو أحمق ومفرط في حقوق الشعب، ويدفع ثمن مجاني بلا مقابل.

رغم كل ذلك فإن كونداليزا كررت معزوفة قديمة ليس فيها جديد عن مناهضة الإرهاب، وحل المشكلة الفلسطينية في وقت لاحق يكون أكثر ملائمة، ولكن الحقيقي في الموضوع أن الآنسة كونداليزا فشلت في دفع الأمور نحو إفشال اتفاق مكة، لأن عباس رأى أن أولمرت أصبح في الداخل الإسرائيلي أضعف حتى أن يتم الاعتماد على وعوده المستقبلية بفرض صدقه المزعوم فيها - وهو غير صادق طبعاً -، وكذلك فإن شمس الجمهوريين وشمس اليمين المحافظ، وشمس بوش، وشمس كونداليزا كلها تغرب وتنحسر في أمريكا، فما الداعي أن يراهن عباس على الرمال المتحركة التي لو راهن عليها ستبتلعه هو أيضاً معها.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply