وحين تكون الحرية حكرا على البعض دون الآخر ...


بسم الله الرحمن الرحيم

 

و تتوالى الالتفاتات... تبدأ لتنتهي على استحياء، ويرمقني بطرف عينيه محاولا أن يستشف ردة فعلي، أحاول أن أكتم ما يعتمل بصدري وذهني... وأجتهد في البحث عن موضوع أطرحه حتى يكون البديل... وحتى يحتل النقاش حوله مساحات فكره و عقله، ويلهيه عن الانسياق ببصره وراء مناظر أضحت تؤثث فضاءات الواقع المر في كل الأوقات.

 

بطون وأفخاذ عارية، وسيقان وأذرع وأشياء أخرى كذلك...

 

فتيات في عمر الزهور مزدانات بكل أنواع الزينة... ألبسة قصيرة، ضيقة أو شفافة... مساحيق و قصات شعر وعطور، متبرجات حتى النخاع... ويقصدن دور العلم،

 

نساء في كل الأعمار على نفس الشاكلة و يقصدن أماكن العمل...

 

و ربات بيوت وأمهات... ولا يختلف مظهرهن عمن سبق ذكرهن...

 

وأجدني مرغمة ـ مرة أخرى ـ على أن أخوض غمار هذا الموضوع، بالرغم من أن الحديث عن مثل هذه الظواهر أصبح اليوم عند مريدي العصرنة والحداثة من قبيل الهذيان المبين عن رجعية راسخة في الفكر والوجدان...

 

 أجدني أفعل و دون تردد وقد أخبرنا وحي مذهبهم بأن حرية الفرد مقدسة...

 

وحدثنا كهنتهم بأن للإنسان أن يبحر في محيط الحياة كيفما شاء، و بأي فلك وأشرعة يريد، طالما أن ذلك يوافق مزاجه و يريح نفسه ويلبي رغباته ويفي بتطلعاته...

 

 لكن، وهاته الحداثة تعترف بالعلم، وتلبس مسوحه ولا تعارضه، بل وتمتطي صهوته من أجل التصدي "للخرافة والغيبيات"، لا يمكنها إلا أن تجد نفسها مضطرة منطقيا لولوج حلبة التناظر من أجل البحث عن الحقيقة، التي مافتئت تتباهى بأنها تنافح عنها، وتقرها، وتجعل من إبرازها هدفها الأول والأخير.

 

 فالعلم أثبت أن للإنسان حواس... والحواس تستثار عن طريق المؤثرات... والدماغ يتلقى الإشارات ويرسل الأوامر للأعضاء... فتشتغل...

 

و عري الأجساد يخاطب الأبصار، وروائح العطور تدغدغ الأنوف، والخضوع في القول والكلام الفاحش ينحشران في الآذان... و العواطف والرغبات الجامحة المدمرة تسكن السوانح والوجدان...

 

 والنتيجة التي لا يمكن أن ينكرها كل ذي لب يؤمن بالعلم: إشارات عصبية تتوالى، و هرمونات تفرز، وغرائز تستثار، وأعضاء تناسلية تشتعل أنسجتها.... فتستعد للاشتغال...

 

 وبالرغم من هذا فمقولات الحداثة تكابر و تتحدى منطق العقل والعلم...

 

فالمرأة حسب نصوصها المقدسة تملك حرية اختيار المظهر الذي ترغب في أن تبدو عليه، والمنهج الأخلاقي الذي تود أن تسلكه...

 

 لكن أو ليس من حق الجميع التحقق من مدى إمكانية تطبيق هذا المنطق بالنسبة للجميع، و من عدم مساسه بحرية ومصالح الآخرين؟

 

 فالمراهق ـ القابع بجاني في السيارة أثناء رحلة الذهاب إلى الثانوية ـ جزء من هذا الجميع، و فرد من أفراد المجتمع المؤمل و المطلوب من الحداثة أن تعطيهم كل الحقوق المستحقة حسب نصوصها، و أن تهتم بهم، و تترك لهم الحق في ممارسة حرياتهم ب"حرية" في جميع المجالات.

 

وأية حرية ستضمن له وتوفر له هاته الحداثة، وهو المقود عنفا إلى الفاحشة لتفريغ الشحنات المنبثقة من استثارة أعضاءه التناسلية قهرا ودون رضاه؟

 

و هل من حلول أتوخى أن يطرحها سدنة الحداثة حتى أتمكن من خلالها أن أنقد ابني من مهاوي الرذيلة والفحش؟

 

 وكيف له أن يكون حرا في أن يسخر الطاقات التي من الله بها عليه في إعلاء همته في طلب العلم، حتى يساهم إعادة الأمة إلى مرتبة الخيرية وهو المشتت الذهن، المباغت كل فينة وأخرى بما يقتحم عليه كيانه من شحنات الإغواء، تدفعه إلى بذل الكثير من الجهد من أجل مغالبة ما تنتجه في نفسه من نزوات، قد تدمره إن هادنها و استجاب لها؟

 

 و كيف يطلب من هذا الغض اليافع، الذي نضج جسمه قبل أن ينضج عقله أن يغالب هذا الطوفان من المثيرات الجنسية المتدفقة من جميع الجهات، المخاطبة لكل الحواس؟

 

 كيف لا يمكن أن تكون نصوص الحداثة مسئولة عن ضياع مستقبل من استثير... فاشتعل أوار شهوته... فمارس الجنس الحرام... فحظي بغضب الله وسخطه أولا... ثم كان المرض "العقاب" القاتل من نصيبه ثانيا؟

 

 شباب يافع في عمر الزهور أدخل متاهات اللذة الحرام يتلظى بلهيبها...

 

 يأس وضنك وتيه وأمراض نفسية وجسدية... تنهك القوى وتدمر فئة الشباب التي أريد لها أن تكون معول هدم لا وسيلة بناء وتعمير للأرض المستخلف فيها من قبل الإله.

 

 ثم ألا يخطر ببال الأسر المتيحة للإناث منها ممارسة الحرية في انتقاء ما يحلو لهن من لباس وسلوكيات أن ذكورها لابد مكتوون بنار تبرج إناث الغير المتحررات؟

 

خيانات زوجية و علاقات غير شرعية ولقطاء، بل وحتى زنى المحارم و كذا اغتصاب الأطفال...

 

سعار جنسي مقيت يشل الطاقات ويدمر العلاقات...

 

 ولكي ترتق الخرق الذي اتسع على الراقع تحاول الحداثة تفعيل حلول وهمية لا تقيم للعوامل المسببة للخلل حسابا...

 

 حملات إعلامية مضادة للاستغلال الجنسي للأطفال... و النفوس مريضة بعيدة عن الله تلهث وراء كل آت من الغرب المريض المهووس بالجنس حتى النخاع.

 

 وجمعيات تدعي العمل على حماية المجتمع المدني... و القلوب غافلة، ساجدة تتلقى "نفحات" العهر و "بركات" التسيب من مواقع الفجور على الانترنت، ومن قنوات المجون في التلفزيون، ومن صفحات العري في الصحف والمجلات.

 

 و الداء لا يمكن شفاءه كما هو معلوم إن لم يتصد للسبب المسبب له...

 

 و... تتيه بي الأفكار.. و تنحشر بذهني في متاهات التأمل في واقع الحال...

 

و أجدني قد شردت عن متابعة ما كنت بصدده من افتعال ما قد يشغل ابني عن الانشغال بصور العري والانحلال.

 

 و ينفطر قلبي ككل مرة حين أجدني عاجزة عن ضمان حمايته، وعن استعادة ما أجهز عليه الآخر المتحرر بمباركة عجل الحداثة ـ من حريته...

 

 يجتاحني القلق طوفانا يعصف بحناياي، ويرغمني على التساؤل حول جدوى ما أقوم به من جهود لإبعاد شبح الانسياق وراء الشهوات الحرام عنه، وعن مدى قدرة تلك الجهود على الوقوف أمام سيل الغواية الجارف، المتطاولة أمواجه حوله وحول أمثاله يوم بعد يوم

 

 و يتوقف سيل التفكر و قد وصلت إلى وجهتي...

 

يغادر ابني، و أتابعه بنظرات مشفقة... و اليأس يكاد ينحشر و ينغرز شوكه في داخلي...

 

أنتبه فجأة و أستعيذ بالله... أسارع بالتضرع إليه...

 

أبادر باستعادة استشعار طعم الحرية الحقيقية الكامنة في العبودية لله في أعماقي... أستلذه ترياقا يبيد وهن الهزيمة، ويعين على نوائب الإحساس بالقهر.

 

و ينطلق لساني ذاكرا...وقلبي راجيا من الله أن يشملنا وأبناءنا بحفظه، وأن يعيننا على حسن تربيتهم وتوجيههم حتى يغالبوا الشهوات، ويدرءوا عن أنفسهم الزلات، ويستعينوا بالله على التصدي للانجراف وراء المنكرات.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply