طموحات إمبريالية


بسم الله الرحمن الرحيم

 

يقدم هذا الكتاب مجموعة من المقابلات مع المفكر الأميركي الشهير نعوم تشومسكي أجراها ديفد برساميان حول غزو العراق واحتلاله، ومذهب الضربات الأميركية الاستباقية، والدول المارقة، والتهديد المتنامي الذي يشكله الاندفاع الأميركي نحو الهيمنة على السلام الدولي، ونظام الدعاية الأميركي الذي يختلق الماضي الخرافي، وينشر الوقائع غير الملائمة من التاريخ.

 

تغيير النظام

بدأت أوروبا ومنطقة شرق آسيا تحتلان مركزا اقتصاديا عالميا مهما لا يقل أهمية عن مركز الولايات المتحدة الأميركية، ولكنها مجموعات اقتصادية مرتبطة ببعضها ولديها مصالح مشتركة، وإن كان لكل منها مصالح منفصلة.

 

-الكتاب: طموحات إمبريالية

-المؤلف: نعوم تشومسكي

-ترجمة: عمر الأيوبي

-عدد الصفحات: 175

-الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت

-الطبعة: الأولى/2006

 

طالما كان للولايات المتحدة الأميركية موقف متناقض تجاه أوروبا، فهي تريد أوروبا موحدة تكون سوقا أكثر كفاءة للشركات الأميركية تقدم مزايا الحجم الكبير، لكنها تخشى دائما التهديد الناجم عن احتمال تحرك أوروبا في اتجاه آخر، ويتصل بذلك انضمام العديد من دول أوروبا الشرقية إلى الاتحاد الأوروبي. فالولايات المتحدة تؤيد عملية الانضمام هذه لأنها تأمل أن تكون هذه البلدان أكثر عرضة للنفوذ الأميركي، وأن تتمكن من تقويض نواة أوروبا، وهي فرنسا وألمانيا.

وتبدي الولايات المتحدة رفضها للنظام الاجتماعي في أوروبا القائم على الأجور والعوائد المحترمة للعمال، وبالطبع فإن نظام الأجور المتدنية وقمع العمالة في أوروبا الشرقية يساعد في تقويض المعايير الاجتماعية في أوروبا الغربية، وسيكون ذلك مفيدا للولايات المتحدة.

تبدو سياسية المجموعة الحاكمة في الولايات المتحدة للسنوات القادمة (حتى عام 2008 والمقصود الحقبة الجمهورية المحافظة والأصولية) قائمة على مأسسة سلسلة من البرامج الشديدة الرجعية، من عجز هائل شبيه بما فعلوه في الثمانينيات (الحقبة الريغانية) وتقويض البرامج الاجتماعية، وتقليص الديمقراطية، وسيكون الإرث الذي سيخلفونه صعبا في الداخل.

وعلى الصعيد الدولي يأمل الأصوليون اليمينيون الجدد مأسسة مذاهب الهيمنة الإمبريالية من خلال القوة والحروب الوقائية المنتقاة، فالولايات المتحدة متفوقة عسكريا، وتأمل المجموعة المهيمنة عليها اليوم أن تتحرك في اتجاهات خطرة، مثل عسكرة الفضاء استنادا إلى القوة الطاغية بصرف النظر عما يحل بالاقتصاد.

وتخطط السياسات الأميركية بناء على إستراتيجيات دعائية تتجاهل رأي الناس وموقفهم، وتفترض أنهم جهلة وأغبياء لا يدركون مصالحهم أو تتوسل بهذه المقولة لتغطية برامج فردية واستبدادية للحكم والقرار والإدارة.

وهناك بالطبع نضالات أميركية سياسية واجتماعية لمواجهة هذه الطموحات الإمبريالية، وتبدو مكاسبها ضئيلة، ولكنها طبيعة هذه الحركات والدعوات، فلنتذكر دعوات إلغاء الرق كم احتاجت من وقت، وقد أمكن بالفعل إنجاز أعمال وبرامج للسلام والعدالة.

إن الهدف الأساسي للجمهوريين الجدد هو توسعة مزايا الأغنياء من حلفائهم وفرصهم في الولايات المتحدة والعالم، والتخلي عن برامج الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية والاجتماعية، ولا سبيل لتحقيق تأييد الناس إلا بإخافتهم وإرهابهم.

وبغير ذلك فإنهم سينظمون أنفسهم وأصواتهم الانتخابية باتجاه العدالة الاجتماعية، ولكن الإرهاب فرض عليهم أن يتخلوا عن مصالحهم وأولوياتهم من أجل حماية أنفسهم، وتحت غطاء هذه الحماية يمرر الجمهوريون أجندتهم. لقد ظهر بوش قائدا يحقق نجاحا في التغلب على العدو الرهيب، وهو عدو تم انتقاؤه بدقة ليمكن سحقه بسهولة.

ويحتاج المواطنون والناس جميعا في العالم كله لمواجهة هذا الطوفان الدعائي إلى استخدام ذكائهم العادي، وتفحص الطوفان الإعلامي بالحس السليم العادي والذكاء المتشكك.

يأمل الأصوليون اليمينيون الجدد مأسسة مذاهب الهيمنة الإمبريالية من خلال القوة والحروب الوقائية المنتقاة، فالولايات المتحدة متفوقة عسكريا وتأمل المجموعة المهيمنة عليها اليوم أن تتحرك في اتجاهات خطرة

لماذا يواجه نشطاء العدالة الاجتماعية في الولايات المتحدة دائما بسؤال مثل "ما الذي علينا أن نفعله؟ " وهو سؤال لا يطرح في العالم الثالث بل الناس هناك يخبرونك بما يفعلونه، ومن الملفت للاهتمام في الولايات المتحدة اليوم أن معارضي سياساتها هم من الأساتذة والكبار بعد أن كان المعارضون لحربها في فيتنام في الستينيات من الشباب وطلاب الجامعات.

فهل يعني ذلك أن معارضة الحرب قد ولت إلا من بقايا معارضيها أنفسهم في الستينيات؟ الواقع أن حملة الستينيات بدأت بعد سنوات من الجهود القاسية وغير الملحوظة لتتحول إلى حركة شبابية ومجتمعية كبيرة، وهو ما يتوقع حدوثه في الولايات المتحدة، ولكن ثمة حملة إعلامية وسياسية إغراقية لعدم الإقرار بالتاريخ الفعلي، ولأجل ألا تدرك أن الجهد المتفاني والملتزم يمكن أن يحدث تغييرات كبيرة، وتلك فكرة خطيرة يجري محوها من التاريخ.

 

التاريخ والذاكرة

كتب عالم الاجتماع الإيطالي أنطونيو غرامسكي في سنة 1925 "إن إحدى العقبات الرئيسية أمام التغيير هي أن القوى المهيمنة تعيد إنتاج أيدولوجية الهيمنة، ومن المهام الجليلة والملحة تطوير تفسيرات بديلة للواقع، ويذكر روبرت مكنمارا في الفيلم الوثائقي "ضباب الحرب" اعترافا مثيرا للاهتمام، فهو يستشهد بقول الجنرال كورتي ليماي، وكان قد خدم معه في فترة قصف المدن اليابانية بالقنابل الحارقة في الحرب العالمية الثانية، "لو خسرنا الحرب لكنا حوكمنا جميعا كمجرمي حرب" فما الذي يجعل الحرب غير أخلاقية إذا خسرت وأخلاقية إذا ربحت؟

إن الإستراتيجية الأميركية التي تفسر السلوك الأميركي الأخير هي إستراتيجية الدفاع الوقائي، وهي كما تقول مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأميركية في عهد كليتنون كانت موجودة في جيب أي رئيس، ولكن بوش الابن هو من استخدمها، وقد علق هنري كيسنجر على هذه الإستراتيجية بأنها تمزق ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، بل وتلغي منظومة وستفاليا للقانون الدولي التي وضعت في القرن السابع عشر.

وقد وافق كيسنجر على هذا المذهب، لكنه أضاف شرطا واحدا: يجب علينا جميعا أن ندرك أن هذا المذهب لنا، وليس لأي أحد آخر، سنستخدم القوة متى شئنا ضد كل من نعتبره تهديدا محتملا، وربما فوضنا هذا الحق إلى دولة تابعة، لكن ليس للآخرين.

لقد ارتكبت الولايات المتحدة الأميركية جرائم حرب كبرى في عهد ريغان على سبيل المثال، فقد قتل مائتي ألف مواطن على الأقل في أميركا اللاتينية، ولكن عندما ترتكب الولايات المتحدة هذه الجرائم فإنها تعتبر كأن لم تحدث.

وكان الشخص المسؤول عن إحدى مكونات هذا الإرهاب، حرب الكونترا في نيكاراغوا هو جون نيغروبونتي، السفير الأميركي في هندوراس، والذي كان يلقب بحاكم مقاطعة هندوراس، ثم عمل سفيرا في العراق، وقد كتبت صحيفة وول ستريت جورنا مقالة تشير فيها إلى أن نيغروبونتي ذاهب إلى العراق كحاكم مقاطعة حديث، وأنه تعلم مهنته في هندرواس في الثمانينيات عندما كان مسؤولا عن أكبر محطة للاستخبارات الأميركية في العالم، وهو الآن مسؤول عن أكبر سفارة أميركية في العالم.

إستراتيجية الدفاع الوقائي الأميركية، تقول عنها مادلين أولبرايت إنها كانت موجودة في جيب أي رئيس ولكن بوش الابن هو من استخدمها، وكيسنجر يصفها بأنها تمزق ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي

ونشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالة عن مداولات جرت بين هنري كيسنجر وريتشارد نيكسون، واشتملت على جملة مثيرة للدهشة، وقد حاول كيسنجر في المحاكم منع نشرها، ولكن المحاكم سمحت بذلك. كان نيكسون يريد شن هجوم على كمبوديا تحت ذريعة نقل المؤن جوا، يقول نيكسون: أريد ضرب كل شيء، وينقل كيسنجر الأمر إلى البنتاغون بتنفيذ حملة قصف واسعة النطاق في كمبوديا على كل ما يطير أو يتحرك.

وهي أكثر الدعوات في السجل التاريخي الأميركي صراحة لارتكاب الإبادة الجماعية، وقد أطلقت الأوامر نفسها في الفلوجة في العراق، لقد مرت المداولات الخطية بين نيكسون وكيسنجر بدون تعليق أو رد فعل، إن وجوب كبت الذاكرة سياسة يدركها جيدا الحكام الإمبرياليون.

يقول برتراند رسل: إن من طبيعة الإمبريالية أن مواطني القوة الإمبريالية هم آخر من يعلم دائما عن الظروف السائدة في المستعمرات أو يهتم بها، والواقع أنهم يهتمون ولهذا فإنهم آخر من يعلم، لأنهم يتعرضون لحملات واسعة النطاق من الدعاية الصريحة أو الصامتة، فالتزام الصمت تجاه الجرائم هي دعاية أيضا، وإذا عرف الناس بجريمة فلن يسمحوا لها بالاستمرار، لقد أبيدت مدن وقرى في الستينيات ولكن مثل ذلك لم يحدث في العراق لأن الرأي العام كان أكثر حضورا.

إن الوثائق السرية غالبا ما تخفى عن السكان المحليين خشية من الاهتمام الذي يبديه الناس، وما زال كثير من الوثائق يخضع للحظر رغم مرور أكثر من ثلاثين سنة عليها، وذلك خلافا للقانون الأميركي، مثل وثائق حول ما حدث في غواتيمالا عام 1954، وما حدث في إيران سنة 1953.

ويحمل غلاف كتاب إقبال أحمد "الإرهاب: إرهابهم وإرهابنا" صورة لريغان في مكتبه وهو يلتقي قادة المجاهدين الأفغان، وتلك صورة لا تروج لأنها تعبر عن الدور الأميركي الفعال في دعم المجاهدين الذين تحولوا لاحقا إلى طالبان، لقد ساعدت الولايات المتحدة بفعالية في تنظيمهم وتمويلهم وحشد الإسلاميين المتشددين حولهم من جميع أنحاء العالم.

 

عالم محتمل آخر

هناك اتجاهان متضاربان في السياسة الخارجية الأميركية، أحدهما يدعى المثالية الويلسونية، وهي التي تستند إلى النوايا النبيلة، والثاني يدعى الواقعية الرصينة، وهي تقول إن علينا أن ندرك حدود نوايانا الحسنة، وفي بعض الأحيان لا يمكن تحقيق نوايانا الحسنة في العالم الحقيقي.

وعندما تهاوت ذرائع غزو العراق، فتبين أنه لا توجد أسلحة دمار شامل، ولا يوجد ارتباط بين القاعدة والعراق، ولا علاقة للعراق بأحداث 11/9 كان على كتاب خطابات بوش استحضار شيء جديد، لذا استحضروا رؤيته المسيحانية بإحلال الديمقراطية في الشرق الأوسط، فكتب ديفد إغناطيوس في الواشنطن بوست أن حرب العراق أكثر حروب العصر الحديث مثالية.

فهي حرب مبررها المنطقي الوحيد هو العمل على تحقيق مستقبل ديمقراطي للعراق، لقد كان الغزو إذن رؤية نبيلة وملهمة، وربما نجد لو كان لدينا سجلات أن جنكيز خان عندما كان يقوم بذبح عشرات الملايين كان لديه أيضا رؤية نبيلة، وهل هناك استثناء لمذهب الرؤية النبيلة للغزو في نظر أصحابه؟

يقول تشرشل قبيل الحرب العالمية الأولى عندما كان وزيرا للمستعمرات البريطانية في سياق الدعوة إلى زيادة النفقات العسكرية البريطانية "إننا لسنا شعبا فتيا ذا سجل بريء وميراث ضئيل، لقد استحوذنا لأنفسنا على حصة غير متناسبة مع حجمنا من الثروة والحركة التجارية العالمية، وحصلنا على كل ما نريده من الأراضي، وما ننشده هو الاستمتاع الخالص بالممتلكات الشاسعة والرائعة التي حصلنا عليها بالعنف بشكل رئيسي، وحافظنا عليها بالقوة إلى حد كبير، وغالبا ما تبدو أقل صوابا بالنسبة للآخرين مما تبدو لنا".

هناك اتجاهان متضاربان في السياسة الخارجية الأميركية، أحدهما يدعى المثالية الويلسونية وهي التي تستند إلى النوايا النبيلة، والثاني يدعى الواقعية الرصينة وهي تقول إن علينا أن ندرك حدود نوايانا الحسنة، وأنه في بعض الأحيان لا يمكن تحقيقها

لا يلزمك سوى دقيقة واحدة من التفكير لتدرك أنه ما من سبيل لأن تسمح الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا بقيام عراق ديمقراطي يتمتع بسيادة وطنية، ذلك أن السياسات التي يجب أن يتبعها العراق الديمقراطي ستقوم على محاولة استرجاع مكانه كقوة بارزة في العالم العربي، فما الذي سيعنيه ذلك؟

أن يعاود العراق التسلح، وربما سيطور أسلحة دمار شامل للردع ولمواجهة العدو الإقليمي إسرائيل، فهل ستسمح الولايات المتحدة بذلك؟ فعراق ديمقراطي أمر لا يمكن تصوره أميركيا أو بريطانيا.

إن على مواطني الدول الديمقراطية أن يسلكوا طريق الدفاع الفكري عن النفس لحماية أنفسهم من الخداع والسيطرة، فالحكومة تقوم على الرأي، حتى الحكومات المستبدة والعسكرية تقوم على الرأي، ولا يلزم التعذيب للسيطرة على الشعب بل يمكن ذلك بالقبول، إنك تجد في وسائل الإعلام الموجهة إلى الأطفال والتي تصوغ الرأي العام انحيازا لإسرائيل والظلم بشكل لا تتبعه إسرائيل نفسها.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply