ديمقراطية . . الدمار الشامل


بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

عمليات تفجير:

نشرت صحف نيويورك تايمز وكريستيان ساينس مونيتور مجموعة من التقارير التي صنفت ب "السرية" عن السجون الأمريكية المهربة إلى العديد من الدول الأوروبية، حتى الديمقراطية منها من الاتحاد الأوروبي.

خطورة التقارير كانت في أن الولايات الأمريكية المتحدة، راعية السلام في الشرق الأوسط وحاملة مشعل الحرية والديمقراطية للعالم "المتخلف" هي التي -منذ انتهاء الألفية السابقة- صارت الخبيرة رقم واحد في صياغة نظم الحرب الجديدة ليس على الإرهاب فقط بل وعلى الدول التي وجدت نفسها في فخ المصطلح الأمريكي القديم "الدول المارقة" والذي يعني أن حق الحرب صار مضموناً اليوم بالنسبة للولايات الأمريكية ضد أية دولة في العالم لا تدخل في صف "الشرعية الدولية" الواجب احترامها من منطلق ما تأمر به إدارة البيت الأبيض بالخصوص ما ترتبت عنه الحرب الأمريكية على العراق ليس فقط "نجاح مهمة" الإطاحة بديكتاتور عراقي اسمه صدام حسين بل للأسف الشديد أنه تم الإطاحة بدولة كاملة وإسقاطها إلى الحضيض، لأن الجرائم التي تم الكشف عنها هي التي ارتبطت بالاحتلال وشكلت به واقعاً رهيباً عكس "الديمقراطية" الأمريكية التي تريد نشرها بنفس الطريقة في العالم وبالخصوص في منطقة الشرق الأوسط من فضيحة أبي غريب إلى فضيحة "المجازر المجانية" كما أسمتها صحيفة لوسوار البلجيكية التي كان لها السبق الأول في الكشف عن "البعد الآخر" من عمليات الاختطاف التي تنسب إلى المقاومة العراقية، من ضمنها عملية اختطاف عسكري أمريكي هو "جيميس هامير" واغتياله في عملية صورت على شريط فيديو ونسبت إلى جماعة عراقية مقاتلة.لكن عائلة "جيمس هامير" خرجت عن صمتها فجأة، فاتهمت والدة القتيل السلطات الأمريكية بقتل ابنها، ليس لأنها أرسلته إلى العراق لنشر"الديمقراطية" بل لأنها أرادت أن تصفيه جسدياً بتهمة تعامله مع النظام الإيراني.

موقع كريستيان ساينس مونيتور عبر الإنترنت نشر أن "جيمس هامير" زار إيران سراً أكثر من مرة في الشهور الأخيرة، مما دفعها إلى القول إنه كان يتعامل مع الإيرانيين سراً لبيع معدات عسكرية لحسابه الخاص.

والدة "جيميس هامير" ذكرت أن ابنها كان مراقباً من قبل الشرطة الفدرالية حين زارها، وأنه باح لها بأن حياته في خطر من دون أن تكون على علم عن نوع الخطر الذي يعنيه، سوى ذلك المرتبط بوجوده في العراق لكن اختطافه وقتله جعل العالم يرمي بالجثة في شباك المقاومة العراقية ونفض اليد من "عميل" كانت الإدارة الأمريكية تتهمه بالتورط المشبوه ببيع معدات عسكرية لإيران لحسابه الخاص، وهي جريمة عقابها "الإعدام".

لكن إعدام ضابط أمريكي شارك في الحرب على العراق لن يكون سهلاً إعلامياً، خاصة احتمال أن يكون "جيمس هامير" قد سرب معلومات إلى الإيرانيين أثار رعب الأمريكيين، فكان التخلص منه بقتله، في مسرحية منسوبة إلى جماعات المقاومة العراقية.. هذه الفضيحة التي استطاعت الإدارة الأمريكية أن تخنقها حتى قبل أن تنفجر إعلامياً داخل الولايات الأمريكية توازي فضيحة السجون الأمريكية التي تم الكشف عنها والتي تورط من جديد سياسة صقور البيت الأبيض الذين يتحملون اليوم مسؤولية الوضع السياسي الدولي الذي غرق في اللا قانون، في الخارجين عن القانون من أصحاب النفوذ داخل البيت الأبيض ومدراء الشركات البترولية الأمريكية وكذلك مسئولين من الحكومات الأوروبية المتواطئة في فضيحة السجون المتنقلة تلك من ألمانيا إلى رومانيا إلى بلجيكا استطاعت وكالة الاستخبارات الأمريكية أن تنقل مئات السجناء من معتقل جوانتانامو الكوبي لتمارس "حق" استجوابهم بحرية أكبر، وتعذيبهم دون رقابة مراقب.

لم تكن الفضيحة شيئاً جديداً لأنها في الحقيقة ارتبطت بالحرب التي بدأتها أمريكا من دون العودة إلى الشرعية الدولية، ومن دون احترام قرارات الأمم المتحدة.. أمريكا تواجه اليوم تهمة الإرهاب الدولي، وتهمة تجاوز القانون بلا وجه حق، ولهذا على الإدارة الأمريكية أن تقنع ملايين من الشباب الأوروبي اليوم أن ما فعلته إلى الآن كان لصالح "العراقيين" ولصالح "المجتمع الدولي" ولصالح "مستقبل العالم" ولصالح "السلام الدولي".. على إدارة جورج دابليو بوش أن تقول لكل الأوروبيين المستائين من قضية السجون السرية تلك إن أراضيهم استغلت "للرفق بالإنسان" وأن الذين تم جرهم من سجون أخرى ليسوا بشراً بل "جراثيم" من الدرجة الدونية، وأن المعتقلين مهما كانت التهمة المنسوبة إليهم يحظون آلياً بحق المحاكمة العادلة وحق توكيل دفاع قانوني لهم.

هذه هي النظم القانونية التي وعينا عليها، ودرسناها في المدارس ودافعنا عنها بعد التخرج، ولا يمكن اليوم التنازل عنها لصالح بوش أو غيره.. لا يمكن السماح بإهانة إنسان بتهمة انتمائه الديني أو العقائدي، ولا يحق أن نربي أبناءنا على الحرب وعلى غزو الدول بحجة أنها "مارقة" الجريمة كبيرة ونعتقد أننا تواطأنا جميعاً معها بالصمت، وعلينا أن نغير حالة السكون التي يعيش فيها مجتمعنا، سواء في فرنسا أو في أية دولة من أوروبا "الحرة" التي يشعر شعبها بالصدمة بسبب قيام حكوماته المختارة ديمقراطياً بفتح "ترابها" للطائرات الأمريكية المحملة بسجناء سياسيين قصد استجوابهم بالقوة، وبوسائل تفتقد أبسط القواعد الإنسانية الموقع عليها في اتفاقيات جنيف، لكن أمريكا كما لا ننسى لم توقع على تلك الاتفاقية، وبالتالي لا تعترف بها، كما أنها لم توقع على اتفاقيات أخرى مثل الحد من انتشار الأسلحة النووية مع أنها تمارس عقاباً نفسياً رهيباً على الدول التي وقعت على تلك الاتفاقية. لأن عبارة الدول المارقة "هي الماركة" التي تلصقها إدارة بوش بكل من تسعى إلى إسقاطه بالقوة، وقد يأتي دور الدول الأوروبية، بأن تتهمها أمريكا لمجرد أن شعوبها لن تظل صامتة طول العمر أمام ما صار يرتكب باسمها هنا وهناك. ولعل الرفض الشعبي الألماني للسجون الأمريكية هو بداية مهمة نتمنى أن يعاقب عليها المتسببون في هذا الدمار الشامل الذي صار اسمه "ديمقراطية جورج دابليو بوش" في العالم.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply