والت ديزني .. والجانب الطفولي في الحرب الإعلامي


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أخذت أقلب عدداً من البطاقات الجذابة الصغيرة ذات الصور الملونة التي قامت شركة ديزني بطرحها مؤخراً لاجتذاب الأطفالº ترويجاً لعدد من أفلامها الكرتونية المدبلجة.ولسابق معرفتي بهوية هذه الشركة وتاريخها الطويل في استفزاز المسلمينº من خلال أفلامها ومعارضها ومهرجاناتها التي يغلب على طابعها الهوية الصهيونية، رجعت إلى مشروع بحث موضوعي قديم قمت بإعداده ثم توقفت عنه لانشغالي بغيره.

بدأت فكرة المشروع الأولى في أعقاب مشاهدة مباشرة لفيلم من أفلام ديزني المدبلجة، قرأت من خلاله رسالة واضحة ربما خفيت على بعض المشاهدين، ولقد كانت مشاهدة موضوعية هدفت منها إلى الخروج بنتائج موضوعية ـ كذلك ـ تحدد الإطار العام للعقلية التي تقف خلف هذه الأفلام، والرسالة التي تحرص إدارة الشركة على إيصالها للمشاهد بالأسلوب الذي تراه مناسباً بحسب الظرف والمرحلة. وحتى تحكم على عملٍ, ما فإنه يجب عليك ألا تقف عند حدود الانبهار بتفاصيله الكثيرة المشوِّقة.. فقط اخرج من دائرة الحدث، وتجرد عن مغريات الإثارة، ثم انظر من بُعد للعمل كله مع اصطحاب عدسة مكبرة لترى تفاصيل بعينها تقودك إلى الحقيقة. وإليكم هذا المثال من خلال عرض لذلك الفيلم الموجه بأهدافه الصهيونية، والذي تتصدر الدعاية له تلك البطاقات الملونة التي تتداولها تلك الأيدي البريئة في مدارسنا ومنتدياتنا العامة.

 

(حياة حشرة).. وملحمة صراع النمل مع الأشرار!

قرية مسالمة من النمل تعيش بسلام حياة الجد والنشاط، وتدير أمورها الخاصة بـ (ديمقراطية) واحترام، وانسجام وتعاون، تظللها شجرة سَرو كبيرة على ضفاف الوادي السحيق المحيط بها فوق ربوة عالية، وتُحدِق بها الخيرات من كل مكان. شيء واحد يقلق هذه القرية المسالمة.. إنه سرب من الجراد الأشرار الهمجيون القادمون من الصحراء القريبة، أولئك الذين لا يعرفون معنى للديمقراطية، فقائدهم ديكتاتوري عنيف، يطبل إعلامه من حوله ـ جرادة خرقاء تهذر كثيراً ـ ممجداً لكل قرار صائب يتخذه ذلك القائد. أما بقية السرب الذين يقودهم فهم حشرات بُلهٌ يسيرون خلفه، وهم ـ بحسب الفيلم ـ لا يملكون دفعاً ولا رفعاً، ولا يهمهم سوى شهواتهم التي يحصّلونها من جراء السير خلف الزعيم والتسبيح بحمده، وتأييده في أعقاب كل قرار يتخذه. إنهم جميعاً زمرة جراد متوحشين يُغيرون على جيرانهم ـ المسالمين ـ.. ينهبون خيراتهم، ويرعبون صغارهم، ويتربصون بهم الدوائر كلما سنحت لهم الفرصة أيام الحصاد.

 

ولما لم تجد القرية ملاذاً من هذا الخطر المحدق قررت الاستسلام ـ لفرط ضعفها، ورغبتها في الأمن والسلام ـ واختارت دفع الإتاوات الظالمة لزعيم الجراد، وآلت على نفسها أن تحرم نفسها من الخيرات الكثيرة التي تقوم بجمعها بدلاً من المواجهة الخاسرة مع أولئك الأشرار. لكن مغامراً من بينها قرر السفر إلى الغرب باتجاه الحضارة والمدنية ليستعين بأفراد منها لقمع هؤلاء ـ الجيران ـ المعتدين. وتحت أضواء المدينة.. بمزيجها الاجتماعي وشوارعها المكتظة، وعماراتها الشاهقة ووهج النيون والملاهي الليليةº يتعرف ذلك الفدائي الصغير على الفريق المنقذ، ويتفق معه على مساعدة بني قومه من الهلاك، وحمايتهم من جيرانهم المعتدين. غير أن الطريف في الفيلم يكمن في تصــوير فرقـة الإنقـــاذ تلك بمجمـوعـة مـن المهـــرجـين الفاشلين، وبالفعــل تتوجــه الفرقـة على متن طائـرة خاصـة ـ حشرة خنفساء كبيرة ـ إلى قرية النمل، وتبدأ باستعراض قوتها الجوفاء، والتخطيط للقضاء على الأعداء.

 

لقد كان ذلك المغامر فدائياً حقاً فقد أقنع أعضاء الفرقة بالصمود بعد أن كانوا متخوفين من مواجهة ذلك الجراد المتوحش، واستطاع أن يبتكر حيلة لإخافة أولئك المخربين وطردهم، ولكن الحيلة ظهرت، والمخططات انكشفت، ليأتي بعدها دور منقذ حقيقي آخر استطاع تفريق الجراد، والقضاء على زعيمهم.

ووسط حفاوة بالغة يتم توديع فريق الإنقاذ، وتظهر الدنيا في ختام الفيلم ـ كالعادة ـ بمظهر محبب، فالربيع يعود لنضارته، والزهور تتفتح من جديد، وتشرق الشمس بعد القضاء على أولئك الأشرار.

 

هذه القصة الرمزية باختصار هي مادة فيلم الرسوم المتحركة (حياة حشرة) الذي قامت بإنتاجه والت ديزني، ولو أن شركة أخرى سواها أخرجته لم يكن هناك مسوِّغ لتكلف البحث وتدقيق النظر في الرسالة التي يعرضها الفيلم خارج إطار التسلية والترفيه، غير أن استبدال هذه الرموز في الفيلم بما يقابلها في العقلية اليهودية، متصلاً بالواقع المحيط بدولة (إسرائيل) يحدد معالم الصورة الكاملة، فقرية النمل اختيرت بعناية ودقة متناهية لتمثل دولة (إسرائيل) بديمقراطيتها المزعومة، وكفاحها، وحبها للسلام، ورغبتها في الأمن. أما ذلك السرب الهمجي من جراد الصحراء الأشرار فتصوير للعرب المحيطين بها. وتظهر نفسية اليهود وغطرستهم وتعاليهم حتى مع من يقدم لهم يد العون في تصوير المنقذ الغربي بفريق من المهرجين المخفقين الحمقى الذين لم يعد دورهم في مواجهة العرب دور الفزاعة التي تخيف الغربان في حقل الذرة الكبير، إلى أن ظهر الحليف الاستراتيجي الجديد بقوة على مسرح الأحداث.

بهذه النظرة الكلية يمكننا رسم الإطار العام للفيلم، وإذا خضنا في تفاصيله الدقيقة فالمجال واسع، والآراء تتباين، والحديث عنه أكثر اتساعاً، فلربما كانت تلك العجوز الشمطاء الحكيمة في قرية النمل رمزاً لدور امرأة حقيقية في تاريخ اليهود على غرار «جولدا مائير»، ولربما كان قائد الجراد الأشرار رمزاً لأحد رموز النكسة العربية من الثوريين العرب الذين يمتلئ بهم تاريخ الصراع قديماً وحديثاً، مع اعتقادي أن الفيلم أهمل نوعاً آخر من الجراد هو ذلك الجراد المهجن الذي انضم إلى فرقة الإنقاذ مؤخراً بعد أن أخذ على عاتقه حماية قرية النمل تلك من إرهاب أبناء جنسه!!

أما ذلك الشاب المخترع في الفيلم الذي أنقذ بني قومهº فشخصية حقيقية في تاريخ اليهود يُكِنٌّ لها الصهاينة اليوم الإعجاب والتقدير ـ كما سيأتي ـ. وهكذا يتم استبدال الرموز واحداً تلو الآخر وفق دراسة دقيقة، بأسلوب ماكر، وبتوجيه غير مباشر لتكتمل معه الرسالة المطلوبة. ويكفي أن يــدرك المشـاهد الصــغير ـ في هذه المرحلة ـ أن هناك قرية مسالمة تتعرض للاضطهاد والظلم والاعتداء من قِبَل جيرانها الأشرار، أياً كانت هذه القرية، ومهما كانت هوية أولئك الأشرار سواء أكانوا جراداً صحراوياً كما تُصورهم ديزني لمشاهديها الصغار، أو كانوا عرباً مسلمين إرهابيين كما تُصورهم لمشاهديها الكبار.

إنه غزو حديث ومطوّر هذه المرة، وحملة إعلامية جديدة تكمن الخطورة فيها من خلال جهلنا برسالتها الحقيقية الغامضةº وفي أننا نقتنيها بأموالنا، ونحتفي بها في أسواقنا لنفسد بها عقول أبنائنا وبناتنا!!

ومسلسل الصراع الدامي بيننا وبين اليهود قديم قِدم التاريخ، ومتجدد تجدد المستقبل، فأمة اليهود أمة ملعونة في القرآن، ناقضة للعهود، ولا تعرف للسلم معنى، وتسعى في الأرض فساداً. كما أنهم ـ كعادة الشعوب المستضعفة إذا تمكنت ـ لا يعرفون للرحمة معنى في تعاملهم مع من هم أقل منهم قوة وعتاداً، ويرتفع رصيد التأييد لقادتهم بدرجة الغطرسة والقهر والمجازر التي يسوم المستضعفين بها، والوعود الآثمة بسلب الحقوق، ونقض العهود، والقضاء على الشعب الأعزل. وما يحدث على أرض فلسطين المسلمة خير شاهد على ذلكº حتى أولئك الذين يسارعون فيهم خوفاً وطمعاً، ويقدمون لهم الولاء، ويعلنون أنهم الحريصون على أمنهم واستقرارهمº لم يسلموا من التحرش ومن البطش والنكال.

 

هكذا إذن بدت التفاصيل أمامي وأنا أستعرض هذا الفيلم الذي اشتراه أحد الزملاء، ورغبت في تقييمه قبل أن يتوجه به إلى المنزل ويقرر عرضه على طفله الصغير. ولربما كانت (عقدة المؤامرة) هي المخرج الذي يَسِمُ به البعض هذه الاستنتاجات الواعية وأمثالها، والتي تتولى الربط بين حقيقة المواجهة مع العدو والمنتجات الإعلامية والثقافية والفكرية التي يقدمها، والسبب كامن في النظرة السطحية الشفافة التي ينظر هؤلاء من خلالها إلى ما يُقدم إليهم بغضِّ النظر عن هويته وأهدافه.

ولم أشأ أن أسترسل في مشاهدة بقية أفلام الأطفال التي أصدرتها هذه الشركة لإثبات هويتها اليهودية، وكشف الرسالة الصهيونية التي

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply