دعاوى المطالبين بالتوسع في عمل المرأة


بسم الله الرحمن الرحيم

 

بالرغم من وضوح المنهج الإلهي في قضية عمل المرأة، إلا أنه لا يزال أناس يسعون جاهدين لإخراج المرأة من بيتها، ومزاولة العمل كالرجل تماما، ولكن بتدرج حتى يصلون إلى أهدافهم المنشودة، وغاياتهم المقصودة، ولعلي أستعرض في هذا المبحث بعض المغالطات التي يتحجج بها دعاة عمل المرأة، فمن ذلك:

 

الحد من العمالة الأجنبية:

يقول أحد الكتاب: إن دراسة إقامة مثل هذه المصانع ستفتح مجالات عمل إضافية للفتاة والمرأة السعودية، وسيؤدي إلى الاستغناء عن العديد من العمالة الوافدة [1]

 

والجواب على ذلك:

1- لماذا لم تكن المطالبة بإنشاء المصانع المختلفة لمعالجة مشكلة البطالة الموجودة في بلادنا؟! فقد قال المدير العام لصندوق تنمية الموارد البشرية في السعودية: إن معدل البطالة قد يصل إلى 20% في المملكة!! [2]

أليس الأولى لعلاج مشكلة العمالة هي إيجاد الفرص لشبابنا؟!!

2- هاهي المدن الصناعية التي يتم في ورشها إصلاح السيارات، وهاهي العمائر والفلل التي تحت الإنشاء، وهي عشرات الألوف من محلات التجارة والسباكة والحدادة وغيرها، كم نسبة السعودة فيها من الذكور؟

فهل ستزاولها نساؤنا؟

3- إن الحد من مشكلة العمالة الأجنبية الكثيفة يمكن أن يتم من خلال وسائل أهما:

- الحد من تصاريح الاستقدام، ومنع استغلال النفوذ في الحصول عليها، ومكافحة المحسوبية، ففي ظننا أن الآلاف من تصاريح الاستقدام تباع وتشترى، وتحقق دخلا جيدا لبعض المتحايلين على الأنظمة والقوانين.

- تكوين لجان نزيهة لدراسة حاجة السوق من العمالة، ومعرفة واقع كل مؤسسة عاملة وحاجتها من العمالة، إذ أن استقراء الواقع وسبره يؤكد تكدس عمالة لا حاجة إليهم في كثير من مؤسساتنا الرسمية والخاصة، بل نجد الخادمات والسائقين يكتظون في بعض البيوت لدواعي المباهاة والترف المذموم.

- تشجيع اليد العاملة الوطنية للعمل في كافة المهن الضرورية، وتدريب المجتمع على تقبل هذه التوجه المهم، ولو في بعض المهن على الأقل إن لم يكن كلها.

هجرة الأموال:

وهذا المبرر هو نتيجة طبيعية لوجود العمالة الأجنبية، فإذا قلصت العمالة الأجنبية التي أشرنا إليها، انخفض معدل هجرة الأموال إلى خارج البلاد.

ولكن من العجيب عدم طرح هؤلاء لمشكلة هجرة الأموال، لأسباب أخرى كالسياحة خارج البلاد، فأعداد السياح السعوديين الذاهبين إلى الخارج هي الأعلى كماً، والأكثر إنفاقا، ففي بريطانيا فقط أنفق السياح العرب 1. 5 مليار عام 1996 م.

ولذا لا تعجب حين تعلم أخي القارئ الكريم، أنه بفضل هذه الإنفاقات الباهظة من السياح في غير بلدانهم، أصبحت السياحة مصدر الدخل الأول لدول كثيرة منها: مصر على سبيل المثال، ((وقد أنفق مواطنو دول مجلس التعاون الخليجي 27 مليار دولارا في السياحة الخارجية عام 2000 م، وقالت مؤسسة ABK الدولية في دراسة لها أن متوسط إنفاق الفرد الخليجي في رحلته بلغ 1814 دولارا، بمعدل 135 دولارا في الليلة الواحدة.

وطبقا للدراسة نفسها، فقد بلغ عدد الرحلات التي قام بها الخليجيون العام الماضي 8. 8 مليون رحلة، شغلوا خلالها 199 مليون غرفة، حيث سجل السعوديون 4. 8 مليون رحلة دولية، والإماراتيون 1. 8 مليون رحلة، فالكويتيون 1. 3 مليون رحلة، فالبحرينيون 400 ألف رحلة، فالقطريون والعمانيون معا 700 ألف رحلة.

وبلغ عدد الليالي التي شغلها الخليجيون في الفنادق العالمية 200 مليون غرفة / ليلة [3].

ولئن كانت تحويلات الأجانب للأموال في مقابل مردود إنتاجي في الداخل غالبا، إلاّ أن نفقات السياح لملايين الدولارات في الخارج هي للمتعة واللذة دون مقابل، بل في أحيان كثيرة في مقابل مردودات عكسية، سواء فكرية أم عقائدية، أو أخلاقية أو صحية.

ومعلوم كثرة العائلات السعودية التي تقيم حفلات زواج أبنائها وبناتها في الخارج، وتتباهى في الإنفاق المالي الغزير هناك، فضلا عن توجه الكثيرين لشراء البيوت وتملك العقارات في بلدان أجنبية مختلفة، مع ما يصحبه ذلك من رحيل للأموال بأرقام خيالية، سواء تلك الخاصة بإقامة تلك البيوت والعقارات، أو مبالغ تنفق لصيانتها وحراستها والسكن فيها وقت الإجازات والعطل.

كما أن الاستطباب بالخارج يتطلب هجرة أموال خيالية، لمعالجة المرضى في مصحات أميركا وبريطانيا، وأسبانيا وجنيف، وغيرها من دول العالم، وقد أنشئت مكاتب صحية في الخارج لمتابعة شؤون هؤلاء المرضى، ترصدها ميزانيات ضخمة، وكان الأولى العناية بإنشاء المصحات المحلية، وتشجيع الطلاب على الانخراط في مجال الطب ليقل الاعتماد على الأجانب، بالإضافة إلى استقدام بعض الكفاءات المسلمة إلى بلادنا حتى تحين فرصة سد النقص في كفاءاتنا المحلية.

والمقصود أن مصاريف العلاج في الخارج التي تقدر بالملايين لم يبحث حلها على نطاق الصحف ووسائل الإعلام، مما يدل على أن القضية ليست سوى توجهات فكرية مشبوهة، ورغبات دفينة في تغريب المجتمع.

إن هجرة الأموال إلى الخارج أمر مثير للقلق حقا، لكن حصره في مسرب واحد مكابرة مستهجنة، ودعوة مشبوهة، فالميزانية المدفوعة مقابل الواردات شيء يفوق الوصف، فلماذا فتح الأبواب على مصراعيها لاستيراد كل شيء مهما كان كماليا أو تافها، حتى بلغ بنا الأمر أن نستورد مفرقعات الأطفال الباهظة الثمن، العظيمة الضرر بل حتى أطعمة القطط والكلاب المعلبة بعلب فاخرة ناهيك عن السجاير المحرمة شرعا، الضارة بدنًا، المكلفة ثمنا..

إن الملايين من الدولارات تهاجر كل عام دون أن يفتح ملف لمناقشتها فأين الغيورون على المال العام، وميزان المدفوعات المختل!!؟

 

زيادة الناتج القومي:

يزعم دعاة تحرير المرأة، أن إعطاء المرأة الفرصة لتعمل خارج منزلها فيه مكاسب اقتصادية ذات أثر مهم في زيادة الناتج القومي من خلال نتاج المرأة الذي أضيف إلى نتاج الرجل.

 

والجواب عن هذه الفرية من وجوه:

1- إن هذا الكلام لو قيل في مجتمع خال من بطالة الرجال لربما كان له حظ من النظر. لكن أن يقال هذا في بلد تبلغ نسبة بطالة الرجال فيه نسبة علية جدا.

ففي آخر إحصاءات وزارة التخطيط بحجم البطالة في السعودية، تبين أن نسبة البطالة في الذكور آخذة في الارتفاع، ومن المشاهد كثرة الخريجين من الجامعات السعودية، الذين تزدحم بهم البيوت دون أن يجدوا أعمالا يسترزقون منها، حتى شاع تذمرهم وتضجرهم.

2- ويجاب عنه كذلك أن ما تتقاضاه المرأة من رواتب، وما تقدمه من إنتاج يقل كثيراً عما تدفعه الأسرة والمجتمع إزاء تخلي المرأة عن وظيفتها الأساس في البيت، وحلول الخادمة بدلا منها، بالإضافة إلى نفقات غير مباشرة، تدفع مقابل طهي الطعام وغسل الثياب وكيها وغيرها، مما لا بد منه إزاء تخليها عن واجباتها.

3- إن ما يدفعه المجتمع من تكاليف غير منظورة على المدى البعيد إزاء النتائج السلبية المترتبة على خروج المرأة من البيت، وتنازلها عن وظيفتها الأهم، لأمر يدعو إلى القلق فعلا فانحراف الأبناء، وفقرهم العاطفي، واضطرابهم النفسي، كل هذه أعباء إضافية يتحملها المجتمع بمرور الوقت فما هذه المؤسسات الاجتماعية والإصلاحيات ودور الرعاية النفسية، والتربوية بما تتطلبه من ميزانيات باهضة إلا ردة فعل لاستيعاب تلك الجموع الغفيرة من الفتيان والفتيات المفتقدين للرعاية الأسرية الفاعلة والتي من أهمها غياب الوالدين بسبب ظروف العمل.

4- إن زيادة الناتج القومي يتحقق من خلال وسائل عديدة ليس منها إخراج المرأة إلى العمل فمن ذلك:

* الاستغلال الأمثل للثروة وعوائد النفط بتشجيع الصناعات الوطنية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات كمرحلة أولى يعقبها مراحل أخرى من التطور والتصدير.

* محاولة إيجاد مصادر إيرادات جديدة، وعدم الاعتماد على النفط فقط من خلال البحث عن المعادن الأخرى، وإعداد دراسات الجدول الاقتصادية لاستغلالها صناعياً وتجاريا.

* العناية بتنمية الزراعة والإنتاج الحيواني ونموها لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وتوفير العملات الصعبة بالداخل بدلا من رحيلها إلى المستثمر الأجنبي وفي تجربة القمح والألبان وغيرها شاهد مهم على فاعلية هذا الإجراء.

 

توفير دخل ثابت للمرأة يحميها من الحاجة والعوز.

وهذا الطرح قد يكون معقولا في مجتمعات لا دينية تفتقد أسس التكافل الاجتماعي، وتغلب فيه الأنانية والشح لكن مجتمعنا المسلم المحافظ لا تنطبق عليه الصفات الذميمة فالإسلام قسم المسؤوليات وحدد الواجبات وبين الحقوق بما فيها حق المرأة المسلمة في العيش الكريم، فألزم أباها بالإنفاق عليها حتى تستغني عنه بالزواج ثم ألزم الزوج بالإنفاق عليها وإن كانت ذات مال. قال الله - تعالى -: ((لِيُنفِق ذُو سَعَةٍ, مِن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيهِ رِزقُهُ فَليُنفِق مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفساً إِلَّا مَا آتَاهَا)) (الطلاق: من الآية7).

وفي حالة افتقار المرأة لمن ينفق عليها من أب أو زوج أو ولد كان على ولي أمر الدولة الإسلامية وجوب الإنفاق على المرأة، ففي الصحيح من حديث أبي هريرة أن رسول الله r قال: ((أَنَا أَولَى النَّاسِ بِالمُؤمِنِينَ فِي كِتَابِ اللَّهِ - عز وجل - فَأَيٌّكُم مَا تَرَكَ دَينًا أَو ضَيعَةً فَادعُونِي فَأَنَا وَلِيٌّهُ وَأَيٌّكُم مَا تَرَكَ مَالًا فَليُؤثَر بِمَالِهِ عَصَبَتُهُ مَن كَانَ)) [4].

ولقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- يعمل دائما لوضع نظام متكامل في هذا المضمار، فها هو يقول وقد أحس بغياب المجاهدين، واستشهاد كثير منهم في فتوحات المسلمين، وخلفوا ذرية ضعافا: ((لَئِن سَلَّمَنِي اللَّهُ لأدَعَنَّ أَرَامِلَ أَهلِ العِرَاقِ لا يَحتَجنَ إِلَى رَجُلٍ, بَعدِي أَبَدًا، قَالَ: فَمَا أَتَت عَلَيهِ إِلا رَابِعَةٌ حَتَّى أُصِيبَ)) [5]

ومن العجيب أن هؤلاء الداعين إلى عمل المرأة يتحدثون وكأنهم في مجتمع إباحي أوربي أو غيره، حيث لا دين ولا أخلاق، ولا مبادئ ولا قيم.

وإلا ما معنى أن يتجاهل هؤلاء ما تقوم به الجهات الرسمية من مثل وزارة الشؤون الاجتماعية من صرف بطاقات الضمان الاجتماعي للمحتاجين؟

وما معنى ما توفره الجمعيات الإغاثة من مساعدات مجدولة للأسرة الفقيرة؟

وما معنى عشرات الملايين التي ينفقها الأثرياء المسلمون لسد حاجة الأرامل والأيتام؟

 

----------------------------------------

[1] جريدة الجزيرة العدد (8748).

[2] انظر العالم في عام. حسن قطامش: ص 34.

[3] الأسرة عدد 98جمادى الأولى 1422هـ

[4] رواه مسلم (1619).

[5]البخاري (3700) وانظر: عمل المرأة وموقف الإسلام منه.عبد الرب نواب ص 161-162

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply