تحت شعارات التحديث واللحاق بالعصر الإلكتروني


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تكثر في بعض الأوساط الشبابية الكتابة بالحرف اللاتيني عبر الحاسوب، وذلك إما بسبب كون جهازهم لا يحتوي على نظام يدعم اللغة العربية، أو لكون بعض مواقع الإنترنت لا تسمح بإدخال النصوص باللغة العربية، الأمر الذي يدفع المتحاورين إلى استخدام الحروف اللاتينية "فيستخدمون الرقم 3 للدلالة على حرف العين، و7 للحاء، و6 للطاء، ويضعون إشارة بعدها، لتصبح 3 "غيناً، و7"خاءً"، و6 "ظاءً".

لقد انعكست هذه الطريقة في الكتابة على كثير من الشباب، وانتشر استخدامها ليس فقط عبر الحاسوب ورسائل هاتف الخلوي، بل أيضاً عبر الرسائل العادية التي يكتبها الشباب فيما بينهم، الأمر الذي يزيد من المخاوف من تفاقم هذه العادة السيئة التي تخدم الأعداء بالدرجة الأولى، وتنفذ لهم برامجهم ومخططاتهم بيسر وسهولة.

 

أهداف هذه الدعوة

إن الوقفة التاريخية حول بدء الدعوة إلى استبدال الحرف اللاتيني بالحرف العربي تبيّن أن جذورها تعود إلى أواسط القرن الماضي، حيث نجحت هذه الدعوة في دفع أتاتورك في تركيا إلى تحويل الحرف العربي إلى الحرف اللاتيني، كما نجحت أيضاً في بعض الدول الإسلامية الأخرى مثل ماليزيا وإندونيسيا اللتين كانتا تعتمدان الحروف العربية في الكتابة، ومثل ألبانيا والبوسنة ونيجيريا التي نجح الإنجليز في نقل حروف اللغات المحلية فيها من العربية إلى اللاتينية، وقُطعت صلة هذه الدولة بتاريخها العربي عبر القضاء على آثارها العلمية القديمة.

لقد كان لنجاح الاحتلال الغربي في التخلص من الحرف العربي في كثير من الدول أثره في تزايد أطماعه في تمرير دعوته إلى داخل الدول العربية نفسها، وذلك تحت شعارات عديدة، لعل آخرها دعوات العولمة الثقافية ومحاربة الإرهاب وغير ذلك من الشعارات الأخرى.

إن القراءة الموضوعية لأهداف هذه الهجمة الشرسة على الحرف العربي تظهر بوضوح أن المستهدف من وراء هذه الهجمة هو الإسلام والمسلمون الذين يرتبطون باللغة ارتباطاً عقائدياً، ومن الدلائل على ما نقول:

1- تخصيص اللغة العربية من دون سائر لغات العالم بهذه الدعوة، فلا نجد مثل هذه الدعوات عند الأمم الأخرى مثل التايلنديين والصينيين والهنود واليابانيين والفيتناميين والكوريين وغيرهم الذين رفضوا تبني الحرف اللاتيني وأصروا على حرفهم الذي كتب تراثهم، فلم يحدث قط أن اليابانيين أو الصينيين أو الكوريين أو اليهود اقترحوا تغيير حروف لغتهم من أجل اللحاق بما يسمى بالركب العالمي، مع أن المتتبع لبعض هذه اللغات يجدها أكثر تعقيداً من اللغة العربية، ففيما تقتصر اللغة العربية على 28 حرفاً تحتوي اللغة اليابانية على 880 "إيديوجرام" (شكلاً صينياً) بالإضافة إلى 46 حرفاً أخرى.

2- رفع لواء هذه الدعوة الهدّامة من قبل بعض المستشرقين من النصارى الغربيين والعرب بمشاركة بعض المستغربين من أبناء المسلمين ممن تربّوا على منهجهم واستقوا من منابعهم، فكان على رأسهم المنصر "ماسينيون"، الذي نشر دعوته في المغرب ومصر وسورية ولبنان، ثم تبعه كثير من العرب منهم أنيس فريحة وسعيد عقل من لبنان، وسلامة موسى وعبد العزيز فهمي من مصر، وكان مما قاله هذا الأخير في معرض دفاعه عن الحرف اللاتيني: "الواقع أن اقتراح الخط اللاتيني هو وثبة نحو المستقبل، ولو أننا عملنا به لاستطعنا أن ننقل مصر إلى مقام تركيا التي أغلق عليها هذا الخط أبواب ماضيها وفتح لها أبواب مستقبلها".

3- تحذير بعض المنصفين من الباحثين الغربيين من الأهداف المستترة لمثل هذه الدعوات، ومن هؤلاء "إدوارد بنسون" مدير مدرسة اللغات الشرقية في لندن: "حذار من استعمال الحروف اللاتينية في كتابة اللغة العربية.. لأن الحروف العربية هي حروف لغة القرآن، وإذا مسستم الحروف العربية مسستم القرآن، بل هدمتم صرح وحدة الإسلام لأن الإسلام أساسه اللغة العربية، فإذا ضاعت ضاع الإسلام ".

4- الإعلان الصريح عن الأهداف والمخططات في الأبحاث والدراسات الغربية والتي تتستر بشعارات عديدة منها العلني مثل الادعاء ب "محاربة الإرهاب" أو "تجفيف المنابع"، ومنها المستتر مثل رفع شعار "التيسير والتطوير" وشعار "مواكبة العصر الألكتروني".

ولقد صدرت تحت هذه الشعارات قوانين ودراسات غربية عديدة دعت إلى اعتماد الحرف اللاتيني في الكتابة العربية، فأصدرت فرنسا في هذا الإطار قراراً عام 2000م يلزم متعلمي العربية بكتابتها بالحرف اللاتيني.

كما كشفت الولايات المتحدة الأمريكية عن مشروع خطير هدفه "تغيير شكل حروف اللغة العربية واستبدال اللغة اللاتينية بها" تحت زعم تحديث الثقافة العربية، واعتبر هذا المشروع جزءاً من خطة الإصلاح في المنطقة والتي تدخل ضمن إطار مشروع "الشرق الأوسط الكبير"، ويهدف هذا المشروع إلى تعديل الحرف العربي كمقدمة لتعديل القرآن الكريم، واستبدال كتاب جديد به أعد مؤخراً اسمه "الفرقان الحق" أو الفرقان الأمريكي. وقد ادعى واضعو المشروع أن في الحروف العربية كثيراً من التعقيدات مثل الارتفاع في الحرف "ع" أو الانخفاض في الحرف "ح"، والإقفال في حرف "ه" أو "ة" الهاء أو التاء المربوطتين، إضافة إلى التشابه في كثير من الحروف التي لا تتميز عن بعضها إلا بالتنقيط مثل: "ب، ت، ث"، "ج، ح، خ"، "د، ذ"، "ر. ز"، "س، ش"، "ص، ض"، "ط، ظ"، "ع، غ"، "ف، ق". مما يزيد من صعوبة استيعاب وتعلم التلاميذ لهذه الحروف.

وقد جعل هذا المشروع الحروف اللاتينية الجديدة "تعتمد على عدد من الأشكال الهندسية المحاسبية الجديدة والتي تقتصر على 7 أشكال فقط حسبما أكد المشروع". من هذه الأشكال المثلث والمستقيم والدائرة، وقد ادعى معدو المشروع، من أجل إنجاح مشروعهم، أنهم استعانوا بعلماء النفس الذين أثبتوا أن استخدام هذه النماذج يدل على الشخصية السوية، بينما تدل بعض الأشكال القديمة على شخصية عدوانية!

 

أخطارها

لقد كان لتماسك المسلمين القوي عبر تاريخهم أثره في رد وإحباط الهجمات التي طالت لغتهم، ولكن ما يحدث الآن أن الهزيمة النفسية التي منوا بها جعلتهم، وخوفاً من أن يتهموا بالأصولية والإرهاب، يتراجعون عن كثير من الأسس والثوابت، فعدّلت بعض الدول العربية قوانينها إرضاءً للغرب، وغيّرت دول أخرى برامجها الدراسية لتتناسب مع تطلعات الغرب، وحوّل البعض الآخر مدارسه وكلياته إلى منابر تدرس فيها لغات الغرب... كل هذا بغفلة أو تغافل عن المؤامرات التي تحاك ضد لغة القرآن الكريم.

إن الأهداف التي يمكن رصدها حول أخطار الهجوم على الحرف العربي عديدة منها تفريغ العرب والمسلمين من تراثهم الثقافي ومحو ذاكرتهم وخاصة الإسلامية منها تمهيداً لاستبداله ثقافة وحضارة اللغة التي يعتمدونها بها، ومنها أيضاً التأثير على العديد من اللغات الأخرى التي تستخدم اللغة العربية في كتابتها، ومن هذه الدول أفغانستان وإيران ومالطا والهند وباكستان وكازاخستان وماليزيا وإندونيسيا وغيرها، وكذلك ضياع اثني عشر حرفاً من حروف اللغة العربية لعدم وجود الحرف المقابل لها في الحرف اللاتيني، "وهذه الحروف هي: الثاء والجيم والحاء والدال والذال والصاد والضاد والطاء والظاء والعين والغين والقاف، لأنه لا يوجد في الحروف اللاتينية ما يقابلها بنصها، وسوف تدخل في حروف أخرى وتضيع الحروف الأصلية".

 

اللغة العربية من ثوابت الأمة

في الختام، إن ما تتعرض له الأمة الإسلامية من غزو عسكري وفكري وثقافي يستوجب توحيد الجهود من أجل الدفاع عن الثوابت الإسلامية، والتي تشكل اللغة إحدى مقوماتها الأساسية، لأنها بدونها ستفقد وجودها وتاريخها ولن تنال بالمقابل رضا من فعلت ذلك لأجلهم، فها هي تركيا تتخلى عن الحرف العربي، وتكتب لغتها بالحروف اللاتينية منذ خمسة وسبعين عاماً، وبرغم هذا فإن وزير خارجية فرنسا دومنيك دوفيلبان قال بالأمس القريب: "إن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي يهدد هوية أوروبا وحدودها".

إن الدفاع عن لغة القرآن الكريم يتطلب من كل مسلم غيور على دينه أن ينشر الوعي بين الناس حول الأهداف والمخططات الدولية التي تسعى إلى تحويل الخط العربي إلى فن من الفنون الجميلة التاريخية.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply