رد على كافرة ازدادت كفرا وردة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله القائل: " لعِنَ الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون "1.

وصلى الله وسلم وبارك على رسولنا القائل: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". 2

 

وبعد..

فقد جاء في الأثر أن موسى - عليه السلام - سأل الله أن يقطع عنه ألسنة الناس، فقال: "يا موسى لم أقطعهم عني، فكيف أقطعهم عنك"؟

لا غرابة أن يسب اليهود والنصارى أو أحدهم رسولاً من رسل الله - عز وجل -، فقد سبوا الله سباً - كما قال عمر - رضي الله عنه - لم يسبه إياه أحد من قبل ولا من بعد، حيث نسبوا له الولد والصاحبة والشريك، - تعالى -الله عن قولهم علواً كبيراً.

هذا بجانب زعمهم أن الله فقير وهم الأغنياء، وأن يد الله مغلولة، غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا، وبجانب قتلهم الأنبياء الذي هو أشد جرماً من السب والانتقاص.

لم أتعجب من الكفريات التي وردت فيما كتبته تلك المرأة النصرانية التي تدعى "سلاس" وأشاعته بين بعض المسلمين تحت عنوان: "مقارنة بين مؤسسي أكبر دينين في العالم"، وتعني بذلك عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وهي تدعو للعجب، كتعجبي من جهلها الفاضح وجرأتها، ومن الفوضى الفكرية التي غشتنا في هذه الأيام، وعدم المراقبة لما يكتب من كفر صراح، وعدم المحاسبة والمؤاخذة لمنتقصي الإسلام ورسوله.

ومما يدل على جهلها الفاضح بالمسيحية التي تدعي اعتناقها قبل الإسلام أمران هما:

أولاً: زعمها أن الإسلام والمسيحية عبارة عن حزبين أسسهما محمد وعيسى - عليهما السلام -، وهما دينان سماويان وشريعتان ربانيتان، هذا قبل التحريف الذي أصاب المسيحية، وقبل أن تنسخ بشرع محمد الخاتم لجميع الشرائع، وبكتابه المهيمن على جميع الكتب السماوية.

رحم الله الإمام ابن القيم عندما قال: "ما بأيدي النصارى من الدين باطله أضعاف أضعاف حقه، وحقه منسوخ". 3

ثانياً: هذه المقارنة الجائرة بين شريعة عيسى المعدلة المنسوخة، وبين شرع محمد الذي بشر به عيسى - عليه السلام -: "ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد"، وذلك لأن شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - تطوير وتكميل لما جاء به أخواه موسى وعيسى - عليهما السلام -.

قال شيخ الإسلام مفتي الأنام أحمد بن عبد الحليم الإمام في كتابه القيم "الجواب الصحيح لمن بدَّل دين المسيح"4 في رده على تساؤل بعض أفراد هذه الملة المبدّلة المحرّفة للكلم عن مواضعه، ولما جاءهم به عيسى، حيث قالوا عن المسلمين: "إنا نعجب من هؤلاء القوم الذين مع أدبهم وما يأخذون به أنفسهم من الفضل، كيف لم يعلموا أن الشرائع شريعتان: شريعة عدل وشريعة فضل، فأرسل موسى إلى بني إسرائيل، فوضع شريعة العدل، وأمرهم بفعلها إلى أن استقرت في نفوسهم.

ولما كان الكمال الذي هو الفضل لا يمكن أن يضعه إلا أكمل الكمال، وجب أن يكون هو تقدست أسماؤه وجلت آلاؤه الذي يضعه، لأنه ليس شيء أكمل منه، وليس في الموجودات أكمل من كلمته، ولذلك وجب أن يجود بكلمته، فلهذا وجب أن يتحد بذات محسوسة، يظهر منها قدرته وجوده.

ولم يكن في المخلوقات أجل من الإنسان، اتحد بالطبيعة البشرية من السيدة الطاهرة، من مريم البتول المصطفاة على نساء العالمين، وبعد هذا الكمال ما بقي شيء يوضع".

هل بعد ذلك سبُّ وانتقاص لله - عز وجل -؟!

 

الجواب عن هذا من وجوه:

أحدها أن يقال: بل الشرائع ثلاثة: شريعة عدل5 فقط، وشريعة فضل6 فقط، وشريعة تجمع العدل والفضل7، فتوجب العدل، وتندب إلى الفضل، وهذه أكمل الشرائع الثلاث، وهي شريعة القرآن الذي يجمع فيها بين العدل والفضل، مع أننا لا ننكر أن يكون موسى - عليه السلام - أوجب العدل وندب إلى الفضل، وكذلك المسيح أيضاً أوجب العدل وندب إلى الفضل .

فدل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أن هذه الشرائع الثلاث متممة ومكملة لبعضها البعض، وأن الخير الذي ورد في جميع الشرائع جمع في شرع محمد وزيد عليه.

قال شيخ الإسلام: (فليس في التوراة والإنجيل والنبوات ما هو من العلوم النافعة والأعمال الصالحة إلا وهو في القرآن، أو ما هو أفضل منه.لكن النصارى لم يتبعوا لا التوراة والإنجيل، بل أحدثوا شريعة لم يبعث بها نبي من الأنبياء).

 

إلى أن قال مدللاً على تكميل هذه الشرائع لبعضها البعض، وعدم تناقضها: (إن شريعة التوراة يغلب عليها الشدة، وشريعة الإنجيل يغلب عليها اللين، وشريعة القرآن معتدلة جامعة بين هذا وهذا.

ولهذا جاء في وصف محمد - صلى الله عليه وسلم -: "إنه نبي الملحمة، وأنه الضحوك القتال".

إلى أن قال: ولهذا قال بعضهم: بعث موسى بالجلال، وبعث عيسى بالكمال، وبعث محمد بالكمال.

ثبت بذلك أنه لا مجال للمقارنة بين شرع محمد - صلى الله عليه وسلم - وبين جميع الشرائع السابقة له، لاشتمال شريعته لكل خير فيها وصلاحه لكل زمان ومكان، ولهذا تولى الله حفظها وجعلها المهيمنة إلى أن يقوم الناس لرب العالمين).

 

أما ما جاء في هذه المقارنة من الإثم والبهتان ما يأتي:

1. اعتراضها على لعن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لليهود والنصارى، يردٌّه لعن رسولين كريمين من بني إسرائيل لليهود والنصارى، وهما داود وعيسى - عليهما السلام -: "لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون". 8

فاليهود والنصارى ملعونون على ألسنة جميع الأنبياء، إما بلسان الحال أولسان المقال، فلا غرابة أن يلعنهم خاتمهم، فلعنهم قربى وعبادة.

أما حسن خلق الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحلمه ومسامحته فشهد بهما القرآن الكريم، ورب العالمين، حيث قال في وصفه: "وإنك لعلى خلق عظيم"9، "ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك"10، "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم". 11

ويدل عليه دعاؤه بالهداية للمشركين الذين أذوه وأخرجوه من بلده، حيث كان يقول: "اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون".

وعندما كان يُطلب منه أن يدعو عليهم كان يقول: "لعل الله يخرج من أصلابهم من يعبد الله".

وعندما قال له الطفيل بن عمرو الدوسي: ادعُ على دوس، لقد غلبني عليهم الزناº دعا لهم، وقال: اللهم اهدِ دوساً وائت بهم.

أما حلمه فيشهد عليه مواقفه مع الأعراب الغلاظ الجفاة، مما دعا أحدهم أن قال: اللهم اغفر لي ولمحمد ولا تغفر لأحد سوانا.

لكن نعوذ بالله من الحقد والجهل ومن عمى البصائر.

 

2. الافتراء الثاني زعمها: "استعباده الناس بالقوة وتجارة العبيد". 12

وتقصد بذلك إنكار فريضة الجهاد التي شرعها رب العباد لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ومن الضلال إلى الهدى، فمن أبى الإسلام والجزية كان الواجب أن يُقتل، ولكن تفضل عليهم الإسلام واستبدل ذلك بالاسترقاق عسى الله أن يمن عليهم بالهداية، فهذا التشريع ليس من وضع محمد - صلى الله عليه وسلم -، ولكن وضعه رب الأرباب، وعندما آثر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أخذ الفداء من أسرى بدر بدلاً من القتل عوتب في ذلك: "ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض".

ثم حث أتباعه على العتق، ورتب عليه الأجر الجزيل، وشرع الكفارات بعتق الرقاب، فأي مأخذ في التزام الرسول - صلى الله عليه وسلم - بما أمره به ربه؟

أما تجارة الرقيق فقد كانت معروفة منذ القدم، قبل المسيحية والإسلام، وفي العصر الحديث أول من مارسها الأروبيون والأمريكان، حيث استرقوا الأحرار واستعبدوا البشر لمصالحهم الذاتية، وأخذوهم مقيدين من إفريقيا وآسيا للعمل في المناجم والمصانع، فما هذا الخلط والتدليس؟

أما حسن معاملة الرسول - صلى الله عليه وسلم - للخدم قبل البعثة وبعدها فيشهد لها إيثار زيد بن حارثة له على والده وعمه عندما جاءا لفدائه، فقال زيد: ما أنا بالذي أختار عليك أحداً، أنت مني بمنزلة الأب والعمº فقالا: ويحك يا زيد! أتختار العبودية على الحرية؟ قال: نعم، لقد رأيت من هذا الرجل شيئاً ما أنا بالذي أختار عليه أحداً أبداً.

وقالت عائشة - رضي الله عنها - كما في الصحيحين: "ما ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده خادماً له قط، ولا امرأة له قط، ولا دابة ولا شيئاً قط، إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا نيل منه شيء قط فانتقم لنفسه إلا أن تنتهك محارم الله، فإذا انتهكت محارم الله لم يقم لغضبه شيء، حتى ينتقم لله، وما عرض عليه أمران أحدهما أيسر من الآخر إلا أخذ بأيسرهما، إلا أن يكون مأثماً، فإن كان مأثماً كان أبعد الناس عنه".

وفي الصحيحين كذلك قال أنس - رضي الله عنه -: "خدمتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين، فما قال لي أفٍّ, قط، ولا قال لشيء فعلته لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله لم لا فعلته؟ ولا لما صنعتُ لما لا صنعتَ، وكان بعض أهله إذا عتبوني على شيء يقول: دعوه، فلو قدر شيء لكان هذا".

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ففي شريعته - صلى الله عليه وسلم - من اللين، والعفو، والصفح، ومكارم الأخلاق، أعظم مما في الإنجيل، وفيها من الشدة، والجهاد، وإقامة الحدود على الكفار والمنافقين أعظم مما في التوراة، وهذا هو غاية الكمال.

 

3. اعتراضها على حد القذف على من قذف الصديقة بنت الصديق13.

نقول لمن يصر على رمي عائشة بالإفك بعد أن برَّأها الله منه ما قاله ابن الباقلاني - رحمه الله - عندما أرسله عضد الدولة ليناظر بعض القسس على رده على أحدهم بقوله: ما صنعت زوجة نبيكم؟ يريد قبَّحه الله عائشة وحادثة الإفك.

فقال ابن الباقلاني: هما امرأتان عفيفتان نزلت براءتهما من السماء، فإن وقع في الذهن الفاسد اتهام إحداهما بريبة فرميه للأخرى أولى، لأن إحداهما لم يكن لها زوج وأتت بولد، والأخرى لها زوج ولم تأت بولدº يعني مريم وعائشة، فبهت الذي كفر وأسكت وأخرس.

فإقامة الحد على من أشاع الفاحشة في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العدل والإنصاف الذي قامت عليه السموات والأرض، والذي يتهم عائشة بعد أن برأها الله إن كان مسلماً فقد كفر، وإن كان كافراً فقد ازداد كفراً، وحكم الإسلام عليهما القتل.

 

4. اعتراضها على أن يأتي الرجل ما ملكت يمينه، وهذا الاعتراض لا يوجه إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأن هذا حكم ربنا: "والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين".

 

5. تشكيكها في عصمته - صلى الله عليه وسلم -، وقد أوتيت من قِبَل جهلها الفاضح باللغة العربية، وبالقرآن، وبالسيرة المرضية، فنسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يعمي بصرها كما أعمى بصيرتها، وأن ينتقم لرسوله منها في الحياة قبل الممات، ولضحالة هذا المأخذ فإنه لا يستحق رداً ولا تعليقاً.

 

6. أما اعتراضها على رب العالمين بأنه فرق بين الذكر والأنثى، وفضل بعضهما على بعض، فنحيلها إلى ما قالته المرأة الصالحة أم مريم عندما وضعتها، حيث قالت: "وليس الذكر كالأنثى".

والحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على من نسخ الله به شرائع السابقين، ورضي الله عن أمنا عائشة، ولعائن الله المتتاليات مصحوبة بغضبه على اليهود الحاقدين، وعلى النصارى الجاهلين.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply