القرار 1559 وفتح أبواب التدويل


 

بسم الله الرحمن الرحيم

عندما صدر قرار مجلس الأمن الرقم 1559 في أواخر سبتمبر الماضي شرعت قوى المعارضة اللبنانية في العمل والتحرك على أساس أن القوات السورية باتت خارج لبنان نهائياً، وفي المقابل فإن الموالاة والقوى المتحالفة مع سوريا أدركت أن الوضع بعد صدور هذا القرار ليس كما كان قبله، ولكنها راهنت على مسألة أن الوقت سيطول حتى يأخذ هذا القرار طريقه إلى حيز التنفيذ العملي، خصوصاً وأن ما من قوة داخلية باستطاعها أن تفسح المجال للمساهمة في إنقاذه.

ربما كانت رهانات الطرفين يومها تبدو صحيحة، فالمعارضة كانت قليلة الشأن، والدولة المضادة للمشروع كانت تبدو متماسكة وقوية، وأهم من ذلك كله لم يكن يومها يشغل لبنان من أقصاه إلى أقصاه قضية بحجم اغتيال رفيق الحريري، واستطراداً لم تكن المعارضة كبيرة بالحجم الذي صارت إليه بعدما رفدها جمهور جديد، ولم تكن "تحتل" قلب العاصمة متحصنة بضريح الحريري ودمه وتحت عدسات كاميرات تلفزة العالم كله.

 

رياح الخارج:

وهكذا فإن القرار الدولي 1559 الذي يتضمن في بنوده المطالبة بانسحاب القوات السورية من لبنان شرّع أبواب الداخل اللبناني على رياح الخارج، وإمكانات التدويل، وتسبب في بروز أكبر للمعارضة، ورافقت تداعياته عملية اغتيال الرئيس الحريري، ومن ثم اتهام سوريا مباشرة بهذا الفعل، واستطراداً أدى إلى "محاصرة" حلفائها في لبنان، ومن ثم استقالة (رئيس الحكومة) عمر كرامي، وهو ما جعلته المعارضة "أول انتصاراتها الكبيرة"، فبادرت واشنطن إلى الترحيب بما أسمته "ثورة الأرز"، وجعلت مسألة المطالبة بالتنفيذ الفوري لهذا القرار مادة رئيسة لها تمارس عبرها ضغطها اليومي على سوريا.

وعليه تقول المعارضة اللبنانية: إن القرار 1559 نجح في تحويل الوجود السوري في لبنان المستمر منذ عام 1976م من ورقة قوية لمصلحة دمشق إلى أداة ضغط عليها، فباتت في نظر فريق من اللبنانيين قوة احتلال يخرج إلى الشارع ليطالب بجلائها.

بوادر الضغط الأمريكي على سوريا ولبنان بدأت بعد أسابيع قليلة على سقوط بغداد بيد الأمريكيين، إذ حضر يومها (وزير الخارجية الأمريكية آنذاك) كولن باول إلى دمشق وبيروت، حاملاً معه 9 مطالب أساسية من بينها الانسحاب السوري من لبنان، وتفكيك الجهاز المسلح في "حزب الله" بعد نشر الجيش اللبناني على الحدود اللبنانية.

المعارضة اللبنانية اعتبرت حينذاك بأن هذا الأمر يمثل إشارة إلى أن واشنطن قد سحبت وكالة كانت قد أعطتها لدمشق عشية حرب الخليج الثانية لإدارة الوضع اللبناني، وثمة من رأى في الحدث دليلاً على رغبة الإدارة الأمريكية في تقليص تمدد سوريا سياسياً، ما سمح لها بالإمساك بأوراق لبنانية وفلسطينية، وعراقية وإيرانية، لإعادتها إلى حدودها الجغرافية والسياسية.

ومن يومها صار السجال يومياً بين دمشق وواشنطن، وفي هذا الإطار يقول أحد أساتذة العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية: إن سوريا اتبعت في هذه المواجهة المحتدمة مع واشنطن القواعد القديمة للعبة، انطلاقاً من أن العاصمة الأمريكية تحتاج دوماً لسوريا، لذا لا بد أن تعقد معها في نهاية المطاف صفقة ما تحفظ لها دورها، ولكن يضيف الأستاذ نفسه يبدو أن دمشق أخطأت هذه المرة، فواشنطن آتية بنفسها إلى المنطقة بقواعد لعبة جديدة تختلف كلياً عن السابق.

وعليه لم يطل الوقت حتى استأنفت الإدارة الأمريكية عملية ضغطها على سوريا من خلال حضورها على الساحة اللبنانية، وكان ذلك على محورين متوازيين، ففجأة تنبهت الإدارة الأمريكية إلى وجود معارض لبناني في باريس هو العماد ميشال عون، واستدعته إلى الكونغرس حيث أدلى بشهادة ضد سوريا أمام لجنة الشؤون الخارجية فيه.

وفجأة أيضاً نقضت الإدارة الأمريكية الغبار عن قانون اسمه "محاسبة أو مساءلة سوريا"، وأقره الكونغرس، ووضعه بيد الرئيس جورج بوش تاركاً له أمر العمل به، ولاحقاً أيضاً عمل فريق من أعضاء الكونغرس على إصدار قانون يعد لبنان" دولة أسيرة"، وكل ذلك كان مقدمات لأزمة بدأتها الإدارة الأمريكية، تحفيزاً لأرضية صلبة لتحرك المعارضة اللبنانية التي كانت كتلت نفسها أولاً في إطار "لقاء قرنة شهوان" بعد أشهر قليلة على تحرير الجنوب، وتهيئة لمناخ دولي يساعدها في ممارسة ضغط على سورية ولبنان معاً.

وكانت الفرصة الكبرى في صيف العام الماضي، ففي شهر أغسطس أبلغت سوريا من يعنيهم الأمر أنها راغبة بدعم التمديد للرئيس إميل لحود لثلاث سنوات جديدة، المعارضون في لبنان قالوا يومها: إن سوريا وقعت طوعاً في كمين نُصب لها، يماثل إلى حد كبير الكمين الذي نصبته السفيرة الأمريكية السابقة في بغداد ابريل غلاسبي لـ(الرئيس العراقي السابق) صدام حسين، عبر إغرائه بأن واشنطن ستلتزم خط الحياد إذا ما غزا هو الكويت، لذا كان التمديد للرئيس لحود هو الفيصل في مسألة اشتداد وتيرة الضغط على سوريا، فبعد هذا الحدث بأيام صدر القرار 1559 الذي قدمته بالأصل باريس لمجلس الأمن وتبنته الولايات المتحدة، ومن يوم صدوره انقسم الشارع اللبناني إلى قسمين رئيسين: واحد مؤيد لهذا القرار والآخر معارض له، وعلى خلفية هذا الانقسام العمودي الحاد ابتدأت فصول المواجهة المضمرة حيناً والمكشوفة حيناً آخر تتوالى في الداخل اللبناني، وبين واشنطن وباريس من جهة ودمشق من جهة أخرى.

ومن خلال هذا المناخ بات حلفاء دمشق وخصومها يتصرفون على أساس أن أمر انسحابها العسكري من لبنان بات قاب قوسين أو أدنى، وقد بدا واضحاً أن ثمة مساعٍ, عربية لتغطية الانسحاب السوري، على قاعدة أنه تطبيق لاتفاق الطائف المعقود العام1989م، وليس على أساس القرار 1559، وهو أمر لو تحقق يحقق لسوريا فائدتين:

الأولى: إبقاء قواتها في البقاع.

والثانية: تبقى لحلفائها حضوراً سياسياً في السلطة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply