معركة العمل الخيري


بسم الله الرحمن الرحيم

 

العمل الخيري ضرورة شرعية وإنسانية:

سنن الاجتماع تنبئ أن تفاوت النسق الاجتماعي المعيشي بين شرائح المجتمع حقيقة ثابتة (ورفعنا بعضكم فوق بعض درجات) وهي سنة لازمة تؤدي غرضًا وظيفيًّا في بنية المجتمع. ولكن هذا التفاوت سيفرز شرائح قدرها أن تعيش في قاع المجتمع أو على أطرافه، ولتحقيق مبدأ السلام الاجتماعي وخوفاً من الصراعات والاحتقانات الطبقية لا بد من آلية لصيانة المجتمع وضبط إيقاعه المعيشي بغية تعديل ميزان العدالة الاجتماعية، وهذه من أسمى مهام العمل الخيري.

وظائف العمل الخيري لا تقتصر عند هذا الحدº بل يتسع نطاقه ليشمل بعض المناشط التي تتكفل إدارتها - في العادة- مؤسسات المجتمع المدني، وتختلف أنماط هذه المناشط بحسب طبيعة المجتمع وثقافته، لكنها على الأغلب تشمل برامج ثقافية وتربوية ودعوية وإغاثية بحتة وغيرها..

وفي الحالة الإسلامية تقوم فلسفة الزكاة وغير ها من منظومة الصدقات في التشريع الإسلامي على مبدأ ملء الفراغ الناتج عن الحركة الاقتصادية للمال بسبب التدافع الإنساني وفق نسب حسابية منضبطة حددها الشارع وبحسب معايير موضوعية ثابتة. والقطاع الخيري بمؤسساته هو الآلية المعاصرة لإدارة هذا المال وتوزيعه على المناشط التي تخدم حركة المجتمع وأفراده. وفي الحضارة الإسلامية يعبر الوقف الإسلامي عن أقدم تجربة ناضجة في ممارسة المجتمع المدني لمهام خاصة بعيدًا عن تغوّل الدولة وهيمنتها، وذلك قبل أن تعرف الحضارة الغربية مثل هذا النسق من الأداء الاجتماعي.

 

لماذا العمل الخيري الإسلامي في دائرة الاستهداف؟

تعيش المنطقة العربية والإسلامية حالة فراغ سياسي وأمني غير مسبوقين، وفي فضاء هذا المناخ غير المتوازن وبسبب طبيعة الأنظمة السياسية السائدة عجزت الدول القطرية بالمنطقة أن تقوم بشكل فاعل بالكثير من المهام، خاصة ذات الإطار الإسلامي مثل: مناشط الدعوة الإسلامية، والدعم اللوجستي الإنساني للساحات التي يتعرض فيها المسلمين للاضطهاد والتقتيل.

ونظرًا لأن العمل الخيري الأهلي الإسلامي يتمتع بحرية الحركة ولا تقيده ضرورات الدول والتزاماتها السياسية، وبسبب النجاحات التي حققها في كافة بقاع المعمورة خاصة في مفاصل تعتبرها الدوائر السياسية الغربية نشاطاً محظورًا بحجة التصاقها بما تسميه هذه الدوائر بظاهرة الإسلام السياسي. من أجل ذلك ولجملة أخرى من الأسباب تحرك اللوبي اليهودي لدفع الإدارة الأمريكية وبالذات الحالية وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر لمحاربة العمل الخيري الإسلامي بدعوى محاربة الإرهاب. وكنموذج من هذه الحملة ما قاله (ماثيو ليفيت) من اللوبي اليهودي – الليكودي- أمام اللجنة القانونية الفرعية للإرهاب والتكنولوجيا والأمن الداخلي في الكونجرس الأمريكي، إذ يقول في شهادته:"إن كل جمعية إسلامية سمعت بها في الولايات المتحدة هي واجهة لمنظمات إرهابية أو تمول الإرهاب، كما أنه يزعم أن"السعودية تمول الجماعات الإسلامية المتطرفة في الولايات المتحدة التي تمول بدورها الإرهاب".

 

القطاع الثالث في أمريكا و"إسرائيل":

يطلق على العمل الخيري في أمريكا و"إسرائيل"القطاع الثالث، وهو يحتل مساحة واسعة من نشاط مؤسسات المجتمع المدني في هاتين الدولتين، ففي"إسرائيل"حوالي 30 ألف جمعية تعمل في هذا القطاع وفق إحصائية رسمية لعام 2003م. وبناءً على الإحصاءات الرسمية لعام 1995م بلغ حجم المناشط التي أنجزها هذا القطاع 11 مليار دولار أمريكي، أي ما يساوي حوالي 13% من الناتج المحلي، ويعمل فيه ما يقرب من 145 ألف شخص بشكل رسمي بالإضافة إلى 177 ألف متطوع، علمًا أن معظم إيرادات العمل الخيري"الإسرائيلي"تتدفق من القطاع الحكومي وتبلغ ما يقارب 64% من حجم هذا القطاع.

وبخصوص القطاع الثالث بالولايات المتحدةº فيضم في إطاره 1.514.972 منظمة وجمعية، ويتم الترخيص يوميًّا لـ 200 جمعية تعمل في هذا المجال. وينتظم في هذا القطاع قرابة الـ11 مليون نسمة، بينما تبلغ إيراداته حوالي 212 مليار دولار سنويًّا. ويعتبر الشعب الأمريكي من أكثر الشعوب تبرعًا للقطاع الخيري، وكمثال على ذلك وقفية (بيل غيتس) وزوجته (مليندا) الذي يبلغ رأس مالها 24 مليار دولار.

 

الآليات القانونية المتبعة لمحاربة العمل الخيري الإسلامي:

عملت أمريكا بدفع من قوى اللوبي اليهودي على استصدار منظومة من القوانين لمحاربة العمل الخيري الإسلامي منها:

- قانون الإرهاب: ويستهدف هذا القانون تجريم حركات التحرر الوطني ونزع الصفة الإنسانية عن أفرادها وتحييد كافة القوانين الدولية التي توفر لهم الشرعية والحماية مثل معاهدة جنيف وأسرى الحرب وغيرها.

- قانون الأدلة السرية: وتمت صياغته لمحاربة كافة القوى غير المتوافقة مع السياسة والمصالح الأمريكية، سواء كانوا أشخاصًا أو جماعات أو دولاً لحرمانهم من الحقوق القانونية بنزع صلاحيات المحاكم والقضاء المدني لتجريد الخصم من قدرته عن الدفاع عن نفسه.

- قانون الجريمة بالمخالطة: وهو قانون فريد من نوعه صيغ لتجريم الأشخاص والمنظمات و الدول التي تتهم بعلاقة الاختلاط مع الجهات التي تصنفها أمريكا على أنها إرهابية، أو اللقاء مع هذه الجهات، أو السكوت عنها، أو المعرفة بها، وعدم تقديم الشهادة ضدها، ويعتبر ماضي الجهة المتهمة خاضعًا لهذا القانون حتى لو كان نشاط الجهة"الإرهابية"المتصل بها مباحًا في الماضي.

وهي حملة بجملتها تستهدف تجريد دول المنطقة من سيادتها على أرضها وحرمانها من مساندة حركة المقاومة أو القوى التي تسعى لإنهاء الاحتلال عن أراضيها كفلسطين ولبنان وسوريا.

 

الفرص المتاحة لمقاومة الحملة:

لا بد للأطراف الرسمية والأهلية من التحرك المنسق لمواجهة الحملة وعدم الاستسلام لضغوطات الإدارة الأمريكية تناغمًا مع سنة التدافع، إذ إن الإرادة الأمريكية ليست قدرًا مقدورًا لا يمكن الانفكاك منهº بل يمكن مقاومته إذا توفرت الإرادة السياسية لذلك.

على المستوى الرسمي يقترح الآتي:

- صياغة أجندة حكومية أهلية مشتركة متفق عليها لمواجهة الحملة داخليًّا وخارجيًّا.

- عدم الاستسلام لضغوطات الإدارة الأمريكية بتوقيف التحويلات المالية عبر قنوات الغوث الإنسانيº لأن ذلك إجراء سيادي ويسبب تضرر الجهات المنكوبة من هذا الانقطاع.

- مطالبة الدول التي تتهم مؤسسساتها الخيرية بالإرهاب بتقديم الأدلة المستندة إلى الحقائق والأدلة القانونية والبحث الأمني الموثق.

- بناء نظام مالي رقابي سلس للإشراف على تحويلات المؤسسات الخيرية مع الحفاظ على استقلالية عملها.

- وضع سياسات واستراتيجيات عامة ومعلنة للعمل الخيري شريطة أن تكون متحررة من قيود الضغوط الخارجية.

- الاستعانة بخبراء ماليين وقانونيين ومستشارين متخصصين من مؤسسات عالمية من الداخل والخارج لصياغة خطة شاملة لمواجهة الحملة.

- طرح القضية في أجندة مؤتمرات المنظمات الإقليمية لإنتاج رؤية إقليمية موحدة من أجل بلورة استراتيجية مواجهة جماعية.

- تشكيل لجان قانونية خاصة لدراسة التهم الموجهة لمؤسسات العمل الخيري وإصدار النتائج على الملأ.

- مواجهة جماعية في أروقة الأمم المتحدة لخطة أمريكا الرامية لتدويل قوانينها بغية محاربة العمل الخيري الإسلامي وحركات المقاومة بسيف القانون الدولي.

 

على المستوى الأهلي يمكن المدافعة بالوسائل التالية:

- تأسيس منسقيات وهيئات لتنسيق العمل بين الهيئات الخيرية في الساحتين المحلية والخارجية.

- تكثيف التواصل مع المستوى الرسمي ورفده بالمعلومات اللازمة الخاصة بالعمل الخيري والحرص على ديمومة قنوات الاتصال والضغط الجماعي باتجاه استئناف التحويلات المالية.

- مد الجسور مع المنظمات الأهلية الغربية وخاصة الأمريكية والتوافق معها على أجندة معينة سواء كانت دعائية أو دفاعية حول القطاع الخيري.

- الانفتاح على القنصليات والسفارات الأجنبية لنقل صورة العمل الخيري الحقيقة لمنسوبيها ودعوتهم لزيارة مقار المؤسسات الخيرية وإشراكهم في الاحتفالات والمناسبات الموسمية المحلية.

- التوافق على برامج مقاومة للحملة المعادية في حقل الإعلام بغية بناء استراتيجية إعلامية موحدة وشاملة تتضمن:

- توجيه الأئمة والخطباء لبيان ضرورة العمل الخيري وحجم الخدمات التي يقدمها.

- التواصل مع الإعلام المرئي والمقروء من قبل رموز العمل الخيري لإيصال رسالتهم من خلال وسائله المتعددة.

- استنفار الكتاب والمفكرين الغيورين للدفاع عن العمل الخيري.

- توجيه خطاب إعلامي مناسب للذهنية الغربية والاجتهاد لتوصيله عبر وسائل الإعلام والاتصال المتوفرة.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply