لبئس ما قالوا عن المحاكم الصومالية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

إذا اتخذ الكاتب قلماً أمريكياً ودسه في دواة دم برئ وأحل عقلاً غربياً مكان عقله، فلا تنتظر منه أن يكتب مدافعاً عن ثوابتنا أو ذائداً عن حياضنا، بل آلفه أمريكيا يمتعر عمامتنا ويرتدي قميصنا وانتظر منه أن يدين الضحية ويمدح الجلاد، وإذا كان يفتقر إلى العدالة فلا تتوقع منه أن يعرض الصورة بكل محدداتها ورتوشها.

وماذا لو كان هذا الكاتب مستنسخاً في أكثر من وسيلة إعلامية في العالم العربي، يتنكب طريق العدالة ويسوق للتدخل الأجنبي في البلدان العربية والإسلامية، ويطرح وجهة نظر شائهة لقضية بالغة الوضوح والبيان، فإن ذلك يحدونا أن نفند بعض ما يكتبون لاسيما لو كانت مفردات مزاعمهم دائمة التكرار في كل معركة عربية أو إسلامية يولون فيها الأدبار ثم لا ينصرون في منطق أو مجابهة.

وخلال الأيام الماضية قلبت صفحات بعض الكتاب المحذرين من "طالبان جديدة" في الصومال، فوجدتهم ـ كما ألفتهم ـ لا يكتسبون معرفة ولا يتعلمون من الحوادث بما لا يجعلهم ينثرون عطر منشم بين شعوبنا ودولنا، فقد كانوا بالأمس يتحدثون بحماسة لا يشاطرهم إياها جنرالات البنتاجون في ضرورة الخلاص من "نظام الطاغية صدام حسين"، ولم يكونوا يملكون وقتها أي رؤية للبديل الذي سرعان ما أضحى مجازر يومية قدرتها الحكومة العراقية صباح اليوم بمعدل يفوق ضحاياه الأربعين نفساً على الأقل، وتتحدث مصادر أخرى عنه بنحو 94 ضحية يومياً..واليوم هم يحذرون من المحاكم الشرعية الصومالية بعد أن أوشكت توحد الصومال وتبث الأمن في ربوعه وتعيد الاستثمارات الغائبة إليه وتعيد إليه كرامته وسيادته المهدرتين خلال سني الحرب التي حملت الجوع والفقر والدمار والجرائم المنظمة وغير المنظمة..

 

إذا اتخذ الكاتب قلماً أمريكياً ودسه في دواة دم برئ وأحل عقلاً غربياً مكان عقله، فلا تنتظر منه أن يكتب مدافعاً عن ثوابتنا أو ذائداً عن حياضنا.

 

اليوم نقرأ لمن يحذر من طالبان الصومالية ونسى أن سياسة أسياده الأمريكيين هي التي صنعت "طالبان الصومالية" و"طالبان النيجيرية" (وفقاً لتسمياتهم) وأعادت من جديد طالبان الأفغانية، بسبب كراهية النظام الأمريكي لكل ما هو إسلامي ومحاربته للفضيلة وبثه الذعر ونشره الفوضى وامتصاصه لثروات الشعوب، وحيث يوجد الظلم تتولد الرغبة الشعبية في تحقيق العدل فتجتمع الشعوب على من يحفظ لها أمنها واستقرارها واستقلالها ووجودهاº فيقف لها هؤلاء الظامئون دوماً إلى التدخل الأجنبي من الكتاب الدولاريين بالمرصاد.

 

إن ضمائر الشعوب المسلمة تتوق إلى السكينة الإسلامية الخلاقة وتكره الفوضى الأمريكية الخلاقة التي يسوق لها العبيد المناكيد، الذين يسعون إلى بث رسائل التخويف من كل من يسعى إلى النأي بهذه الأمة العربية المسلمة عن المصير الأمريكي الذي لفرط خوفهم يحسبونه محتوماً ويظنونه سرمدياً، فهم يرسلون رسائل التخويف تلك إلى الدول العربية المحيطة بأن وجود ما يدعونه "طالبان" في الصومال هو أكبر خطر "إرهابي" في حدود العرب الجنوبية لأنه سيخلق بؤرة للمتشددين تؤوي التنظيمات الإرهابية المناوئة للأنظمة العربية، وهو ما لم تقم له أية أدلة حتى الآن سوى تخرصات غربية تخشى الإسلام ذاته أكثر مما تخشى الإرهاب عموماً، مع أن الأنظمة العربية خصوصاً مصر والسودان والسعودية من مصلحتهم وجود نظام المحاكم الشرعية المعادي لإثيوبيا لامتلاك ورقة ضغط مصرية على إثيوبيا تلجم طموحها في مياه النيل وتهديدها للأمن القومي المصري من خلال الزيادة المنفردة في حصتها من تلك المياه، أم بالنسبة للسودان والسعودية فكلاهما تظل مصلحته في نظام يدين قادته بالاحترام للمؤسسة الدينية السعودية (وقد تعلم كثير من قادة المحاكم في جامعات ومعاهد دينية سعودية ومصرية) ويتعاون مع السودان في إعادته إلى الحضن العربي والإسلامي بما يعطي للسودان بعداً استراتيجياً واسعاً في القرن الإفريقي. والجميع عربياً معني بأن يبقى مضيق باب المندب في يد أمينة يمنياً وصومالياً لا تحتفظ بروابط مع الكيان الصهيوني.

 

ويرسلون رسائل التخويف للشعوب العربية مرتكنين على ذاكرة ربما ضعيفة لكنها واعية لتلك الشعوب تدرك بفطرتها أن توحيد الصومال العربي المسلم وإن اعتراه بعض النواقص أو المثالب أو وقع في أخطاء، إلا أنه تحقيق الأمن والاستقرار يتقدم في سلم الأولويات عن وجود السينما أو شرائط الأغاني وإلزام المارة بصلاة الجماعة (أبدى أحد الكتاب المتغربين خشيته من أن ذلك سيعطل النشاط التجاري أثناء الصلاة، وكأنه سرح به الخيال إلى حيث المراكز التجارية في سنغافورة أو في لندن حيث يقضي إجازته، لا أنه يتحدث عن بلد يتمنى معظمه أن يلامس خط الفقر صعوداً)..

 

ويرسلون رسائل زائفة حول حرص المجتمع الدولي على الصومال وأنه لما أقيمت فيه انتخابات ديمقراطية نتج عنها برلمان وحكومة ورئيس جديد منتخبون ظهرت المحاكم فنسفت أو كادت كل هذا، مهيبين بالمجتمع الدولي الالتفات إلى الصومال، وكأن أحداً لم يكن يدرك حال الصومال قبل أن تنشر المحاكم الإسلامية الأمن في ربوعه، وكأن علينا أن نصدق تخرصات هؤلاء بإقامة حياة ديمقراطية وانتخابات وما إلى ذلك في دولة كانت مدنها مقسمة فضلاً عن أراضيها.. ومن الطريف أن يقول أحدهم "إن الصومال متجهة نحو الأفغنة"، ذاهلاً عن أن الصوملة كانت مصطلحاً مستقلاً بذاته قبل سنوات للدلالة على التمزق والتشرذم فلعمري إنهم لفي سكرتهم يعمهون.

 

بعض هؤلاء يقول إن جيران الصومال متخوفون من أن يطالب الصوماليون بضمن المناطق التي تتحدث "الصومالية" في كينيا وإثيوبيا، فكيف كاتبنا العربي يخشى أن يعود العرب إلى وطنهم العربي الكبير؟!

وفي الأخير ـ كعادتهم ـ لا ينسون أن يحدثونا عن المرأة وحرصهم على ألا يصيبها تضييق من نظام المحاكم الشرعية، هذا التضييق الذي لم يتحفونا بالحديث عنه حين كانت المرأة الصومالية تسلم وليدها للموت جوعاً وتلعق ألمها في سنوات الجفاف العجاف، حيث العشب حتى لا تجده، ساعة أن كان هذا يأكل "السيمون فيليه" و"الكافيار"، ويستعد لجولة تنظيرية جديدة عن حقوق المرأة و"المجتمع الذكوري"!!

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply