الصومال بين الأمن الإسلامي والبلطجة الأمريكيّة!


 

بسم الله الرحمن الرحيم

شهراً بعد شهر يتعزز نفوذ المحاكم الإسلامية، وتبسط سيطرتها، وتنشر الأمن، فيتنفس الشعب الصومالي الشقيق، والغريب أن جميع الحكومات المؤقتة التي دعمتها القوى الإقليمية أو الولايات المتحدة أخفقت إخفاقاً ذريعاً في تحقيق الأمن للشعب الصومالي، وذلك كون تلك الحكومات كانت تتشكل بدعم من نفس المليشيات الإجرامية المسيطرة على مقدرات الشعب وأمنه من خلال الإرهاب بالسلاح، وفرض الإتاوات، ومن هنا جاءت محاولة اغتيال الرئيس الصومالي المؤقت، وتُوجّه الاتهامات إلى إثيوبيا وواشنطن لكونهما المستفيدتين والمتعجلتين لخلط الأوراق أمام المحاكم، ونقض أسس استقرار الصومال.

وحين بدأت سيطرة المحاكم الإسلامية تتوسع بعد أن ضاق الشعب العربي الصومالي بهذه الحالة الكئيبة والمحزنة الممتدة منذ سقوط حكم الدكتاتور سياد بريº بدأ هذا الشعب يرى آثار الأمن تمتد إلى جميع أحياء مقديشو البعيدة بعد أن فُرض في الأحياء الداخلية سابقاً من خلال نزاهة وقوة وحزم قوات الحماية الأمنية للمحاكم الإسلامية.

وفعلاً - وبسبب التعاطف الشديد مع المحاكم الإسلامية - بدأت تتوسع وتمتد سلطات المحاكم، وهنا قلقت واشنطن، لماذا قلقت؟! لقد توترت دوائر واشنطن من الأمن والاستقرار والسلم الأهلية في الصومال فبادرت إلى دعم أكثر الجماعات وحشية وعنفاً في التاريخ الصومالي الحديث، وعبر مشروع بلطجة دولي عابر للبحار أمدّت الولايات المتحدة هذه الجماعات بمبالغ ضخمة، بل إنها فتحت الحساب لهم مقابل وقفهم لمشروع السلم الأهلي الذي تزحف به المحاكم الإسلامية.

وعلى عكس ما أمل الأمريكيون اصطف الشعب العربي المسلم في الصومال مع المحاكم الإسلامية وقواتها الأمنية، وحقق انتصاراً تاريخياً على زعماء الحرب ومافيا السلاح والدمار في مقديشو، وخلال فترة زمنية محدودة أطبقت المحاكم على الغالبية العظمى الساحقة من أراضي الجمهورية الصومالية، وهنا لجأ الأمريكيون إلى أثيوبيا التي زحفت إلى بيداوا، واستقوت بها حكومتها الضعيفة شعبياً وأمنياً، وكالعادة تم تشريع قرارات بتصويت عدد من الشخصيات والتي غالبها حلفاء لأمراء الحرب، أو المحسوبين عليهمº حتى تُمنع المحاكم الإسلامية من استكمال مشروعها الوطني للسلم الأهلي.

وهنا توقفت قوات الحماية الأمنية للمحاكم عن دخول بيداوا، وركنت للمفاوضات في موقف حكيم متعقل فوّت الفرصة على عصابات البلطجة المدعومة من واشنطن لإعادة آلة الحرب المدمرة إلى الصومال الذبيح.

 

المحاكم والمهمة السياسية:

المفاجأة الثانية التي أحرزتها المحاكم الإسلامية هي درجة الوعي والنضج حين قبلت مباشرة بمبادرة السلام المطروحة، على الرغم من موقفها القوي على الأرض، وقدرتها في إسقاط بيداوا في وقت قياسي، لكن قيادة المحاكم وخاصة رئيسها الحصيف إبراهيم شريف أدركت بأن المعركة لن تعود مع مليشيات الحرب وعصاباتها المتحالفة مع حكومة بيداوا، ولكن ستتحول إلى حملة حصار إقليمية ودولية تحرق الأخضر واليابس بدعم مباشر من القوى الدولية التي لن تجد عائقاً أمام استصدار قرار دولي يشرعن هذه البلطجة الأممية بأيدٍ, إقليمية ودولية، لذا تعززت القناعة وبادروا بالمفاوضات الناجحة حتى الآن.

لكن الأمور لن تستمر على هذا الوضع، فالأمريكيون لن يقبلوا باستقرار الوضع وفق اتفاق سياسي يضمن إجراء انتخابات حرة ستحصد فيها الحركة الإسلامية الُمشكّلة للمحاكم نتائجها بكل تأكيد، ومن هنا تنطلق المهمة السياسية الصعبة، وحتى الآن تدير الحركة الإسلامية الملف بكفاءة وهدوء ينبغي المحافظة عليه ودعمه، وهذا يتطلب زيادة من ضبط النفس، وترك الأمور للنخب السياسية الواعية التي أدارت هذه القضية، وعدم التصريح بأسماء القادة العسكريين للانتماء الإسلامي السابق في الصومال الذي يُربط عند الغرب بتنظيم القاعدة.

إن استنزاف الأمريكيين في أفغانستان والعراق بعد خسائرهم الكبيرة سيعزز فرص نجاح المحاكم الإسلامية في تجاوز هذه القضيةº إذ لو قرر الأمريكيون تكرار التجربة من جديد فستكون نتائجها أوخم، ولذا أرسل المسؤولون الأمريكيون رسائل إيجابية للمحاكم في هذا الشأن.

وعلى قيادتها أن تستفيد بحذر أكبر من هذه التوازنات، وألاّ تتهور قيادتها في زج الصومال في حرب يمكن تجنبها وحماية البلاد، مع فرصة نفوذ سياسي مؤثر وقوي للمحاكم الإسلامية.

 

نحو التنمية نجاح جديد وتحرّك رائد:

بادرت المحاكم الإسلامية في إضافة نوعية جديدة إلى تحريك المجتمع المدني الصومالي نحو القيام بأعبائه ومسؤولياته على الرغم من محدودية الإمكانيات لتأمين الأمن والتنمية، ولأول مرة يُفتتح مطار مقديشو كمطار مركزي دولي بعد أن صنع أمراء الحرب عدداً من المطارات والمدارج العشوائية خارج حدود مواقع الطيران المدني، وفرضوا على الطائرات القادمة والمغادرة رسوماً وضرائب قسرية، فضلاً عن المضايقات التي يتعرّض لها المسافرون.

وأطلقت المحاكم ورشة عمل ضخمة، وحركة نظافة بيئية ربما هي الأكبر في تاريخ الصومالº بل والقرن الإفريقي خلال العقدين الماضيين، وبادر الناس بالمشاركة التطوعية مع أئمة المساجد والقضاة والمثقفين في تجميع النفايات التي لم تُنقل بعضها منذ أكثر من عام وإبعادها، ثم طمرها بعيداً عن الآثار الصحية الخطيرة التي سببتها.

 

وعي متصاعد لمهمة المشروع الإسلامي:

الأمن والبيئة أصبحا عنواناً لحملة المحاكم الإسلامية دون أي مساندة أو دعم إقليمي أو دولي، وهذا النجاح يجب أن يُدعم ويحفظ بالوعي المتقدم لمواجهة المشروع الأمريكي، وكما قُلنا في المقال السابق وأول هذا الأساس المحافظة على فريق الحوار والقضية السياسية كي يقود الصومال كل الصومال إلى بر الأمان.

 

التشكيل الفكري للمحاكم الإسلامية.. القوة في الوحدة:

تتشكّل القيادات الميدانية للمحاكم من عددٍ, من أبناء التيار الإسلامي السلفي، وهم شبه مرتبطين بالقيادات الفكرية لهذا التيار في الخليج، ومعهم عدد من القيادات التي خرجت عن البرنامج التقليدي للحركة الإسلامية الصومالية (الإخوان)، وشاركوا بقوة في دعم مشروع المحاكم الإسلامية، وهذا الفريق الأخير أقدر فكرياً ودبلوماسياً على إدارة الملف السياسي، والخلاص من محاولة محاصرة المحاكم إقليمياً ودولياً، مع وجوب الإيمان بإعطاء حركة ومرونة ومساحة كافية لهذا الفريق لتُشكّل قاعدة وحدة وطنية واسعة من باقي الفرقاء لحماية السلام الاجتماعي الذي نجحت المحاكم في إعادته لمقديشو.

وهنا يبرز دور المرجعيات السلفية في الخليج في التأكيد على هذه الوحدة، والوعي السياسي، وعدم زج المحاكم في أي مغامرات تُفشل مشروعها الوليد، خاصة مع وجود إقليم تحت الاحتلال الأثيوبي، وآخر يرغب في الانفصال والهدوء والاستقرار يقود وبكل تأكيد إلى إعادة وحدة الأراضي الصومالية.

 

الصومال والعمق العربي الإفريقي ومن اليمن حتى الخليج!

إن نجاح الصومال في تحولها إلى إقليم مستقل يستعيد حيويته ودوره في هذا الموقع الحساس يقطع الطريق - بلا شك - على المشاريع المُستهدفة للعمق العربي خاصة مع وجود استخباري عسكري إسرائيلي في أرتيريا، بل وحتى في الصومال عبر الوجود الأمريكي الذي استمر عبر أمراء الحرب الصوماليين.

إن السودان وهو في أوج المؤامرة على تقسيمه أول المستفيدين، وكذلك مصر، وهذا العمق الحيوي المطل على البحر الأحمر له تأثيرات كبيرة على المنطقة عبر اليمن وصولاً إلى الخليج العربي، ولذا من مصلحة هذا العمق العربي أن يدعم مشروع المحاكم الإسلامية خاصة بعدما أثبتت أنها هي الطرف الوحيد القادر على تأمين الاستقرار الأمني والسياسي للصومال

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply