واشنطن تعود مجدداً لحصد بعض المكاسب الصرب والكروات...و اللعبة القذرة في البوسنة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

بعد 10 سنوات من توقيع اتفاقية دايتون شهدت البوسنة الكثير من التغييرات والتحولات على الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية وهي تقف الآن على مفترق طرق! فما الذي أضافه هذا العقد على ملامح البوسنة راهناً ومستقبلاً؟

بداية تجب الإشارة إلى أن هناك دوافع تدعو للتفاؤل، وأخرى للحذر، فالإصلاحات التي يتم تطبيقها سواء على صعيد توحيد الجيش، أو حرس الحدود والشرطة، وتغيير الدستور، تتم على حساب المسلمين الطرف الوحيد الذي يؤيد الإصلاح وتوحيد البلاد وبناء دولة مركزية تكون مؤهلة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.وذلك لسببين:

الأول لا تكون الإصلاحات تخدم مصالح المسلمين.

والثاني: لإرضاء الصرب حتى يقبلوا بالإصلاحات، وهي إستراتيجية التقطها الصرب، ومارسوا دوراً تمثيلياً على مستوى من الإتقان أو الخبث فهم يماطلون ويرفضون وفي الأخير يقبلون عندما تكون الصفقة لصالحهم!

وحتى لا يكون الكلام نظرياً، نضرب مثلاً بعملية توحيد الجيش، فقد ملأ الصرب الصحف، والمجالس والبرلمان والمؤتمرات الصحافية صراخاً ورفضاً قاطعاً لتوحيد الجيش، ولكنهم قبلوا في النهاية عندما ضمنوا أن وزير الدفاع سيكون منهم وهو "نيكولا رادوفانوفيتش"، وتكرر ذلك مع قيادة حرس الحدود. وليس الكروات بعيدين عن هذه "اللعبة القذرة" التي تمارس في البوسنة، فدعواتهم لقيام كيان ثالث ليس حقيقياً، وإنما لكسب مقاعد مهمة في مستقبل البوسنة الجديدة، فوزير المالية منهم وكذلك وزير الأمن. وإذا عدنا لوزارات السيادة وجدناها جميعاً بيد الصرب والكروات، فوزير الخارجية البوسني صربي، ووزير الأمن كرواتي، ووزير الدفاع صربي، ووزير المالية كرواتي.

وإذا عدنا إلى انتخابات 2000 التي فاز فيها حزب العمل الديمقراطي، وجدنا أن الغرب قد وضع أشخاصاً في مفاصل الدولة ومكن لهم ومنع الحزب من تغييرهم، كذلك شنت "حملة استئصال" طالت المخلصين البوشناق في سنة 1998 بعد فوز ما كان يسمى ب"التحالف من أجل التغيير" الذي ضم فلول الشيوعيين والصرب والكروات، ولم يتدخل الغرب آنذاك لمنع الإبادة الإدارية التي تعرض لها موظفو الدولة بحجة حق الحكومة الجديدة في اختيار موظفيها، وكنا قد شهدنا كيف منعت الحكومة الجديدة سنة 2000 من فعل الشيء نفسه. وبالتالي فإن الإصلاحات التي دعا إليها البوشناق ويعمل المجتمع الدولي على تنفيذها بعد 10 سنوات من انتهاء الحرب وتوقيع اتفاقية دايتون تتم على حساب البوشناق المسلمين.

 

إنجاز سهل!

لقد لاحظ الكثير من المتتبعين للشأن البوسني.. الحرص الأمريكي على تغيير الدستور، وإجراء الإصلاحات بشكل سريع، ولم يتساءل أحد عن الاهتمام المفاجئ للإدارة الأمريكية بقضية البلقان، بعد أن نسيت طيلة الولاية الأولى للرئيس بوش، الأمر الذي أغضب الديمقراطيين وتوعدوا بالعودة للبلقان سنة 2009م عندما يفوزون بمقعد الرئاسة. ويرى المحللون أن فشل الإدارة الأمريكية في العراق، وراء عودة الرئيس بوش للمنطقة التي أغفلها طيلة خمس سنوات مضت، وهو ما يفسر حرص الإدارة الأمريكية على صنع إنجاز سهل يرفع من أسهم البيت الأبيض، كما رفع من قبل أسهم إدارة كلينتون بعد توقيع اتفاقية دايتون، ليكون عاملاً مؤثراً في الانتخابات القادمة، إلى جانب الإنجاز المرتقب في كوسوفا. فكما عودتنا أمريكا أن ما تقوم به نابع من المصالح الشخصية والاستراتيجيات الدولية التي تصب في صالح الكبار سواء استفاد منها الصغار أم لا؟

إضافة إلى ذلك تدور المناقشات في البوسنة حول طبيعة هذه التغييرات وما ستؤدي إليه، والتساؤلات الجارية لمن سيسند منصب الرئيس هل للبوشناق كما يرى البعض أم للصرب؟ وهل تظل الأوضاع السياسية مائلة ومرجحة كفة الصرب والكروات أم يكون هناك تغيير؟

من الواضح أن المستوى الذي تتم به معالجة الأمور يدعو للحذر، بل القلق على حقوق البوشناق المسلمين في البوسنة الذين يمثلون الأغلبية في البلاد، إضافة إلى ذلك لا تزال البوسنة تعاني من مأساة المفقودين، فقد أعلنت اللجنة الدولية للبحث عن المفقودين، أنه لا يزال هناك 14 ألف مفقود في البوسنة، بعد 10 سنوات من انتهاء الحرب وتوقيع اتفاقية دايتون، حيث قالت اللجنة في اجتماع لها في سراييفو: إنه لا توجد أي معلومات عنهم حتى الآن. وتستمر معاناة عوائل المفقودين بعد عقد من غيابهم رغم كل محاولات الحصول على معلومات من اللجان الإقليمية التي تجتمع دورياً لبحث مشكلة المهجَّرين والمفقودين.

وفي هذا الصدد قال عمر ماشوفيتش رئيس اللجنة البوسنية للبحث عن المفقودين: إن "عدد المفقودين في البوسنة وصل إلى 27 ألف نسمة، عثر على ما لا يقل عن 8 آلاف منهم داخل المقابر الجماعية، وهناك بين 6 و7 آلاف ضحية لم تحدد هوياتهم بعد" وتابع: "عثرنا حتى الآن على 580 مقبرة جماعية أكبرها في "تسرنيفره" وبها 629 ضحية". وكانت البوسنة قد أقامت في هذا العام معهداً للمفقودين في محاولة للكشف عن أماكن إخفائهم، وهي المقابر الجماعية لا محالة.

 

تحسن اقتصادي:

أما الملامح الاقتصادية للبوسنة فقد بينها تقرير للبنك الدولي عن الوضع الاقتصادي في البوسنة بعد 10 سنوات من توقيع اتفاقية دايتون، وذكر أنه تم "إعادة تأهيل المدارس والطرق والعيادات الصحية والمنازل وارتفع إجمالي الناتج المحلي للبلاد بمعدل ثلاثة أضعاف، كما ازدادت الصادرات السلعية بمعدل 10 مرات واستقرت الأسعار مع ثبات معدل التضخم تحت نسبة واحد في المائة"، مما جعل البنك الدولي يعيد تصنيف البوسنة في العام الماضي من بلد خارج من الصراعات إلى بلد سائر على طريق التحول إلى نظام السوق.

ويشير تقرير البنك الدولي إلى أنه على الرغم من استعادة الاستقرار وإعادة بناء البنية الأساسية لا يزال هناك الكثير مما يتعين القيام به ويشمل ذلك وضع البلد على طريق التحول على اقتصاد السوق وتشجيع التعاون الإقليمي والمضي قدماً نحو التكامل مع أوروبا والانفتاح أمام الأسواق العالمية، "ويذكر التقرير أن "الاقتصاد (البوسني) لم يصل بعد إلى المستوى الذي كان عنده قبل اندلاع الحرب، فالقطاع الخاص ضعيف نسبياً كما أن الإنفاق الحكومي يستنفد نحو 50 في المائة من إجمالي الناتج المحلي.

 

بدون تأشيرة:

وقد جعلت المشكلة الاقتصادية البوسنة تطالب بعض دول المنطقة من الاتحاد الأوروبي المساعدة في حلها بالسماح لمواطنيها بدخول دول الاتحاد بدون تأشيرة دخول، حيث طالب أعضاء البرلمان في كل من البوسنة وصربيا والجبل الأسود وألبانيا ومقدونيا الاتحاد الأوروبي بالسماح لمواطني دولهم بالدخول إلى بلدان الاتحاد الأوروبي بدون تأشيرة. وطالبت برلمانات الدول المذكورة في مذكرة مشتركة وقعوها في سراييفو في أعقاب الملتقى الدوري لبرلمانات المنطقة والمنظمات غير الحكومية بالإعفاء من تأشيرة الدخول حيث سيسهل ذلك عملية الاندماج ويبعث الارتياح في صفوف المواطنين". وقال شفيق جعفروفيتش رئيس البرلمان البوسني: "الإعفاء من تأشيرة الدخول لدول الاتحاد الأوروبي، سيخفف الاحتقان في المنطقة ويعزز الاستقرار ومسيرة الاندماج في الاتحاد الاوروبي وحلف شمال الأطلسي"، ووصف فويك توميتش عضو البرلمان الصربي وأحد قادة الحزب الديمقراطي الاجتماع وطلب إلغاء التأشيرة بأنه "رسالة إلى بروكسل ودليل على رغبة دول المنطقة السير على طريق الاتحاد الأوروبي".

في غضون ذلك أعلن الاتحاد الأوروبي عن تمديد مهمة الشرطة الأوروبية العاملة في البوسنة حتى سنة 2007م مع تخفيض عددها بنسبة 50 في المائة نهاية العام الجاري، ويبلغ عدد أفراد الشرطة الأوروبية حالياً 400 عنصر ساهموا في تدريب الشرطة البوسنية، بالإضافة إلى الإشراف على توحيد الشرطة البوسنية.

لقد تذكَّر البوسنيون في هذه الأيام مقولة زعيمهم الراحل علي عزت بيجوفيتش بعد توقيع اتفاقية دايتون قبل 10 سنوات، حيث قال: "لقد انتهت حرب وبقيت حروب" فهل يكون البوسنيون في مستوى الحروب القائمة؟.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply