هل تعود الحرب للبوسنة مرة أخرى؟


 

بسم الله الرحمن الرحيم

يأتي قرار الخارجية الأمريكية بوضع دولة البوسنة على القائمة السوداء مطلع فبراير الجاري ليخلط أوراق الأزمة السياسية في البوسنة، وليزيد الأمور تعقيداً بعد رفض الصرب الشروط الـ(16) للاتحاد الأوربي الواجب تنفيذها تحت إشراف الأمم المتحدة، والتي تنص على ضم الأجهزة الأمنية لجمهورية البوسنة الموحدة في جهاز واحد، واعتماد تشكيل قوات الجيش على مبدأ القومية وليس العرقياتº الأمر الذي رفضه الصرب مهددين بعودة الأوضاع في البوسنة إلى ما قبل 1995، ويأتي القرار الأمريكي الأخير بعد تجديد واشنطن تحذيرها لرعاياها بعدم السفر إلى البوسنة بسبب ما تعتبره مخاطر أمنية.

وبذلك تكون البوسنة الدولة الأوروبية الوحيدة الموجودة على القائمة السوداء إلى جانب الصومال وساحل العاج وبروندي وزيمبابوي، واستند تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الذي يحذر فيه الأمريكيين من السفر إلى البوسنة إلى أن مصدر الخطر يرجع للصراع السياسي المحلي، ووجود (500) ألف لغم، بالإضافة إلى الذخائر التي لم تنفجر بعد، وارتفاع معدلات الجريمة مثل: سرقة المنازل، والسيارات، والخوف من العمليات الانتقامية رداً على تقديم المتهمين بجرائم الحرب الدولية إلى العدالة.

 

الأزمة السياسية في البوسنة:

وتبدأ فصول الأزمة الأخيرة في البوسنة في 16 ديسمبر 2004 حينما أقال المبعوث الدولي في البوسنة بادي آشداون (9) مسؤولين صرب من بينهم (6) من القيادات الأمنية بسبب تواطئهم مع المتهمين بارتكاب جرائم حرب، وتقديم الدعم اللوجيستي والمادي لهم، وعلى رأسهم زعيم صرب البوسنة سابقاً رادوفان كاراديتش، وقائد القوات الصربية السابق الجنرال راتكو ملاديتش، وعلى إثرها استقال رئيس وزراء الحكم الذاتي الصربي في البوسنة (دراغن ميكيريفيتش) على خلفية تهديد المبعوث الدولي بإلغاء الحكم الذاتي الصربي بسبب عدم تعاون صرب البوسنة مع محكمة جرائم الحرب في لاهاي رغم مضي (10) سنوات على توقيع اتفاقية دايتون في 1995، وتبع استقالة ميكيريفيتش استقالات وزير الخارجية ملان إيفانيتش، ووزير العدل سلوبودان كواتش، قبل أن يعلن دراغن تشافيتش رئيس الحزب الديمقراطي الصربي أحد أحزاب الائتلاف الحاكم في البوسنة عن سحب جميع كوادر حزبه من الحكومة البوسنية، وكذلك أعضاء البرلمان المركزي البوسني، ومن بين كوادر الحزب وزير العدل البوسني سلوبودان كوفاتش.

 

تهديدات صربية:

ورافق الاستقالات الصربية المزيد من التهديدات التي تنسف سلام البوسنة الهش بالأساس، حيث أكد دراكو متياتشوفيتش وزير داخلية صرب البوسنة أنه يرفض قرارات لجنة الإصلاح الخاصة بتوحيد الشرطتين في الكيان الصربي البوسني، والفيدرالية البوسنية، محذراً من قيام الصرب بإجراء استفتاء على الاستقلال عن البوسنة الأمر الذي يُعد أول وأخطر تهديد يطلقه صرب البوسنة منذ توقيع اتفاقية دايتون للسلام سنة 1995م، وقال تشافيتش: إن "إلغاء الجمهورية الصربية هو نهاية لدولة البوسنة والهرسك، وبالتالي إلغاء لها".

 

موقف المسلمين:

ومن خلال القراءة المتأنية لموقف المسلمين من اتفاق دايتون الذي أضر بدولتهم، وما زالوا يطالبون بإصلاحات جوهرية للاتفاق المنظم لشكل الدولة، حيث حذر عادل عثمانوفيتش نائب رئيس الجمهورية الصربية في البوسنة من مغبة تشكيل حكومة صربية صرفة في بنيالوكا بدون البوشناق المسلمين والكاثوليك، وقال عثمانوفيتش: إن المباحثات التي جرت بين (3) أحزاب صربية استبعدت الأحزاب البرلمانية غير الصربية المشاركة في الحكومة الحالية وهي "حزب العمل الديمقراطي، وحزب من أجل البوسنة، والحزب الاشتراكي الديمقراطي، والمبادرة الكرواتية"، بالرغم من أن الدستور يقضي بوجوب وجود (5) وزراء بوشناق و(3) وزراء كروات داخل حكومة صرب البوسنة، إلا أن هدف الصرب بات واضحاً من محاولات استبعاد حزب العمل الديمقراطي من تشكيل الحكومة الجديدة بعد سلسلة الاستقالات الصربية الأخيرة.

 

الموقف الأمريكي:

ويتبلور الموقف الأمريكي إزاء البوسنة نحو الدفع لتوحيد عمل الأجهزة الأمنية والجيش في البوسنة، مع إنجاز بعض الإصلاحات السياسية والدستورية بنهاية 2005 كي تنال البوسنة عضوية الاتحاد الأوربي، والمشاركة في مبادرة حلف الناتو للسلام الأوربي.

ورغم التكتل الدولي خلف المبعوث الدولي (أشداون) إلا أن صرب البوسنة تدعمهم الكنيسة الأرثوذكسية، والحكومة الروسية، إضافة إلى أن السيطرة على الجيش والشرطة في البوسنة مازالت بيدهم، وسيتحدد مستقبل البوسنة بناء على مدى صدق القوى الغربية التي تدعم "أشداون"، فإن كان موقفها ثابتاً لا يتغير فإن احتمالات تنفيذ قرارات "أشداون" ستكون أقوى، أما إذا كان ما يتم حالياً هو من قبيل توزيع الأدوار بين الغرب وروسيا فيما يخص الشأن البوسني فإن ذلك سيزيد الأمر تعقداً، وستتجه البوسنة إلى مزيد من عدم الاستقرار خلال عام 2005، الذي سيشهد استفتاءين على الاستقلال في كل من كوسوفا والجبل الأسود، وخلط الأوراق في البوسنة من الآن لا يخدم قضية الاستقرار في البوسنة بل لا يخدم مستقبلها، لاسيما أن صرب البوسنة لا تزال في أيديهم أوراق الجيش والشرطة والسلطة، وما دامت هذه الأوراق في أيديهم فلن يكون هناك استقرار في البوسنة، وسيظلون تهديداً مسلطاً عليها ما دام حكمهم الذاتي قائماً، وقد هدّدوا بالاستقلال عن البوسنة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply