أفغانستان هل بدأت معركة التحرير؟


 

بسم الله الرحمن الرحيم

'كابول كما الناصرية، أفغانستان كما العراق، أولم يخبرونا أن الحرب في أفغانستان كانت قد انتهت?، وأن السلام يخيم على البلاد باستثناء بعض الهجمات المنسوبة لطالبان?'.

هكذا وصف الصحفي الإيطالي 'إنريكو بيو سانا' الوضع في أفغانستان منذ عدة أشهر عندما بدأت هجمات حركة طالبان تتصاعد، وأساليبها تتنوع، ترى ماذا يقول اليوم؟.

بدأ جميع المحللين والمتابعين يؤكدون أن الحرب الأفغانية لم تنته بعد، بل لعلها قد بدأت تواً، وذلك نظراً لكون المقاومة المسلحة التي تضطلع بها الطالبان لم يسبق لها وأن كانت قوية مثلما هي عليه في الوقت الحاضر.

في مقال سابق حمل عنوان 'طالبان وأربع سنوات على 11 سبتمبر' تحدثنا عن المراحل التي مرت بها حركة طالبان منذ سقوط نظامها في عام 2001 حتى صيف عام 2005، والذي أطلق عليه المتابعون اسم 'الصيف الملتهب'، غير أن الصيف الجاري من الواضح أنه سيكون أكثر التهاباً في ظل التصاعد اللافت لهجمات طالبان، بل لعل هذا الصيف يشهد معركة التحرير في ظل النجاحات التي تحققها طالبان على أرض الواقع، فما السر وراء هذا التصعيد؟، وما سمات هذه المرحلة الجديدة؟.

 

أسباب تصاعد حدة المقاومة الأفغانية:

1- فشل الاحتلال:

لعل أول الأسباب في نجاح حركة طالبان في حشد المقاتلين هو فشل الاحتلال الأمريكي وأعوانه في فهم الطبيعة الأفغانية، أو بمعنى أدق فهم الطبيعة المسلمة، فالإدارة الأمريكية منشغلة بتحقيق أهدافها الخاصة، وفضلاً عن فشلها في تحقيق مشاريع التنمية واستتاب الأمنº فإنها انشغلت بأهدافها التغريبية والتي يرفضها المسلم عامة والأفغاني خاصة، فمدارس البنات التي سعت الإدارة الأمريكية لإنشائها في أفغانستان تعرضت للعديد من الهجمات، يرجح أن طالبان ليست ورائها، ولكن ورائها أناس كرهوا التدخل الأمريكي، كما أن الدعم الغربي للأفغاني المتنصر، والعمل على تهريبه خارج البلاد زاد من حنق الأفغان، فالأفغان والمسلمون ليسوا اليابان والألمان الذي ما فتئت الإدارة الأمريكية تشيد بنموذجهما لتطبيقه في بلاد المسلمين.

وفي ظل هذا الفشل كان الطبيعي أن تركز القوات الأمريكية على قضايا القتال هرباً من مواجهة الفشل، وتبريراً له في الوقت ذاته.

 

2- العودة إلى ما قبل طالبان:

من أهم الأسباب في التفاف الأفغان مرة أخرى حول قادة طالبان هو العودة إلى البيئة التي سبقت ظهور طالبان قبل عشر سنوات، حيث تفتقد أفغانستان لقيادة موحدة، وينتشر أمراء الحرب المشغولون بأمور النهب والسلب، وحكومة كرزاي لا تحكم سوى كابول، لذلك نجد المحلل بارنيت روبين من جامعة نيويورك يؤكد حقيقة أن العلماء المسلمين في أفغانستان - والذين يملكون شبكة وطنية يمكنهم من خلالها تعبئة العامة بطرق لا تستطيع الحكومة المركزية أو الحكومات المحلية القيام به - لم يصلوا بعد إلى إجماع على شرعية الحكومة، هذه الحقيقة تمثل فشلاً خطيراً للنظام المدعوم من الولايات المتحدة.

ويقول نظيف شاراني وهو من أصل أفغاني، وعالم في الأنثروبيولوجي في جامعة إنديانا: ثمة مشكلة أخرى وهي التنافر، فالدولة قد وصلت في النهاية إلى ثلاثة أو أربعة حكومات وهي: مكتب الأمم المتحدة في كابول، والسفارة الأمريكية هناك، والمنظمات غير الحكومية الدولية التي تقوم بإدارة معظم المساعدة الدولية، وحكومة كرزاي، والآن الحكومة الخامسة وهي البرلمان والذي وصفه بأنه خليط من الأيديولوجيات والاهتمامات المتضاربة، لذلك فإنه من الطبيعي في ظل هذه الظروف أن يلتف الأفغان مرة أخرى حول طالبان، التي كانت بدايتها في بيئة متحاربة متناحرة مشابهة للأوضاع الحالية.

 

3- الاستعداد للقوات القادمة:

ولعل من الأسباب وراء تصاعد حدة هجمات طالبان في الآونة الأخيرة هو رغبة الحركة في إرسال رسالة قوية لقوات الناتو القادمة، والضغط في الوقت ذاته على شعوبها، وفي ذلك الإطار ذكرت صحيفة التايمز البريطانية أن حركة طالبان الأفغانية حذرت القوات البريطانية التي وصلت أخيراً إلى أفغانستان بأن البلاد ستتحول إلى نهر دماء.

ويشار في ذلك الصدد إلى أن البرلمان الكندي لم يوافق على تمديد مهمة القوات الكندية في أفغانستان إلا بفارق ضئيل من الأصوات بلغ أربعة أصوات فقط.

 

سمات المرحلة هل بدأت معركة التحرير؟:

نستطيع أن نحصر ملامح وسمات المرحلة التي تمر بها المقاومة الأفغانية في الوقت الحالي إلى عدة سمات وملامح مميزة تتمثل فيما يأتي:

1-  حصد نتائج المراحل السابقة وكسب ثقة الشعب:

من أول السمات التي تميز المرحلة الحالية في المقاومة الأفغانية هو حرص حركة طالبان على الاستفادة من النتائج التي حققتها المراحل السابقة، وكسب المزيد من ثقة الشعب الأفغاني، فقد بدأت حركة طالبان في البناء على حملة التفجيرات الفدائية التي شنتها في الشتاء، وزادت من هجماتها وعملياتها العسكرية، كما بدأت حركة طالبان في تحريك مقاومتها باتجاه مرحلة جديدة من التصعيد، حيث أقدمت على إمداد المناطق الريفية في الجنوب بالسلاح والرجال، لذلك فإن الكثير من المناطق الأفغانية بدأت تظهر بألوان حمراء على الخرائط العسكرية الأمريكية، ولا تزال الألوان الحمراء تتزايد عاكسة تدهور الوضع الأمني.

وفي هذا الإطار يجيب 'الملا داد الله' القائد العسكري في حركة طالبان على سؤال لقناة الجزيرة عن الفرق بين العمل العسكري لحركة طالبان بين عامي 2005 وعام 2006، يقول الملا داد الله: 'هناك تغيرات كثيرة حدثت هذا العام مقارنة بالعام الماضي، ففي العام الماضي كان المجاهدون يلجئون إلى الجبال بعد أن ينفذوا عملياتهم، أما في العام الجاري فهناك مدن كبيرة تحت سيطرتنا، وهناك ممثلو طالبان يديرون شؤون الحياة الاجتماعية للناس، وعينوا مسئولين لهم في المديريات في أماكن عدة، وهناك محاكم وقضايا، وهم يبتون في القضايا التي ترد إليهم'.

ومن سمات هذه المرحلة محاولة كسب ثقة الشعب الأفغاني عبر تقديم الخدمات له كما أشار إلى ذلك الملا 'داد الله'، وهو ما تؤكده التقارير الإخبارية الواردة من أفغانستان، والغير منحازة للاحتلال.

 

2-  توحيد القوى والدور القبلي:

اتسمت المراحل السابقة بسعي طالبان للتحالف مع القوى المعارضة للوجود الأمريكي، غير أن المرحلة الحالية تتسم بتوحد تلك القوى، والعمل تحت راية واحدة، ومما يدخل في هذا الإطار ظهور 'قلب الدين حكمتيار'، وإعلانه الرغبة في العمل تحت راية 'أسامة بن لادن'، وهذا الظهور الإعلامي لحكمتيار يعبر عن موجة جديدة من الهجوم الاستراتيجي ضد حكومة كرزاي، وضد تحالف الشمال، وضد قوات الاحتلال، لذلك فإن هذا الظهور الإعلامي يؤشر لمرحلة جديدة قد تشهد تطورات خطيرة للغاية في أفغانستان، وهو ما دفع قوات الناتو إلى السعي لزيادة عدد هذه القوات هناك بنحو ستة آلاف مقاتل في فترة قريبة قادمة.

إن شخصية كحكمتيار، وقبلها 'جلال الدين حقاني'º ذات وزن شعبي كبير من شأن تأييدهما لطالبان أن يزيد من التفاف الشعب الأفغاني حولها، إضافة إلى ذلك تشجيع قبائل الباشتون كبرى قبائل أفغانستان والممتدة إلى باكستان على دعم طالبان، وهو ما نراه واقعاً في مناطق وزيرستان الباكستانية، والتي أضحت امتداداً قوياً لحركة طالبان، ولعل ذلك بسبب تأييد القادة التاريخيين لهذه القبائل لحركة طالبان.

 

3-  المعارك الكبرى:

انتقلت طالبان من الهجمات ذات الطابع الفردي إلى الهجمات بأعداد كبيرة من المقاتلين، وهو ما يعيد إلى الأذهان المعارك الكبرى التي شهدت أفغانستان إبان سقوط طالبان مثل معارك 'شاهي كوت'، و'تورا بورا' وغيرهما، وقد أشار قائد القوات الفرنسية في أفغانستان إلى أن طالبان بدأت في تنويع أساليب هجماتها، مشيراً إلى أنهم في البداية ركزوا على العمليات الفدائية والعبوات الناسفة، غير أنهم في الأسابيع الأخيرة بدأوا في شن هجمات بأعداد كبيرة.

وفي هذا الإطار أعلن الملا داد الله بعد يومين من مزاعم الاحتلال باعتقاله أن الحركة تملك حوالي 12 ألف مقاتل مزودين أسلحة، وأعلن الملا داد الله أن الحركة دربت حوالي 1200 مقاتل على شن هجمات استشهادية، ما يجعل صيف أفغانستان جحيماً لقوات التحالف.

ودخول طالبان مرحلة المعارك الكبرى معناه أن الحركة تعد لمعركة التحرير عبر زيادة أعداد مقاتليها، والذين يقاربون ثلاثة أضعاف أعداد الشرطة والجيش الأفغاني في بعض المناطق.

 

4- السيطرة الميدانية.. خطوة أخرى قبيل التحرير:

ومن أهم سمات المرحلة، والتي قد تعتبر الخطوة الأخيرة قبل معركة التحريرº نجاح طالبان في السيطرة على كثير من أنحاء أفغانستان، وصلت لدرجة عزل قوات الاحتلال والحكومة الأفغانية في بعض مراكز محدودة، يقول الملا داد الله: الحمد لله طالبان لها سيطرة كبيرة على أفغانستان، فالأمريكيون يسيطرون فقط على المراكز الكبرى، وباقي أطراف البلاد خارج سيطرتهم، وحتى هذه المراكز الكبرى التي يسيطرون عليها لا يستطيع المسئولون الكبار فيها الخروج من منازلهم، الأمريكان يسيطرون على أربعة إلى خمسة مراكز كبرى، والباقي تحت سيطرتنا بفضل الله.

بل إن الملا 'داد الله' أعلن قبل عدة أيام أن الحركة بدأت في إقامة الحد الإسلامي في إقليم أوروزجان، وذلك بدعم من القوات الأفغانية، وعناصر الشرطة التي ترفض تعقب مقاتلي الحركة، أو تنفيذ عمليات ضدهم، وتصريحات 'داد الله' أكدتها اعترافات قوات الاحتلال والمسئولين الأفغان، ففي مدينة 'ترين كوت' عاصمة إقليم أوروزجان يقول أحد أصحاب المحال التجارية للجنرال 'كارل إيكنبري' قائد القوات الأمريكية: تبدو المدينة هنا هادئة تماماً, ولكن ما أن تخرج إلى المناطق الريفية المحيطة بها حتى تراهم [طالبان] منتشرين في كل مكان.

ويقول مسئول عسكري أمريكي بالمدينة: إن حاكم المحافظة 'مولاي عبدالحكيم منيب' لا يحكم سوى مساحة صغيرة جداً من محافظته, لا تزيد على نطاق رغوة صابون، وفيما عدا هذا النطاق الجغرافي السياسي المحدود جداً فإن باقي المحافظة كلها يكاد يكون في قبضة متمردي ومقاتلي 'طالبان', إلى درجة أن معظمها غطي باللون الأحمر دلالة على خطرها وفق ما تشير إليه الخريطة الموجودة في مقر القاعدة الأمريكية القريبة منها.

و'أوروزجان' ليست هي المحافظة الوحيدة التي تسيطر عليها قوات 'طالبان'، فإلى الجنوب الأقصى منها خاصة في محافظتي قندهار وهلمند نجحت طالبان في السيطرة على العديد من المناطق بتلك المحافظتين.

 

ماذا عن المستقبل:

هكذا رأينا أن طالبان نجحت في السيطرة على العديد من مناطق أفغانستان، ومن المرجح أن تظل طالبان في انتهاج هذا السبيل، حيث مزيد من العمليات العسكرية التي تؤدى إلى نجاح طالبان في تحرير المزيد من مناطق أفغانستان، وعزل قوات الاحتلال والحكومة الأفغانية في مراكز محدودة.

فهل يظل هذا الوضع ردحاً من الزمان حتى تنجح طالبان في التوصل لحل لمواجهة سلاح الجو الأمريكي؟، وهل ستستطيع قوات الاحتلال الصبر على ضربات طالبان الطارقة والمتتابعة، أم أنها ستولي الأدبار تاركة أعوانها يواجهون ما ينتظرهم؟

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply