أزمة دارفور ماذا يعني التدويل الآن؟!


 

بسم الله الرحمن الرحيم

يتساءل البعض: لماذا تدول أزمة دارفور في الوقت الراهن مع أن الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا تعاني أزمات متعددة داخلية وخارجية، وخاصة أن حالتها ترثى لها في أفغانستان والعراق؟!

وتأتي أجوبة تختلف باختلاف النظرة حول مقاصد وأهداف هذه الحملة العدوانية الجديدة على جزء من أجزاء العالم الإسلامي، فالأطماع الرئيسة في هذه المنطقة الغنية بالثروات - وخاصة المعدنية منها كالبترول واليورانيوم وغيرها - لا تخفى على أحد، بالإضافة إلى الأطماع الخفية التي لدى مجلس الكنائس العالمي، فوفقاً للاستراتجية الموضوعة من قبل تلك الدوائر الكنسية وهي تنصير إفريقيا عام 2000م، ولبعض المستجدات التي طرأت على الساحة الدولية، وتداخل مصالح الدول الكبرى مع مصالح الكنيسة العالميةº تم تحديد الموعد الجديد لتنصير إفريقيا وهو عام 2010م أو 2015م، وقد رفع البابا الراحل شعار تنصير إفريقيا عام 2000م، والبابا الحالي يرفع شعار: (أعيدوا للإنسان الإفريقي كرامته، ولا يمكن ذلك إلا بطرد الفقر من إفريقيا)(1).

وهذا ما كان واضحاً أيضاً عند زيارة كلينتون أثناء زيارته للقارة الإفريقية عام 1998م عندما قال: " لقد آن الأوان لأن يضع الأمريكيون أفريقيا الجديدة على قائمة خريطتهم"، فاستغلت المنظمات التنصيرية تلك الشعارات المرفوعة سواء من الساسة الغربيين، أو من قادة الكنسية الكاثوليكية، وحاجة أهالي دارفور من النازحين واللاجئين للكساء والطعام عبر منظماتها المتعددة - والتي تعمل بعضها تحت غطاء الأمم المتحدة - بالسعي إلى تنصيرهم، وزرع الكراهية ضد العرب والمسلمين، وإلى تدويل الأزمة حتى تتسنى لها الفرص في استغلال الأزمة في عملياتها التنصيرية.

وتسلَّم كِبر هذا الأمر عدة منظمات منها: الإغاثة الكاثوليكية، والرؤية العالمية، وجملك يا ربي، وشركة الآباء البيض...الخ، وبلغ عدد المنظمات الغربية العاملة في مخيمات النازحين من أهالي دارفور في تشاد وحدها ستاً وتسعين منظمة، منها ثلاثة وأربعون كنسية بحتة، وكان تركيز هذه المنظمات على أمرين رئيسين في الوقت الراهن:

1- نشر فكرة أن الإسلام والإنسان العربي شيء واحد، والسلوك العربي ترجمة للإسلام، وأن اللاجئين قتلوا على يد العرب والمسلمين لأنهم زنوج، وأنَّ الإسلام ليس من الضروري أن يقوم بحماية الزنوج مقابل المصالح العربية، وفي ذلك يقول أحد الشيوخ في " معسكر حجر حديد " للاجئي دارفور في شرق تشاد عندما سئل عن حاله من قبل أحد الدعاة: (المسلمون قتلونا، والنصارى أنقذونا).

2ـ كما تسعى المنظمات الكنسية لتخريب أخلاق المسلمين من خلال إنشاء جمعية اسمها جمعية التعاون بين الشباب والشابات، والتدريب على العنصرية، وعملت على رفع الحجاب، وشرب الخمر، والحد من التمسك بالإسلام وحفظ القرآن، والغيرة على الإسلام، كما تقوم بنشر الأمراض ومنها الإيدز. (2)

لقد تنصر أكثر من أربعمائة مسلم من قبيلة المساليت السودانية إبان هذه الأزمة وحدها، بالإضافة إلى زرع مشاعر الكراهية ضد العرب، وتشويه صورة الإسلام لدى النازحين، وزعزعة الثقة في دينهم، كما يردد منصروهم الأوائل، وبالمقابل زرع الثقة بالنصارى في نفوس المسلمين اللاجئين.

وهذا قبل أن تأتي قوات الناتو إلى هذه المنطقة، فكيف يكون الحال بعد تدخلها؟!

إذن فإن تدويل الأزمة في دارفور لم يكن حدثاً جديداً وإنما حدث قديم قدم القضية التي مرت عليها ثلاث أعوام، وما هي إلا ترتيب لبعض الأوراق، وتقديم لبعض الأوليات على حساب البعض الآخر، واستغلال للفرص، وخاصة أن الانتخابات الأمريكية على الأبواب!

لقد تم تدويل القضية منذ اللحظات الأولى للأزمة عندما هبطت طائرات روسية في منطقة دارفور وعلى متنها مرتزقة روس عام 2003م، ومنذ ذلك الوقت تم تدويل القضية، وظهر ذلك جلياً في تغير خطاب أو لهجة رؤساء الحركات المسلحة في دارفور وعلى رأسهم رئيس حركة تحرير السودان الدارفورية عبد الواحد محمد أحمد نور عندما قال في إحدى لقاءاته الصحيفة: " نحن مع مواثيق "التجمع الوطني" التي تدعو إلى الفصل بين الدين والسياسة، أو الدين والدولة، وندعو إلى عاصمة قومية خالية من التشريعات الإسلامية لتكون لكلِّ السودانيين بأديانهم وثقافاتهم من دون حجر أو تمييز لفرد، ونطالب بالحكم الذاتي لكل أقاليم السودان لأن ذلك حق مشروع، وطريق للانفكاك من هيمنة الدولة المركزية، وحان الوقت للحكومة التنازل للمهمّشين عن حقوقهم، كما نطالب بنصيبنا في قسمة الثروة، وسنحدد ذلك متى جلسنا في مفاوضات جادة في أي وقت" (3)، كما جعل من الهالك جون قرنق مثله الأعلى في المطالبة بحقوق أهل دارفور؟!

فهذه اللهجة هي التي ظهرت بعد تعثر المفاوضات الجارية آنذاك في انجمينا عاصمة تشاد، وتحويل المفاوضات إلى أديس أبابا وأبوجا، وخاصة أن الحكومة والثوار في مفاوضات " إنجمينا " كانوا قاب قوسين أو أدنى للوصول إلى اتفاقية سلام، عندها تدخلت القوى الغربية وأيضاً بعض الأطراف المحلية التي لها مصالح في هذه الأزمة! فتغير الخطاب، وتغيرت المطالب من مطالب أجمع الجميع بما فيها الحكومة بأنها مطالب عادلة إلى مطالب خيالية، تم تلقين الثوار بها من قبل القوى الداعمة لها، فمن هذه اللحظات تم تدويل القضية وليس الآن كما يعتقد البعض! وقد ذكر مندوب أمريكا في المنظمة الدولية إبان تدويل القضية في مرحلتها الأولى عام 2004م أن: " المسؤولية عن هذه الكارثة تقع بحق على عاتق حكومة السودان، حان الوقت لبدء العد التنازلي لحكومة السودان".

وهكذا تم وضع الخطط والبرامج المقترحة من الإدارة الأمريكية للتضييق على الحكومة السودانية لأن ساعة العد التنازلي للحكومة السودانية - كما يدعون - قد بدأ، وأن محادثات السلام مع المتمردين الجنوبيين والتي قدمت الحكومة السودانية فيها تنازلات لم يتوقعها حتى المتمردين أنفسهم! يمكن استغلالها تارة أخرى لتقديم التنازلات في الملفات العالقة كملف دارفور، وشرق السودان؟!

وهكذا وبسبب بعض التصرفات التي تنقصها الحكمة من قبل الحكومة السودانية - وخاصة من بعض القياديين فيها - تتفاقم الأزمة يوماً بعد يوم، وتجد القوى الغربية حججاً لتدويل القضية، وتعتبر ورقة أيضاً من الأوراق التي يتنافس الحزبان الرئيسان في أمريكا بطرحها لكسب الرأي العام الأمريكي!

وتختلف وتيرة التدويل بين الفينة والأخرى، وخاصة عندما لعب الاتحاد الأفريقي دوراً في بداية الأزمة، وكانت الجهود والمساعي المبذولة لحل الأزمة جهود صادقة من الاتحاد الأفريقي ومن دول الجوار السوداني، لأن الأزمة عند استمرارها ودخول قوى أجنبية رسمية أو مرتزقة أوروبيون ومن أمريكا الجنوبية ستكتوي دول الجوار بنيرانها قبل السودان لما تمثله هذه المنطقة من عمق أفريقي وإسلامي، ولوقوعها كحلقة وصل بين عدد من الدول الأفريقية في شمال القارة أو في وسطها أو في جنوبها، كل هذه العوامل تدركها إن لم تكن جل الدول الأفريقية فإن معظمها أدركت خطورة تفاقم الأوضاع في دارفور، فهي تسعى ومن خلال إطار المنظمة الأفريقية لحل الأزمة، إلا أن مصالح الدول الكبرى وخاصة فرنسا وأمريكا تلعب دوراً أكبر في تغيير موازين الصراع، فهي التي تحرك الأطراف المختلفة في السودان، وهي التي تضع العراقيل أمام وضع حد لهذا النزاع.

إن قرار مجلس السلم والأمن الأفريقي بتمديد مهمة القوات الأفريقية لستة أشهر أخرى إلى الثلاثين من سبتمبر تعتبر في الوقت الراهن حلاً وسطاً، وفرصة للحكومة السودانية بتغيير استراتيجية التفاوض مع المتمردين، وخاصة أن الاتحاد الأفريقي أعطى موافقته المبدئية في 10/3/2006م على استقدام قوات الناتو لتحل محل القوات الأفريقية المتمركزة حالياً في السودان، والتي تصل عدد أفرادها حوالي سبعة آلاف عسكري، وقد لاقت هذه الخطوة ترحيباً أيضاً من الدول الغربية التي تسعى لاغتنام مثل هذه الفرص، كما رحبت به المنظمة الدولية، وثنّي ذلك بقرار آخر يوم الجمعة 24/3/2006م، حيث ذكر سفير بريطانيا إمير جونس باري إبان صدور هذا القرار الأخير أنه "خطوة حقيقية أولى نحو بناء السلام في كل أنحاء البلاد"، بل ذهب الناطق باسم الخارجية الأمريكية آدم إيرلي إلى أبعد من ذلك عندما ذكر أن "هناك تطلعاً لتسهيل انتقال البعثة الأفريقية إلى قوة أممية، بتبني إجراءات تعزز دورها ابتداء من الآن دون الانتظار ستة أشهر".

وهذا يعني تدخل غربي في دارفور في أي لحظة، وإن لم تنته الستة أشهر التي حددتها الاتحاد الأفريقي، ودون طلب من الاتحاد أو إذن من السودان، وهذا يفسر النية المبيتة لدى الغرب وعلى رأسها أمريكا بالتدخل في الأزمة مهما كانت القرارات التي ستصدر بعد ستة أشهر من الاتحاد الأفريقي!

إن الحكومة السودانية مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى لاستغلال هذه المهلة المقدمة من الاتحاد الأفريقي للإسراع في عملية التفاوض، وتغيير الاستراتجيات الموضوعة لذلك، وخاصة أن الزيارة التي قام بها النائب الثاني لرئيس الجمهورية إلى ليبيا، ومقابلة الدكتور خليل أحد رؤساء فصيلي التمرد في دارفورº ليدل دلالة واضحة على إمكانية حل الأزمة عن طريق التفاوض، وعن طريق شخصيات مسؤولة بيدها مفاتيح حل الأزمة أو تأزيمها، كما أن لها حنكة وتجربة لتجاوز مثل هذه الأزمات، وليس كل من صلح في حل بعض القضايا في بعض المناطق قادراً على حل كل أزمات السودان، فلكل حالة رجالها.

كما أن القمة العربية والتي انعقدت منذ أيام في الخرطوم كان بإمكان الخرطوم استغلالها بطلب الدعم من الدول العربية لدعم خطوات الاتحاد الأفريقي في حل الأزمة دون مشاركة أطراف دولية أخرى، ولعل البعض يعتقد أن إحلال قوات عربية محل القوات الأفريقية يفتقد إلى رؤية مستقيمة، لاعتبار أن دخول أي قوة في إطار جامعة الدول العربية تساهم في تأجيج الصراع أكثر من كونها حلاً للصراع.

فهل الحكومة السودانية تغتنم هذه الرياح المواتية لها، أم أنها ستعجز وتفوتها الفرص فتعتب القدر.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply