الإفك الثقافي والأدبي


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 لا خير في نشيد شاعر ولا صوت مغن إذا لم يفيضا على المجتمع الحياة والحماس (محمد إقبال)

 لقد وضعت بين أيدينا آلاف الكتب المترجمة، لنطلع على آداب الغرب والشرق من الدول الوثنية والأدب الوثني على وجه الخصوص، كل ذلك تحت اسم عالمية الثقافة، وبهدف تعريفنا بالعطاء الإنساني!! في ألوانه الجاهلية!! بل لقد دعينا من قبل أكثر مثقفينا إلى الانفتاح على الثقافات العالمية، وحضنا بعض المتحمسين على الالتفات إلى الثقافات الآسيوية الوثنية في الصين والهند واليابان وكوريا (انظر على وجه التحديد د. عمار الطالبي - بحث بعنوان: التفاعل والتواصل بين الثقافات الإنسانية - قدم في ندوة الثقافة العربية: الواقع وآفاق المستقبل من 12 - 15 إبريل 1993 - جامعة قطر)

ولكن ما طبيعة ذلك التواصل والتلاقح الثقافي المقترح بين الإسلام والحضارة الوثنية؟ وكيف يمكن أن تتصالح هاتان المنظومتان المتعارضتان؟: (ثقافة تراعي الشمول الإنساني بين وفاء الإنسان لربه وتزكيته لنفسه ونقاء قلبه وعمله لآخرته والأخذ بالمقتضيات العصرية. ثقافة مؤسسة على الوحي، وثقافة لم يرد لها أصحابها هذا الأمر، ثقافة ترفض الغيبيات وتقوم على المادة أساساً وثقافة تتبنى ثوابت إنسانية لا تغير فيها من جانب العقيدة والعبادة والأخلاق وأصول المعاملات....

ومصطلح التفاعل والتواصل، هل مفهومهما واحد لدى الثقافات؟ وأين رحابة الصدر الواسعة في الثقافة الإسلامية التي تتسع للمخالفين وكم بينها وبين الثقافات الأخرى التي تضيق بالمخالفين ولا ترضى بغير التبعية والإلحاق (ولَن تَرضَى عَنكَ اليَهُودُ ولا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم) [البقرة: 120] (تعقيب للدكتور محمد رأفت سعيد على بحث الدكتور الطالبي، المشار إليه آنفا - استمع لشريط صوتي بعنوان: ندوة الثقافة العربية بالدوحة - بحث د. عمار الطالبي)

 

 لماذا - يا ترى - حرمنا من العطاء الإنساني في صبغته الإسلامية؟؟ ولماذا حجبت عنا آداب الشعوب الإسلامية، وإنتاجها الأصيل، تلك التي تجمعنا بها العقيدة الواحدة والصلات الناجزة والآلام والآمال المشتركة؟؟ ومتى تفتح الصفحات الثقافية والأدبية - كما يسمونها -، كوة صغيرة للأدب الإسلامي؟؟ متى يكتشف القراء المسلمون أن أدب ناظم حكمت ليس هو الممثل الحقيقي للأدب التركي وأن ناظما ورفاقه الشيوعيين ليسوا سوى الصوت النشاز في نسق الأصوات الإسلامية المبدعة في تركيا من مثل محمد عاكف، الذي تغنى في قصائده بالجهاد الإسلامي ضد قوات الحلفاء، وتحدث عن محنة المسلمين في ظل (العلمانية) التركية، وكذلك نجيب فاضل وابداعاته في الشعر والمسرح، وسيزائي قره قوج، ومصطفى مياس أوغلو، وعلي نار، وآخرين يمثلون حقاً واقع الشعب المسلم في تركيا ومعاناته وابائه، ومتى يعلو صوت محمد إقبال عبقري شبه القارة الهندية على طنطنات القوم حول قصائد طاغور العالمية (! ! ) وفلسفته الوثنية؟ ؟ متى سيفتح لنا باب صغير لندلف منه إلى عرصات الميدان الواسع للأدب الإسلامي المغبون، ذلك الميدان الشاسع المتنوع، لدى كافة الشعوب الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها، قديماً وحديثاً، زاد وفير يزدريه المثقفون ويعمى عنه الجاهلون، ويتنكب عنه الدارسون والباحثون - تحت تأثير الأهواء والدعايات والغفلة - إلى سواه من الآداب القميئة التي تعملقت بفعل الأضواء الباهرة.

 

متى نتوفر على دراسة الأدب الإسلامي؟ لنقع على قواعده الخاصة ومناجمه الغنية ودروسه العظيمة؟ متى ننظر إلى رسالة الأديب المسلم العقدية وإلى مفاهيم الأدب الإسلامي وقيمه الأدبية والبلاغية والنفسية والاجتماعية؟ ومن منكم سمع عن الشاعر العربي المسلم كامل أمين، شاعر الملاحم الإسلامية، الذي يقف اليوم على مشارف العقد الثامن من عمره.

لقد أبدع كامل أمين الملحمة الشعرية بمعناها الفني المتكامل وشهد له شيخ النقاد د. شوقى ضيف، حين وصف ملحمته (عين جالوت) بأنها الشهنامة المصرية.

وقد بلغت هذه الملحمة عشرين ألف بيت من الشعر وللشاعر ثلاث ملاحم أخرى وخمسة دواوين ومسرحية شعرية واحدة.

فأين هو هذا الإنتاج الغزير؟ (انظر مجلة المجتمع الكويتية - 28 - شوال - 1413 - العدد 1046 - ص 50 - 51)

ولماذا يغيب كل شأن إسلامي عن أهله المسلمين؟ ولم يضرب صفحا عن كل إنتاج يعبر عن وعي وعاطفة إسلامية؟ ؟ ولماذا يحكم عليه - غيابيا - بالوهن والافتقار إلى الصنعة الفنية؟ ولماذا يستبعد ويطرد من حياتنا الثقافية والأدبية تماماً؟ ؟ ومن الذي يحكم؟ ؟ وما المعيار المعتبر في هذه القضية؟ ؟ إنك إذا جرؤت اليوم على الحديث عن عقدية الأدب وأخلاقياته، سيصرخون في وجهك: ما لنا ولهذا الحديث؟ ألا تعلم أيها الجاهل بأن كتابة الأدب الحديث، يعني أن تتحرر من كل القيود والضوابط؟ لقد روضت الحداثة ما كان صعبا حرونا ودخلت اليوم البذاءة والفحش والتجديف في الدين إلى ما يسمونه أدبا (والأولى أن يسمى انحلالا).

فالحداثة تعني التحرر من ورقة التوت ذاتها وصدق العمل وفنيته مرهون، بمدى خوضه - العميق - في ما يسمونه الحياة التحتانية اللاواعية لفرد.

 لكن الأديب المسلم - بالضرورة - أديب داعية مسلم، ينطلق من مشكلات أمته وتحديات عصره، ويلتمس - بعقيدة المسلم وبصيرته - الحلول والوسائل التي تتفق مع التصورات الإسلامية والمقاصد الشرعية.

إن قضية الأديب المسلم هي بالذات قضايا الإسلام والمسلمين في العالم.

وأنى للأديب المسلم أن يتجاهل كل هذه المآسي والمحن والنكبات وصنوف الإذلال والتعسف والهوان التي نزلت بساحة أمته لينصرف تلقاء مشكلات مصطنعة وقضايا باطلة من مثل الاشتراكية والوجودية والحداثية والشكلية! ! (انظر شريط سمعي - لمحمد قطب - بعنوان: رسالة الأديب المسلم إلى النظام الجديد) وقد برز إلى الساحة الأدبية الإسلامية المعاصرة أدباء متميزون كبار، أمسكوا بين أيديهم بخيوط الأدب والفكر والدعوة في آن واحد عرفنا منهم محمد اقبال وسيد قطب وأبا الحسن الندوي.

ولقد نظمت الملاحم الإسلامية القوية في لغة الأوردو، لغة الهند الشعبية وانتشرت هذه الملاحم الشعرية بين مسلمي الهند وكان لها أكبر الأثر في تنشئة الأجيال المسلمة على الخصائص والأخلاق الإسلامية بل إن لها فضل كبير في إثارة النخوة الدينية وتأجيج الجهاد الإسلامي ضد الانجليز المحتلين.

وتصدى الأدباء والشعراء المسلمون في شبه القارة الهندية وفي باكستان لقيادة الركب الفكري والثقافي وقاوموا الغزو العقدي والثقافي والأخلاقى.

(انظر نظرات في الأدب - أبو الحسن الندوي - رابطة الأدب الإسلامي العالمية - دار القلم دمشق - 1408 - ص 84 - 85) هذا بقطع النظر عن الأدباء والمثقفين المتأسلمين (ذوي الأسماء الإسلامية) الذين أنبتتهم المخططات الغربية (الانجليزية على وجه التحديد) وأرضعتهم لبانها فانسلخوا عن الإسلام واتبعوا خطوات الشيطان (من أشهرهم في وقتنا الحاضر سلمان رشدي).

 إن الأدب الإسلامي ليس وعظا ولا ما يشبه الوعظ، وليس بيانات وإرشادات مباشرة عاطلة من الجمال، مفتقرة إلى الأساليب الفنية، بل إن العقيدة الإسلامية لا تمثل قالبا جامدا لكنها موقف عام يصدر عنه الأدباء المسلمون بمختلف آرائهم وإمكناتهم وعواطفهم وصورهم وأخيلتهم وإبداعاتهم الخاصة.

إن الأدب الإسلامي يتفرد بكونه أدب العاطفة الحرة والحماسة المشبوبة للدعوة والجهاد.

وهو أدب مترسل طبيعي، يلجأ إلى الفنية في الأداء والتأنق في التعبير ولكن لا تسيطر عليه الصناعات اللفظية ولا يتسلط عليه التعقيد الفكري المأزوم ولا تسجنه النخبوية ولا تخنقه الفردية.

إنه أدب معافى من وهن الروح ومرض القلب.

 وفي الأدب الإسلامي - وحده - عاطفة إيمانية جياشة، صقلها الاشتغال بالله والدعوة إليه (بمفهومها العام)، والعزوف عن الشهوات والأهواء الدنيوية كلها، بشتى أنواعها.

 فأين تلك الأشعار والنصوص؟ ؟ هل سقطت سهوا من المناهج الدراسية والوسائل الإعلامية والملاحق الأدبية؟ ؟ هل حار فيها الجاحدون أيمسكونها على هون أم يدسونها في التراب؟ ! لقد استبدلت بها النصوص المبهرجة وأنواع النثر والخمريات والهجائيات والمجونيات والحداثيات الكفرية التي تطاولت على الثوابت العقدية وعلى سائر الغيبيات.

 ولقد سخروا من المرأة طويلاً، حين استحسنوا أدب التنهدات والأوجاع النسوية، وحين صفقوا للنماذج النسوية الجريئة (!!) التي اخترقت طوق القيم وقاومت ما يسمونه التخلف الديني.

والاجتماعي! ! وتميزت تجاربها بالصدامية والاعترافات والممارسات التحررية، منذ صالون مي زيادة، وإلى كتابات غادة السمان ونوال سعداوي ومن تابعهما.

وما زالوا ينعون على العهود الإسلامية، (التي منعت المرأة العربية من التعبير عن نفسها منذ أن رحلت الخنساء في العصر الإسلامي الأول فسكتت بعدها النساء حتى العصر الحديث) هكذا!! (رجاء النقاش انظر جريدة الشرق القطرية - الصفحة الثقافية - عدد 15 ذو الحجة 1413) كثيرة هي أحاديث الافك الثقافي والأدبى، لا سيما تلك المتعلقة بالنفخ الشيطاني في صورة المرأة الأدبية والمرأة الفنانة!!.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply