أخطر من الحملات العسكرية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

حملة هادئة، لكنها مكثفة ومتواصلة.. "ناعمة" تتدثر بشعارات برَّاقة، لكنها تستلب أعز ما نملك.. "عقولنا".

موضوعها ليس جديداً، فمن يتابع أفاعيل الاستعمار بنا منذ قرونه الغابرة، يعرف أن الغزو الفكري للأمة كان دائماً أحد محاور استراتيجيته في بلادنا... ومازال ذلك الهدف "الرخيص"قائماً.

فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، التفتت الإدارة الأمريكية إلى إعادة تأهيل "لجنة الدبلوماسية الشعبية" التابعة لوزارة الخارجية التي تم تأسيسها في الأربعينيات لهذا الهدف "الغزو الفكري"، وكان هناك اهتمام بتوسيع نشاطها في العالم الإسلامي، وتم ضخ كوادر جديدة إليها مع زيادة ميزانيتها لتقوم بمهمتها بنجاح، وخرجت اللجنة علينا بأكثر من برنامج يجري تنفيذه في العالم الإسلامي تحت اسم "التبادل الثقافي"، ومن بين تلك البرامج... برنامج "الزائر الدولي"، الذي استضاف مؤخراً 49 سيدة من خمس عشرة دولة عربية لتصدير "الديمقراطية الحقيقية" عبرهن للعالم العربي المتخلف!!

وهناك برنامج آخر تم ابتداعه لأول مرة تحت اسم "الجسور الثقافية"، ويُعنى باجتذاب طلاب المرحلة الثانوية المتفوقين من العالم الإسلامي إلى الولايات المتحدة في منح دراسية تطول أو تقصر ولكنها لا تنتهي قبل إفراغ ما في أدمغتهم وله علاقة بهويتهم وأمتهم، وتبديله بكل ما يريدون من ثقافتهم، ثم تتم بعد ذلك "مراقبة صارمة للطلاب المختارين"، طبعاً للاطمئنان على شفائهم من "الحالة الإسلامية" وانغماسهم في "الحالة الأمريكية".

على المنوال نفسه، يسير برنامج "بذور السلام" الشهير بتعاون صهيوني أمريكي لاجتذاب طلاب المدارس الثانوية، وقد أنهى هذا البرنامج في شهر سبتمبر الماضي أحد معسكراته بالولايات المتحدة، ويستعد حالياً لإقامة معسكره الجديد (يعقد أربع معسكرات في العام)، ويجتذب أعضاءه عبر موقع للإنترنت، ويقدم عشرين منحة دراسية كل عام لإكمال الدراسة في الولايات المتحدة، وهو يقوم على رسالة واحدة هي: تذويب روح المقاومة للصهاينة الكامنة في النفوس العربية، وإحلال "روح الصداقة" محلها، وذلك عبر دورات تدريبية وحلقات نقاشية داخل المعسكر بين الشباب العربي واليهودي، وقد دار أحد محاور النقاش في المعسكر الأخير حول الإجابة عن السؤال التالي: هل يخون الإنسان بلده إذا اتخذ أصدقاء من الطرف الآخر؟!.

السيناريو ممتد ومتعدد المراحل ويخترق كل قطاعات الأمة وفئاتها ثقافياً وعقيدياً، ولم يُخف القائمون عليه أهدافهم... ونكتفي هنا بشهادة كنتن كيث مدير "الاتحاد من أجل تبادل ثقافي وتعليمي دولي" إذ يقول: "لكي نكسب الحرب ضد الإرهاب فإن ذلك يتطلب منَّا أكثر من مجرد قوتنا العسكرية... يتطلب اجتذاب شعوب العالم الإسلامي إلى قيمنا ومجتمعنا...".

ماذا صنعنا نحن؟.. هل لدينا استراتيجية من هذا الصدد.. أم أن الموضوع لم يطرأ بعد على فكر مؤسساتنا كغيره من المواضيع الخطيرة؟!

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply