جولة بوش الإفريقية الأهداف و الدلالات


بسم الله الرحمن الرحيم

 

الزيارة الأخيرة التي قام بـها الرئيس الأمريكي جورج بوش لخمس دول إفريقية في الفترة من 7- 12 يوليو الماضي اكتسبت أهمية خاصة نظراً لأنـها الأولى للرئيس الحالي بعد ما كانت إفريقيا أمراً ثانوياً أثناء حملته الانتخابية. لكن يلاحظ أنه - كشأن الإدارات الأمريكية المتعاقبة - يسعى لترسيخ أقدام بلاده في القارة السمراء، ولعل هذا يدفعنا بداية إلى إعطاء نبذة عن الاهتمام الأمريكي بـهذه القارةº لأن ذلك سيساعدنا في فهم التطورات الراهنة في العلاقات الأمريكية - الإفريقية.

 

اهتمام حديث:

بداية نؤكد أن الاهتمام الأمريكي بالقارة لم يبدأ فعلياً إلا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لمواجهة النفوذ الشيوعيº لذا كانت السياسة الأمريكية تقوم على دعم بعض الأنظمة الدكتاتورية الفاسدة مثل موبوتو سيسي سيكو في زائير (الكونجو الديمقراطية حالياً)، أو نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.

 

ولم يقم أي رئيس أمريكي بزيارة القارة - باستثناء الرئيس روزفلت إبان الحرب العالمية الثانية عندما توقف في جامبيا (غرب إفريقيا) لحضور مؤتمر الدار البيضاء عام 1943، كما توقف بـها مرة أخرى في طريق عودته في الزيارة غير الرسمية التي قام بـها لليبيريا. وبخلاف ذلك لم تطأ قدم أي رئيس أمريكي أراضي إفريقيا، حتى جاءت زيارة الرئيس الأسبق جيمي كارتر بعد - 35 عاماً - لكل من نيجيريا وليبيريا عام 1978، حيث اعتذر آنذاك عن إهمال الإدارات الأمريكية المتعاقبة للقارة السمراءº إلا أن انتهاء الحرب الباردة أثار جدلاً واسعاً داخل الإدارة الأمريكية بشأن القارة السمراء،

 

إذ كان هناك اتجاهان في هذا الشأن:

الأول: يرى أن إفريقيا قارة مظلمة، خاصة وأن أوضاعها الاقتصادية متدهورة للغايةº حيث بلغ حجم الدين الخارجي 350 مليار دولار، وفقدت القارة ثلث إيراداتـها من الصادرات بسبب انخفاض أسعار السلعº لذا كان الرأي هو ترك القارة لأنـها ستكون عبئاً ثقيلاً على الخزانة الأمريكية.

 

الثاني: يرى ضرورة تكثيف الاهتمام بـهذه القارة التي بلغ عدد مستهلكيها 700 مليون نسمة (ثلث السوق العالمي) بالإضافة إلى انحسار النفوذ الدولي عنها.

 

ولقد كانت الإدارة الأمريكية تميل إلى هذا الرأي لعدة اعتبارات:

أ: العامل العدديº حيث تشكل الدول الإفريقية قرابة ثلث الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة (53 دولة إفريقية)، وبالتالي فهي كتلة هامة لا ينبغي تجاهلها في عملية إصدار القرارات الدولية (ظهر هذا الثقل بوضوح في حرب العراق الأخيرة، حيث فشلت واشنطن في الحصول على دعم الدول الإفريقية الثلاث الأعضاء في مجلس الأمن بشأن إصدار قرار الحرب ضد العراق).

 

ب: تعد إفريقيا مستودعاً هاماً إذ تحصل واشنطن على البترول الخام من نيجريا - أنجولا - الكاميرون، وعلى المعادن اللازمة لصناعتها من الجابون - جنوب إفريقيا - زيمبابوي - زائير (الكونجو الديمقراطية).

 

ومنذ أواخر الثمانينيات، ومع انـهيار الاتحاد السوفيتي، ظهرت مجموعة من العوامل الأخرى من أهمها:

1.    بروز واشنطن كقوة عظمى وحيدة في العالم.

 

2.    اتجاه فرنسا إلى إعادة رسم أولويات سياستها الخارجية، والاتجاه نحو الاتحاد الأوروبي على حساب إفريقيا.

 

3.    رغبة واشنطن في تحسين وضعها الاقتصادي في القارةº إذ لا تزال تحتل المرتبة الثالثة من حيث حجم المبادلات مع إفريقيا بعد كل من الاتحاد الأوروبي واليابان.

 

تقرير خطير

ولقد ساعد على التوجه الأمريكي صوب إفريقيا ذلك التقرير الذي صدر في واشنطن عام 1997 بعنوان "تعزيز العلاقات الاقتصادية مع إفريقيا"، والذي أعده فريق عمل على أعلى مستوى بتكليف من مجلس العلاقات الخارجية الأمريكيةº حيث أوصى التقرير بضرورة أن تكون الولايات المتحدة في مقدمة الدول الصناعية الساعية للاستفادة من الفرص الجديدة في إفريقيا، وانتقد التقرير في المقابل تكاسل الكونجرس والإدارة الأمريكية في هذا الشأن، كما أكد أيضاً على ضرورة تغيير النظرة إلى إفريقيا باعتبارها قارة ميئوساً منهاº إذ يبلغ معدل النمو بـها 5% ويتماشى هذا التقرير مع ما أعلنته آنذاك سوزان رايس - مساعدة وزير الخارجية الأمريكية للشئون الإفريقيةº حيث أكدت أن عائد الاستثمار في إفريقيا يفوق عائد الاستثمار في أي مكان بمقدار ثلاثة أضعاف.

 

وعقب صدور التقرير تعددت زيارات المسئولين الأمريكيين للقارة. وكان أبرزها زيارة القس جيسي جاكسون كمبعوث خاص للرئيس كلينتون، ثم زيارة السفير ريتشارد سون - رئيس الوفد الأمريكي في الأمم المتحدة، ثم زيارة كلينتون الأولى (مارس 1998)، والتي شملت ست دول هي أوغندا، ورواندا في البحيرات العظمى - غانا والسنغال في غرب إفريقيا، وجنوب إفريقيا وبتسوانا في الجنوب.

 

ولقد استهدفت هذه الزيارة آنذاك تحقيق هدفين رئيسيين:

الأول: استرضاء الأمريكيين من ذوي الأصول الإفريقيةº خاصة وأنـهم ينظرون للقارة باعتبارها موطن الأجراء.

 

الثاني: تقوية نفوذ واشنطن حول الممرات المائية المتحكمة في حركة التجارة الدولية، مثل منطقة القرن الإفريقي، وضمان وجود دول حليفة لها عند منابع النيلº بحيث تضمن الاحتفاظ باليد العليا في توجيه مستقبل التنمية في دول المصب (مصر والسودان).

 

التركيز الأمريكي على غرب وجنوب ووسط القارة:

يلاحظ أن الأهداف السابقة تعد أهدافاً محورية لأي إدارة أمريكيةº بحيث يمكن القول بأنـها عبارة عن مجموعة من الثوابت، وقد عمل بوش خلال جولته الراهنة على تأكيد بعضها من ناحية، وتحقيق أهداف غيرها من ناحية ثانية.

 

وقبل الحديث عن هذه الأهداف. يلاحظ أن جولة بوش شملت أربع دول قام بزيارتـها كلينتون وهي السنغال - أوغندا - جنوب إفريقيا - بتسواناº حتى إن نيجريا وهي الدولة الخاصة في زيارة بوش. قام كلينتون بزيارتـها في جولته الثانية بالقارة (26 – 29) أغسطس 2000 حيث زار نيجريا بالإضافة إلى تنـزانيا ومصر) وهو أمر ذو دلالة بالغةº إذ يكشف عن مدى التركيز الأمريكي على الغرب الإفريقي (السنغال باعتبارها من أبرز الدول الفرانكفونية في الإقليم وتشهد حالة من الاستقرار السياسي والتقدم الاقتصادي، فضلاً عن كونـها تعد قوة منافسة لنيجريا - الدولة المحورية في الإقليم). وهناك أمر ثانٍ, يتعلق بالرغبة الأمريكية في مزاحمة النفوذ الفرنسي المتنامي في هذه المنطقة تحديداً، وهناك أمر ثالث يرتبط بانتماء معظم دول الإقليم إلى الإسلام، وهو الأمر الذي يشكل خطراً لواشنطن في هذه الآونة، ولعل هذا ما دفع بعض المسؤولين في البنتاجون قبل الزيارة إلى القول بأن تنظيم القاعدة متواجد في غرب إفريقيا!!

 

كما يكشف جدول الزيارة التركيز الأمريكي أيضاً على الدول المحورية في الجنوب الإفريقي (بتسوانا الصاعدة اقتصادياً - جنوب إفريقيا الدولة الأكبر في الإقليم). وبالنسبة لوسط القارة فإن الإدارة الأمريكية تولي اهتماماً كبيراً بـها. وهذا يفسر زيارة بوش بعد كلينتون لأوغنداº حيث يعد موسيفيني من أبرز الموالين لواشنطن لدوره في أزمة الجنوب السوداني ودعم جارانج من ناحية، وموقع أوغندا الاستراتيجي في منطقة البحيرات العظمى من ناحية ثانية، وبعبارة مختصرة فإن الإدارة الأمريكية الحالية تولي اهتماماً كبيراً بغرب وجنوب ووسط القارة بعد ما قامت بتوطيد وتعزيز مواقعها في شرق القارة عبر كينيا - تنـزانيا - جيبوتي التي تم استخدام قاعدة عسكرية بـها منذ ديسمبر الماضيº فضلاً عن علاقات واشنطن الوطيدة بكل من أثيوبيا وإريتريا.

 

الإيدز والتنصير:

إذا نظرنا إلى جولة بوش الأخيرة فنلاحظ أنه رفع شعار مكافحة الإيدز الذي تعاني منه إفريقيا بصورة كبيرة (عدد المصابين في إفريقيا 30مليون شخص من إجمالي 42مليون شخص على مستوى العالم)، وقام بإطلاق مشروع في مايو الماضي بشأن مكافحة الإيدز بتكلفة 15 مليار دولار على مدى خمس سنواتº لكن السؤال: لماذا التركيز على الإيدز فقط وعدم التركيز على الجوانب الأخرى كالفقر - المجاعة - التصحر؟

 الإجابة تقطن في أن اليمين المسيحي - المؤيد للحزب الجمهوري - يضغط على الإدارة الأمريكية من أجل استخدام ورقة مكافحة الإيدز من أجل نشر المسيحية في ربوع القارة.

 وقام وزير الخارجية كولن باول - قبل الزيارة - بتقديم تقرير للقس بيل جراهام أحد أبرز قادة اليمين المسيحي في الولايات المتحدة وله جهود جبارة في التنصير في إفريقيا - بشأن الأوضاع في ليبيريا - حديث الساعة الآن.

 

ولعل الهدف الثاني الأهم والذي قام بوش بالتركيز عليه أثناء زيارته للدول الخمس هو القضاء على "الإرهاب"º خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ومن قبلها تفجير السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنـزانيا، وقد أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أن القارة تشكل مشكلة كبيرة بالنسبة لإيواء الإرهابيين. ولعل هذا يفسر أسباب سعي إدارة بوش لإقامة قواعد مؤقتة تستخدم عند اللزوم في معظم دول القارة (نجحت في ديسمبر الماضي في إقامة قاعدة في جيبوتي في شرق القارة بالرغم من أنـها دولة فرانكفونية، كما توصلت لاتفاقات بشأن إقامة قواعد مؤقتة تستخدم لتزويد الطائرات الحربية بالوقود في كل من السنغال - أوغندا (ولعل هذا يفسر أسباب حرص بوش على زيارتـهما) وتسعى للتوصل لاتفاقات مماثلة مع كل من الجزائر - مالي.

 

ولعل ثالث الأهداف هو الحصول على النفط الإفريقي الرخيص نسبياً من ناحية، والذي يعد بديلاً عن البترول العراقي بسبب الأزمة التي تواجهها واشنطن هناك من ناحية ثانية، ويرى بعض المحللين أن عدم انضمام معظم الدول الإفريقية لمنظمة أوبك - باستثناء نيجيريا - يجعل واشنطن تحصل على ما تريده من النفط بأسعار أقل من الأسعار العالمية. ولم يخف بوش هذا الهدف أثناء زيارته لنيجيريا التي تقوم بتصدير ثلاثة أرباع إنتاجها النفطي البالغ قرابة 2مليون برميل يومياً لواشنطن.

 

أما رابع الأهداف - وإن كان هدفا بعيد المدى نسبياً - فيتمثل في الرغبة في كسب رضاء الأمريكيين السود الذين قاموا في الانتخابات الماضية بالتصويت للحزب الديمقراطي على اعتبار أن حزب بوش لم يهتم بالقارة السمراء.

 

أما بالنسبة لأزمة ليبيرياº فلم تكن هدفاً أساسياً لبوش، صحيح أنه حرص خلال جولته على تأكيد نفي إمكانية إرسال قوات أمريكية لحفظ السلام هناك، وهو شرط تايلور للتنحي.. ولعل هذا يكشف هدف الرغبة الأمريكية في الحصول على أكبر المكاسب بأقل تكلفة. وهذه هي سياسة واشنطن في إفريقيا والتي سعى بوش لترسيخها خلال جولته الأخيرة ...

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply