استضعاف الدين واستنبات التطرف


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الإسلام اليوم / في مصر الآن ضجة بسبب تهور أحد المشتغلين بمجال الفن التليفزيوني تحديداً، وهجومه الجارح على أحد الصحابة، ودخوله شريكاً في جدل تاريخي ليس من أهله ولا من خبرائه، وصاحب هذا الهجوم الجارح على شخصية إسلامية تاريخية لها هذه الحساسية - وهو يدرك أن لها هذه الحساسية - صدر من شخص يعمل "كاتب سيناريو" لأفلام ومسلسلات تليفزيونية، معظمها يتصل بتاريخ الراقصات والبغايا وبعض الشأن السياسي، وكان من الحمق والاندفاع إلى حد تكرار الهجوم والسباب عبر أكثر من منبر - بعضها صحافي وبعضها تليفزيوني -، حتى إن البعض لاحظ أنه كلما وجد ردود الفعل عليه عنيفة وقاسية كلما زاد حبوره وابتهاجه، وأوغل في حمقه وابتذاله.

تأملت هذه الحالة الغريبة - أو التي كنت أظنها غريبة -، ثم سريعاً أفقت على حقيقة أن هذه - مع الأسف - أصبحت ظاهرة عامة في العالم العربي، وهي جزء مما يمكن وصفه باستضعاف الدين وأهله، وذلك أن مثل هذا السباب المشين الذي أطلقه هذا الشخص لا يمكن له أن يطلقه على حاكم بلده مثلاً، أو شخصية لها خطرها وأهميتها فيه، لأنه يعلم أن في ذلك قطع رقاب، أو - على الأقل - قطع أسباب العيش عنه وعن ذريته إلى أبعد حفيد، هو يعلم ذلك، ويعلم أنه لو فعل ذلك مع مسؤول الإعلام في بلده - وليس الحاكم - لتحولت كتاباته في الفن إلى أقرب صندوق للقمامة، ولما وجدت طريقها أبداً إلى التليفزيون أو جهات الإنتاج، وقد ذاق الرجل شيئاً من ذلك العذاب المضني لأي مشتغل في قطاع الفن في السنوات الماضية، عندما أعلن عن موقفه الداعم للطاغية العراقي صدام حسين أيام غزوه للكويت، فما كان منه إلا أن كال السباب المسف للخليج وأهله، فعاقبته جهات كثيرة بالطريقة المعهودة وهي منع قبول أي إنتاج يكون هو مشاركاً فيه، وبالتالي امتنعت جهات الإنتاج في مصر وغيرها عن قبول أعماله، لأنها تعلم أنها لن تبيع شيئاً، وستكون خسارتها فادحة، فقطعت أسباب كثيرة لعيشه الرغيد الذي تقلب فيه مع النخبة المترفة، خاصة وقد نسي أوقات الحرمان والعذاب بعد أن انتقل من مدرس لرياض الأطفال متواضع المكانة والدخلº إلى كاتب سيناريو كبير يتقلب في النعيم والرفاهية، وهذا الموقف زاده هوساً وحمقاً، فتحول بسبابه وهجائه إلى الصحابة، لأنه اعتبرهم " خلايجة "! - مواطنين خليجيين -، وبالتالي فهم في مرمى سبابه وتصفية حسابه مع الجميع، هذا بالإضافة إلى خرافات أخرى أقدم عليها عندما هاجم شعائر الإسلام، والحجاب، والنقاب، واللحى، والالتزام بالهدي والسنن، واعتبر ذلك غزواً بدوياً لمصر، وبطبيعة الحال يجد له في ما يقوله بعض الأنصار من هنا وهناك ممن يتربصون شراً بكل ما يتصل بهذه الأمة من تاريخ أو دين أو هوية أو كرامة، الأمر الذي يشجعه على مزيد من الحمق والاندفاع، ولكن الذي تحار فيه ويحار فيه العقلاء أن كثيراً من هذه المنابر التي تتضامن معه وتدافع عنه هي مؤسسات رسمية، تنفق عليها الدولة من أموال الناس، سواء كانت منابر إعلامية صحافية أو إذاعية، أو كانت منابر ثقافية، وهو الأمر الذي يعطي الانطباع - الذي قد يكون خاطئاً - بأن هناك دعماً رسمياً لمثل هذا الهجوم على الدين وأهله، وخطورة هذه المسألة أنها تمنح أجيالاً جديدة من الشباب الانطباع بأن الدولة ضد الدين بكل ما تحمله هذه المعاني من خطورة كبيرة على وعي هؤلاء الشباب، وتحولهم المؤكد إلى التطرف وربما العنف من ورائه، ثم تدور الدوائر، وتشتبك الأطراف، ويكثر الجدل، وتضيع المسائل وتغيب وسط هذا كله الحقيقة الأساسية، وإذا ذهبت تبحث في أصولها ومنابتها، تجد أن صناعة التطرف واستنباته لم تكن في خطب المشايخ، أو دروس العلماء، أو مناهج المعاهد الدينية - كما زعم الأمريكان ورجالهم هنا -، وإنما جذور التطرف وميلاده كانت عبر كتابات بذيئة مثل هذه الكتابات التي نشير إليها، واستضعاف مهين للدين وأهله ومقدساته، وغفلة ليست بريئة من الدولة ومؤسساتها الرسميةº أعطت الانطباع بأن الدين مستهدف، وأن هناك توجهاً رسمياً لإهانة الدين وتحطيم مكانته في نفوس الناس، إنها ليست بطولة على الإطلاق أن تهاجم الدين ومقدساته، وتهين أهله بالتوازي مع الهجمة الأمريكية على الإسلام ورموزه ومقدساته وأهله، ليست هذه بطولة أبداًº بل هي لون من الخسة والنذالة، وادعاء البطولة والشجاعة حيث لا بطولة ولا شجاعة، وإنما هو ركوب للموجة، واستضعاف للدين في أوقات محنته ومحنة أهله، نأمل أن يتضامن كل العقلاء في هذه الأمة، ومن كل تياراتهاº لوقف هذه الموجة من الابتذال والانتهازية والنذالة، لأن عواقبها بالغة الخطورة، وهي نوع من اللعب بالنار، في وقت نرى بأعيننا الحرائق من حولنا في كل مكان من أرض الله.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply