الشرق الأوسط الجديد مسرحية هزليه تنتظر طلقة الرحمة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

NEW كثيرة جداً هذه الكلمة بمدلولاتها ومشتقاتها التي يحتويها القاموس الجغرافي والسياسي في الولايات المتحدة الأمريكية، فهي العالم الجديد NEW WORLD الذي اكتشفه كولومبوس في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي، وأهم مدنها نيويورك New York أي مدينة يورك البريطانية الجديدة، وأهم مشاريعها السياسية بين " الشرق الأوسط الجديد" New Middle East.

ومن ثم فالثقافة الأمريكية بحكم التاريخ والجغرافيا ليست تراثية مطلقاً، فالدولة ولدت منذ نحو خمسة قرون فقط، وتاريخها بدأ أيضاً مع الكشوفات الجغرافية، ومن ثم فالذهنية الأمريكية تقوم في الأساس على إعادة صياغة الواقع دون النظر إلى الخلفيات التاريخية التي لا تهتم بها العقلية الأمريكية كثيراً.

وكانت منطقة الشرق الأوسط إحدى المحطات الرئيسية في تغيير الواقع وفق الرؤية الأمريكية، وذلك منذ أن طرح الرئيس الأمريكي جورج بوش في عام 2003م عبارته المشهورة "ستون عاماً من التغاضي الغربي عن غياب الديمقراطية في الشرق الأوسط لم يجلب لنا الأمان، لأننا لا نستطيع شراء الاستقرار على حساب الحرية على المدى الطويل" والتي مثلت تغييراً جذرياً في أسلوب تعامل الإدارة الأمريكية مع المنطقة من خلال ما عرف بالشرق الأوسط الجديد، فماذا تم خلال هذه السنوات الأربع، وإلى أي مدى نجح أو فشل هذا المشرع الجديد؟

 

الشرق الأوسط الجديد:

"من بيروت إلى بغداد فإن الشعب يقوم بخيار الحرية، والشعوب المحتشدة في هذه القاعة عليها القيام بخيار أيضاً".

كانت تلك الكلمات التي دشن بها الرئيس الأمريكي جورج بوش خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20- 9- 2006 في دورتها السنوية الـ61.

كلمات بوش جاءت بينما الحلم الديمقراطي الأمريكي يتلقى ضربات قاصمة في لبنان، وأفغانستان، والعراق، إلى الدرجة التي دفعت روبرت ساتلوف مدير معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى إلى القول: "لا أستطيع القول أن الأجندة الأمريكية لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط ماتت، لكنها في غرفة العناية المركزة".

ولكن ما هي الأسباب والمعوقات التي دفعت بهذا المشروع إلى غرفة العناية المركزة؟

تضافرت حزمة من الأسباب والعوامل لتقف جميعها وراء هذه الانتكاسة الأمريكية التي ترفض واشنطن الاعتراف بها منها: أن واشنطن انحازت لقيمها المادية على حساب تلك القيم المثالية التي تشدقت بها أيام الحرب الباردة مع المعسكر السوفيتي، وهنا نقطة هامةº فقراءة المشروع الشرق أوسطي الجديد يجب قراءته في سياق عام يضع بجانبه أفول نجم الشيوعية السوفيتية، وتجذر قيم ومصطلحات العولمة، وتضخم دور الشركات المتعددة الجنسيات، إضافة إلى صعود نجم الإسلام السياسي.

فوفقاً للرؤية الأمريكية كان الشرق الأوسط الجديد الذي بشر به بوش في 2003م يتطلب إعادة صياغة أنظمة الحكم في تلك الدول، بحيث تفرز أنظمة جديدة تحظى بشعبية مقبولة لدى الناس، وفي نفس الوقت تتوافق مع قيم العلمنة الغربية، وكانت الآلية الوحيدة لهذه الرؤية عبر صناديق الانتخابات، وهو الأمر الذي حقق نجاحاً بعض الشيء في النموذج التركي الذي صعد بحزب العدالة والتنمية إلى سدة السلطة.

ولكن رياح الديمقراطية لم تأت بما تشتهيه السفن الأمريكية، ففي أعقاب النجاح غير المسبوق لجماعة الإخوان المسلمين في مصر في الوصول إلى 88 مقعداً في مجلس الشعب المصري، وقبلها فوز حماس بالأغلبية في الانتخابات الفلسطينيةº لتعيد خلط الأوراق الأمريكية من جديد.

فالقيم التي تتبناها الحركات الإسلامية تتعارض بشكل أساسي مع الأماني الأمريكية في إعادة هيكلة السوق والأفكار والثقافات الشرق الأوسطية الجديدة، ومن ثم فقد كان لزاماً على صانع القرار الأمريكي التخلي هنا عن مثالية الديمقراطية، والقبول بأخف الضررين، فوجود أنظمة غير منتخبة ديمقراطياً، وغير مقبولة شعبياًº أفضل كثيراً من المخاطرة بدعم قيم الحرية والمساواة التي من شأنها الذهاب بالمكتسبات المادية التي يحتفظ بها صانع القرار الأمريكي في المنطقة.

صحيفة الديلي تليجراف في عددها الصادر بتاريخ 16 فبراير 2006 تلقي ضوءاً على هذا الأمر قائلة في افتتاحيتها: إن "انتخاب حكومة إسلامية ديمقراطية في الأراضي المحتلة كان أمراً مثيراً للغاية، تصوروا تأثير حدوث الشيء نفسه في مصر"، وتضيف الصحيفة: أن "مخاطر الديمقراطية" أضحت أكثر وضوحاً عندما تغلبت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على حركة فتح في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني التي أجريت الشهر الماضي، ولذا ترى الديلي تليجراف أنه "لم يكن من المفاجئ أن يصدر الرئيس المصري مرسوماً رئاسياً الشهر الماضي يقضي بتأجيل انتخابات المجالس المحلية لمدة عامين، وهو القرار الذي صدق عليه البرلمان المصري".

ناثان براون كبير الباحثين في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، والمشارك في برنامج المؤسسة لدراسة التحول الديمقراطي في العالم العربيº يلقي من ناحيته ضوءاً جديداً قائلاً في حديث مع راديو سويس أنفو بتاريخ 7 مايو  2006: "أن الإدارة الأمريكية بدأت تشعر بخوف حقيقي إزاء ما أسفرت عنه الانتخابات الديمقراطية من صعود للإسلاميين خاصة في مصر، بل وفي أي انتخابات قد يتم إجراؤها في بلاد عربية أخرى إذا واصلت واشنطن دفع مسيرة التحول نحو الديمقراطية في العالم العربي، لذلك قررت الحكومة الأمريكية أن تغمض أعينها عن قرار الحكومة المصرية تأجيل الانتخابات البلدية لمدة عامين".

حتى في لبنان التي شهدت ولادة الشرق الأوسط الجديد من خلال مظاهراتها المليونية التي أسقطت حكومة رشيد كرامي في عام 2005م، والتي وصفتها صحيفة التايمز البريطانية في عددها الصادر بتاريخ 3 مارس 2005 قائلة " أنها تنبئ بثورة ديمقراطية مماثلة لانهيار الستار الحديدي في أوروبا الشرقية قبل 16 عاماً.".

هذه الصورة الوردية سرعان ما تبخرت خاصة مع العدوان الصهيوني الأخير في يوليو من العام الماضي، حيث بدت واشنطن تغير من لهجتها، فبدلاً من الدعاوى السلمية لانتقال السلطة إذا بوزيرة الخارجية الأمريكية تعلن في 22- 7- 2006 أن نيران المدافع الإسرائيلية ستخرج من رحم الدولة المدمرة "شرق أوسط مختلف، إنه شرق أوسط جديد" على حد تعبيرها.

الوضع أيضاً في أفغانستان والعراق يغني عن المزيد من التفاصيل، ويكفي سرد أعداد القتلى والجرحى في دوامات العنف اليومية ليتم من خلالها قراءة نجاحات المشروع الأمريكية الجديد، ومعرفة لماذا تراجع المشروع الشرق الأوسطي الجديد أو بمعنى أدق دخل العناية المركزة.

 

الخروج من النفق المظلم:

"الخوف من الديمقراطية يعد بمثابة تشجيع على الفساد والقمع والركود، كما أن تأجيل يوم الحساب قد يجعل مقدمة أشد وطأة"، هذا ما انتهت إليه صحيفة الديلي تليجراف في تقريرها الصادر بتاريخ 16 فبراير دون أن تضع من ناحيتها روشتة علاج يخرج مشروع الشرق الأوسط الجديد من غيبوبته الطويلة.

ناثان براون يضع من ناحيته خيطاً يمكن أن يصل بنا إلى الحل المنطقي وفق الرؤية الأمريكية وذلك من خلال طرح تساؤل مفاده: هل يمكن إقامة نظام سياسي يستطيع استيعاب الحركات الإسلامية السياسية؟

طرح ناثان السؤال دون أن يقدم أي حل، لكن يمكن القول أن التجربة السياسية الوحيدة التي يمكن القول أنها نجحت نوعاً ما كانت في تركيا، لكن الأخيرة - ولسوء حظ مشروع الشرق الأوسط الجديد - تلقت في الأيام الأخيرة ضربة موجعة على خلفية السجال بين الإسلاميين والعلمانيين حول ترشح وزير الخارجية عبد الله لمنصب رئيس البلاد.

صحيفة ليبراسيون الفرنسية خرجت في الثالث من شهر مايو الجاري بتقرير تحت عنوان "لا عمامة ولا قبعة" قائلة: إن احتمال انتخاب إسلامي رئيساً للدولة التركية أيقظ المجتمع العلماني في هذا البلد, فبدأت الأحزاب العلمانية نشاطات تهدف إلى سد الطريق أمام هذا الاحتمال عن طريق المظاهرات، واللجوء للقضاء والمجلس الدستوري.

وأمام هذا التعنت العلماني بدأ أن المشروع الديمقراطي في تركيا بات يواجه صعوبات كبيرة ليس في الداخل فقط ولكن أيضاً لأمريكا وحلفاءها الذين دائماً ما اتخذوا النموذج التركي مثالاً يحتذى به في كيفية الموائمة بين النفعية والمثالية، والديني والعلماني في السياسة.

المشروع الأمريكي لكي يخرج أيضاً من هذا النفق المظلم، وبعيداً عن استيعاب الحركات الإسلامية في اللعبة السياسيةº يحتاج إلى إجابات شافية من الحركات الإسلامية نفسها التي باتت صداع في رأس صانع القرار الأمريكي.

حيث أن الحركات الإسلامية التي تقبل بالعملية السياسية والدولة المدنية ما زالت صامتة، أو تعطي إجابات شافية لصانع القرار الأمريكي فيما يتصل بحرية بكيفية التعامل مع المشروع الصهيوني، كما أن إجابتها وأطروحتها الخاصة بحرية السوق وتنقل الأموال ما زالت غامضة وفضفاضة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply