الشرق الأوسط بانتظار أسابيع خطيرة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

تتجمع كل العناصر المكونة لحرب جديدة في الشرق الأوسط، هناك تصعيد لحّمى الحرب يتقاسمها رئيس الولايات المتحدة الجاهل «المتنمر»، وصقور "إسرائيل" الذين يستغلون بلا خجل مشاعر «البارانويا» التي تطفو على سطح الرأي العام الإسرائيلي.

يبدو أن الرئيس بوش يتخوف، أو لعل مستشاريه من المحافظين الجدد قد أقنعوه بأن إيران تشكل تحدياً جدياً للهيمنة الأميركية على منطقة الخليج الاستراتيجية، كما أن المنظرين الإسرائيليين يضعون على قدم المساواة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد وهتلر، ويصورون برنامجه النووي على أنه خطر «وجودي» على الدولة اليهودية، وأنه ليس أقل من تحضير لمحرقة جديدة (هولوكست).

إن الرسالة التي تريد واشنطن وتل أبيب أن تبلغاها بنبرة عالية وواضحة هي ضرورة إيقاف الطموحات الإيرانية عند حدها، مهما كلف الثمن، وفيما تتدفق قوات «الضربة الأميركية» المحمولة على الخليج، وفيما تستمر القاذفات الإسرائيلية على التدرب على المهمات الطويلة الأمدº يتنبأ الكثير من المراقبين بأن هجوماً على إيران سيقع في أوائل الربيع المقبل.

إن «العقيدة الأمنية» الخاطئة والمتخلفة والخطيرة التي تغذي هذه الهستيريا الحربية تقوم على الزعم بأنه يتوجب على الولايات المتحدة وحليفتها "إسرائيل" المحافظة على التفوق العسكري في المنطقة، وإلا تعرضتا لكارثة حتمية، وأن الذين يبشرون بالمصالحة مع القوى المحلية على أساس الاعتراف المتبادل بالمصالح المشروعة، أو الحرص على تساكن الجوار البناء، أو الدعوة إلى توازن القوى العادلº فهؤلاء ينبغي استبعادهم على أنهم انهزاميون، راغبون في الاسترضاء.

ويبدو أن الولايات المتحدة و"إسرائيل" مصممتان على تجاهل دروس الحروب التي خاضتا غمارها وخسرتاها في العراق ولبنان والأراضي الفلسطينية، والتي تتجلى في أمور عدة: أن الاحتلال يستولد المقاومة، وأن العدوان الوقح والظلم يفرخان الإرهابيين، وأنه من الصعب إخضاع مقاومة زئبقية غير مرئية، وأن الدول التي تواجه خطر الحرب مرغمة على ممارسة الردع، وأن ظهور الانتماء القومي أو الإسلامي قد يولد النضال العنيد، وأن المواطنين في نهاية المطاف لن يستسلموا ولن ينهزموا.

على واشنطن أن تفكر ملياً، وأن تدرك أن الصين لم تكن بحاجة إلى قواعد عسكرية في الخليج للحصول على صفقة تاريخية مع إيران تؤمن لها إمدادات طويلة الأمد من النفط والغاز قيمتها 100 بليون دولار، ولم تكن بكين بحاجة إلى أن تعتمد على ديبلوماسية البوارج الحربية لزيادة حجم تجارتها الثنائية مع المملكة العربية السعودية بمقدار 30 في المئة بين عامي 2005 و2006 كما جاء في صحيفة «الفايننشال تايمس» البريطانية في 30 كانون الثاني (يناير).

على أن هناك إشارة أو إشارتين إيجابيتين في المناخات القاتمة التي تحيط بنا، لقد بدأ الكونغرس تحت قيادة الحزب الديمقراطي «صحوته» وهو يسعى إلى كبح جماح عدوانية الرئيس بوش، بحرمانه من المبالغ اللازمة لتعميق تورطه في العراق، وبإصراره على أن الرئيس لا يستطيع أن يشن حرباً على إيران من دون موافقة الكونغرس الواضحة، ومن جهة أخرى فإن الجمهور الأميركي بدأ يثور على الاستمرار في حرب العراق الكارثية كما ظهر جلياً في التظاهرة الضخمة المعادية للحرب التي شهدتها واشنطن في الأسبوع المنصرم.

ومما يحمل دلالة أكثر أهمية هي المناقشات المفتوحة التي تتكاثر الآن في الولايات المتحدة حول النفوذ الهدام للوبي اليهودي على سياسة الولايات المتحدة، إذ على رغم التهجمات السفيهة التي شنها اليهود من غلاة اليمين على الرئيس جيمي كارتر، فإن تعريته للسياسات الإسرائيلية في كتابه القيم «فلسطين: السلام لا الفصل العنصري (أبارتايد)» يلقى رواجاً كبيراً، مما جعل هذا الكتاب يتصدر قائمة الكتب الأكثر مبيعاً Best Seller.

إن الاتحاد الأوروبي المعروف بمواقفه الخجولة والمنقسمة يدعو الآن متأثراً بالاعتراضات الأميركية والإسرائيلية إلى الاستعجال في إعادة إطلاق عملية السلام الإسرائيلية - العربية المحتضرة، وتظهر الدول الأوروبية معارضتها الشديدة لدعوة الولايات المتحدة إلى مقاطعة المصارف الإيرانية، كما يطلب ستوريث ليفي معاون وزير الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب وتمويل المخابرات، وتظهر إشارات إيجابية أخرى في المنطقة ذاتها، إذ تبدي القوى المحلية رغبتها في تسوية قضاياها من دون تدخل خارجي.

فقد عقد مبعوثان من مستوى رفيع هما الأمير بندر بن سلطان وعلي لاريجاني المسؤولان عن مجلسي الأمن القومي في كل من المملكة العربية السعودية وإيران اجتماعات طويلة في عاصمة كل منهما، وكانت الديبلوماسية السعودية ناشطة على جبهات أخرى: لقد استدعى الملك عبدالله بن عبدالعزيز طرفي النزاع الفلسطيني - الفلسطيني المتنافسين «فتح» و«حماس» إلى مكة المكرمة للحوار مباشرة، وهناك إشاعات عن عزم المملكة العربية السعودية على دعوة الأطراف المتنازعة في لبنان إلى قمة في الطائف التي شهدت آخر محاولة للتوصل إلى توزيع السلطة في لبنان عام 1989م.

وتتصدر التوتر بين السنة والشيعة الذي اندلع بعد الغزو الأميركي للعراق «أجندات» كل الزعماء الإقليميين: حسن نصرالله الأمين العام لـ «حزب الله»، وفؤاد السنيورة رئيس الحكومة اللبنانيةº تحدثا عن الحاجة إلى تسوية الخلافات من خلال الحوار لا العنف، وأصبح في حكم المؤكد أن القوى المحلية في غياب تغير جذري في سياستي الولايات المتحدة و"إسرائيل" بحاجة ماسة إلى الاتفاق على أهداف واضحة دفاعاً عن نفسها ووجودها، وفيما يلي بعض هذه الأهداف:

* ينبغي على دول الخليج أن ترفض الهيمنتين الأميركية والإيرانية، وأن تناضل من أجل أن تبقى ساحة للتسامح والحداثة تتعايش عليها المصالح الغربية والإيرانية.

* ويتوجب أن توقع دول مجلس التعاون الخليجي الست (المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، البحرين، قطر، الكويت، وعمان) على معاهدة أمنية مع إيران لتبديد المخاوف المتبادلة، وينبغي على دول الخليج أن تعلن أنها لن تسمح بأن تهاجَم إيران انطلاقاً من أراضيها، وعلى إيران من جهتها أن تتعهد بأنها لن تسعى إلى تحريك الشيعة في دول المنطقة لزعزعة الاستقرار في دول الخليج، ولن تحاول أن تصدر أيديولوجيتها الإسلامية الثورية.

* هناك حاجة إلى إيجاد توازن جديد في لبنان يعكس الحقائق الديمغرافية والسياسية، وإلى إعادة النظر في مؤسسات الدولة، وإجراءات اقتسام السلطة لإعطاء الطائفة الشيعية حصة أكبر في اتخاذ القرارات، شريطة أن لا تكون هذه الحصة طاغية**.

* لا بد من إرساء العلاقات السورية - اللبنانية على أسس صحية، وهذا يتطلب اعتراف سورية باستقلال لبنان، في مقابل أن يعترف لبنان بأن لسورية في غياب سلام عربي - إسرائيلي مصالح أمنية مشروعة في لبنان، ولا يمكن لسورية أن تتحمل أو أن تتسامح إذا ما خضع لبنان لنفوذ قوة معادية لها**.

* ينبغي أن تتشكل حكومة وحدة وطنية فلسطينية على أساس برنامج موحد يعترف بـ"إسرائيل" ضمن حدود 1967 ويتخلى عن العنف، في مقابل التزام "إسرائيل" بإنهاء الاحتلال، والتخلي عن العنف أيضاً، والاعتراف بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة.

* ويتوجب على العرب أن يبذلوا جهوداً ديبلوماسية نشطة لكسب التأييد الأميركي والأوروبي، بل وتأييد الجمهور الإسرائيلي أيضاً، ويتحقق ذلك بدعم خطة السلام السعودية التي تبنتها قمة بيروت العربية في 20 آذار (مارس) 2002، والتي تعد "إسرائيل" بعلاقات طبيعية مع 22 دولة في الجامعة العربية في مقابل انسحابها إلى حدود 1967، ويمكن للولايات المتحدة الأميركية أن تساهم في نجاح هذا الإنجاز إذا وفرت لإسرائيل ضمانات أمنية رسمية.

* وأخيراً لا بد من عقد مؤتمر دولي ترعاه الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا بهدف إنهاء الصراع العربي - الإسرائيلي مرة وإلى الأبد، وهذا من شأنه أن يزيل أسباب العداء بين الغرب والعالم الإسلامي.

سيحتاج تحقيق هذا السلام إلى ما يقارب 50 بليون دولار، على أن تساهم في جمعها كل القوى النافذة لتغطية تعويضات وإعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين في دولة فلسطينية مستقلة، ولتمويل إخلاء المستوطنين الإسرائيليين من الضفة الغربية والقدس الشرقية.

تبقى قضية البرنامج النووي الإيراني التي ستصر "إسرائيل" والموالون لها على رؤيتها من منظار توراتي لا على أنها رد فعل دولة محاصرة بالضغوط الدولية، وتخشى العدوان عليها، وتسعى إلى الحصول على قوة رادعة، ولا يبدو أن سياسة «العنترة» والعقوبات والتهديد بالحرب ستقنع إيران بإيقاف نشاطاتها النووية إن لم تساعد على توسيعها وتسريعها.

الوسائل المعقولة الوحيدة هي الحوار، والاعتراف بالمصالح الإيرانية المشروعة، بالإضافة إلى تعهد القوى النووية بتطوير أسلحتها، وبأن تعمل على إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل.

يستحسن بالدول المحلية في المنطقة خصوصاً في الأوقات التي تتصاعد فيها الأخطار الجسيمة أن تتحمل مسؤوليتها، وأن تنجو من الطموحات الخبيثة، ومن التحرشات العسكرية للدول الخارجية.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply