القوات الدولية على أعتاب دارفور


 

بسم الله الرحمن الرحيم

وقعت الحكومة السودانية وفصيل ميني أركومنياوي -أحد فصائل جيش تحرير السودان- وبرعاية من الاتحاد الأفريقي وتدخل سافر من مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية روبرت زوليكº اتفاق سلام ينهي المواجهات العسكرية في الإقليم المضطرب ويؤسس لوضع جديد في الإقليم الذي عانى ويلات صراع دام في السنوات الأخيرة.

 

وينص الاتفاق - الذي رفض التوقيع عليه أحد أجنحة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور وحركة العدل والمساواة التي يتزعمها خليل إبراهيم أحد القادة السابقين لحزب المؤتمر الشعبي الذي كان يتزعمه د. حسن الترابي - على عدد من النقاط: أهمها حل ميلشيات الجنجويد الموالية للحكومة، ونزع سلاحها وتفكيك الفصائل العسكرية للمتمردين ودمجها في الجيش السوداني، وتشكيل حكومة مؤقتة في دارفور يشارك فيها المتمردون، وتقاسم الثروة والسلطة في الإقليم.

 

اتفق الطرفان على تقديم دعم عاجل لإقليم دارفور يصل إلى 300 مليون دولار، يضاف إليها مبلغ 200 مليون دولار لإعادة الإعمار مع التزام الحكومة بدفع تعويضات لضحايا العنف المشتعل في الإقليم منذ 3 سنوات..أما فيما يخص السلطة فقد اتفقوا على وجود 7 وزراء من دارفور في الحكومة الاتحادية وتعيين أحد أبناء الإقليم مستشارا خاصا للرئيس السوداني.

 

ويلاحظ المراقبون أن هناك ملمحا مميزا ميز هذا الاتفاق ألا وهو سطو الولايات المتحدة الأمريكية على جهود الاتحاد الأفريقي التي استمرت أكثر من عامين، ومحاولة روبرت زوليك عد التوصل إلى سلام في دارفور من أهم إنجازات الرئيس جورج بوش لعل هذا الأمر ينقذه من الصعوبات الكبيرة التي يواجهها في الداخل الأمريكي وفي العراق وأفغانستان، فزوليك رغم هذا لم يذهب إلى أبوجا لإنجاح الاتفاق، بل وصل إلى هناك لإفشال المفاوضات، لكن ما إن علمت بذلك الحكومة السودانية حتى سارعت باستباق وصوله بالتوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاق، وقطعت الطريق على زوليك الذي كان يستعد لتقديم اقتراحات تدمر عملية السلام برمتها وأهمها نزع سلاح الجنجويد، وإدماج قوات المعارضة بوصفها عسكرية في الجيش، وهو ما رفضته الحكومة رفضاً تاماً حيث اشترطت الحكومة دمج المتمردين في وحدات الجيش السوداني.

 

رفض وتصعيد

الاتفاق الذي وقعته الحكومة السودانية وفصيل أركوميناوي قوبل برفض تام من فيصل عبد الواحد محمد نور الذي أكد أن هذا الاتفاق لا يلبي طموحات مواطني دارفور خصوصا فيما يتعلق بقسمة السلطة.. حيث رفضت الحكومة استحداث منصب نائب رئيس الجمهورية لصالح أبناء الإقليم.

والموقف نفسه اتخذه خليل إبراهيم زعيم حركة العدل والمساواة الذي صعد من هجومه على الاتفاق داعيا إلى تشكيل مجموعات ضغط في السودان كلِّه لإجبار الحكومة على احترام حقوق أبناء دارفور.

ورفض الاتفاق لم يقف عند فصيلي التمرد، بل إن معظم القبائل العربية في الإقليم رأت فيه تهميشا لها لصالح القبائل ذات الأصول الأفريقية، واتهمت الحكومة السودانية ببيع هذه القبائل وتقديم الإقليم على طبق من ذهب للقوى المناوئة لها.

 

وبالرغم من توقيع الاتفاق وسيطرة الجناح الأقوى في جيش تحرير السودان بزعامة ميناوي على الميدان العسكري إلا أن العديد من المراقبين يتخوفون من بداية موجة ثانية من الصراع تقودها الفصائل التي رفضت التوقيع والقبائل العربية التي تتشكل منها ميلشيات الجنجويد خصوصا أن لا أحد يعلم نوايا واشنطن تجاه الأوضاع في الإقليم.

 

تحريض

بعد خروج تقرير من معهد بروكنجر في واشنطن دعا فيه إلى إرسال قوات دولية لدرافور لوقف ما سماه بعمليات الإبادة مدعيا أن القوات التابعة للاتحاد الأفريقي غير قادرة على منع عمليات الإبادة متجاهلة اتفاق السلام التي وقع في أبوجا.

 واقترح التقرير شكلا جديدا من أشكال التدخل يعتمد على متطوعين عسكريين بدلا من توريط الجيش الأمريكي في مستنقع جديد، فواشنطن لا تزال تعلن عن رغبتها في إرسال قوات دولية إلى الإقليم رغبة منها في إيجاد موطئ قدم لها في الإقليم الغني بالبترول واليورانيوم والثروة الحيوانية -280 مليون رأس ومعادن الفوسفات وغيرها-، بل إنها دفعت الأمين العام للأمم المتحدة لمطالبة الحكومة السودانية للموافقة على استقبال بعثة أممية لتقصي الأوضاع في دارفور ووضع الخطط اللازمة لنشر قوات دولية هناك، وهو ما يؤكد أن الاتفاق لن يقف حائلا دون تدويل الأزمة وأخذها أبعاداً خطيرة في المستقبل.

 

- الحكومة السودانية من جانبها رفضت نشر قوات من الأمم المتحدة مؤكدة على لسان وزير الخارجية لام أكول أن القوات الدولية قد تجاوزها الزمن بعد توقيع اتفاق الخامس من مايو خصوصا أن الاتفاق قد وقع مع الفصيل الأساسي في التمرد لكن هذا الأمر تناقض مع صدور إشارات من بعض المسؤولين السودانيين وعلى رأسهم مجذوب الخليفة رئيس الوفد السوداني لمفاوضات أبوجا، حيث ألمح أن الخرطوم تدرس حاليا السماح لقوات دولية للانتشار في دار فور بوصها قوات حفظ سلام، وهو ما يفتح الباب أمام تدويل الأزمة، فالحكومة قدمت مثل هذه الإشارة استباقا لضغوط أمريكية ودولية عليها في هذا الشأن، فهي تدرك أن هذه الضغوط ستزداد في المرحلة المقبلة ومن ثم فيجب إعطاء مساحة مرونة للحكومة لتحديد موقفها.

 

- ويرى المراقبون أن واشنطن لم تقم بالضغط على فصيلي نور وخليل إبراهيم ضغطاً كافياً لتوقيع الاتفاق بغرض استمرار الضغط على الحكومة واستغلال معارك هنا وهناك للزعم باستمرار مذابح الإبادة الجماعية لتهيئة الساحة بنشر قوات دولية وهو ما لا تستطيع الحكومة السودانية رفضه.

 

إيجابيات

 هناك إيجابيات لهذا الاتفاق أهمها أن توقيع الاتفاق أظهر الحكومة بمظهر المرونة أمام العالم وأخرج العديد من القوى الدولية التي صورت حكومة السودان على أنها راعية لحملات الإبادة في الإقليم بدعمها للجنجويد.. كما جعل قوى التمرد تظهر في صورة الحركات المتشددة حتى إن الاتحاد الأفريقي هدد بفرض عقوبات على الفصائل الرافضة للاتفاق بوصفهم مجرمي حرب وستجري ملاحقاتهم من قوات الاتحاد، كما وفر الاتفاق فرصة لنشر الهدوء في الإقليم بوقف الصراع العسكري مما يسمح للحكومة بتنفيذ خطط تنموية في دارفور من ناحية والتفرغ لإدارة الملف السياسي مع الحركة الشعبية لتحرير السودان في الجنوب من جانب آخر وتوفير العديد من الموارد المالية للسودان في خطط تنموية في جميع مناطق السودان، بدلا من تمويل الصراع في دارفور.

 

مواجهة البعث التنصيري

 كما سيعطي الاتفاق الحكومة السودانية الفرصة لمواجهة منظمات التنصير المنتشرة انتشاراً وبائياً في الإقليم والتي أشعلت الأوضاع الأمنية لنشر سمومها التنصيرية بين سكان الإقليم ذي الأغلبية المسلمة الساحقة في ظل مسعى هذه المنظمات لإعطاء الوضع في دارفور بعدا إنسانيا والزعم بأن وجودها هناك يأتي لدعم الناجين من كوارث الإبادة الجماعية.

 غير أن الصورة ليست كلها إيجابية فتوقيع الاتفاق كرر أخطاء اتفاق نيفاشا، من حيث إنه اتفاق ثنائي فقط استبعد القوى السياسية في السودان مثل أحزاب الأمة الاتحادي والمؤتمر الشعبي، وهو ما يمكن أن يكون له دور في إفشال هذا الاتفاق في المستقبل خصوصا أن الفصيل الموالي للمؤتمر بقيادة خليل إبراهيم يمكن أن يستمر في عملياته العسكرية لإفشال هذا الاتفاق.

 وتعد موافقة الحكومة على نزع سلاح الجنجويد إقرارا من الحكومة السودانية بالاتهامات الغربية بالوقف وراء هذه الميلشيات المتهمة بارتكاب جرائم إبادة جماعية مما قد يعطي شرعية في المستقبل لملاحقة هذه القبائل ذات الأصول العربية المعارضة بشدة لهذا الاتفاق.. حيث ترى فيه تهميشا لها وإبعادا لها عن بؤرة المشهد السياسي في الإقليم لصالح العرقية الأفريقية، وهو ما يمكن أن يفتح بابا لمواجهة بين القبائل وحكومة الخرطوم من ناحية ومع القبائل الأفريقية من جانب آخر وهو ما يهدد بتفجير الأوضاع داخل الإقليم.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply