قمة الخرطوم بين الحصارين الأمريكي والصهيوني


 

بسم الله الرحمن الرحيم

افتتحت في الخرطوم صباح اليوم القمة العربية العادية الثامنة عشرة وسط أنباء عن اختصار أعمالها إلى يوم واحد بدلاً من يومين كما كان مقرراً، ووسط غياب واضح لعدد كبير من القادة.

والجدير بالذكر أن هذه القمة تختلف عن غيرها، إذ يزخر جدول أعمالها بالعديد من الملفات المعقدة التي يصعب اعتبار أي منها أكثر إلحاحاً بالنسبة للوضع العربي الصعب.

ولا تزال العديد من القضايا بدءاً من قضية فلسطين التي هي من عمر الجامعة، حتى الملف العراقي، والسوداني المتمثل بمسألة دارفور، مروراً بعشرات القضايا الأخرىº في أشد الحاجة إلى قرارات واقعية وحاسمة لتجد حلولاً عملية لها، بدلاً من مئات القرارات الأخرى التي لم تحقق بعد الحد الأدنى من طموحات الشارع العربي من المحيط إلى الخليج.

 

أهم القضايا المطروحة:

ومن أبرز الملفات المطروحة على قمة الخرطوم ملف العراق - ونذكر أن القمة تنعقد بعد أيام قلائل من حلول الذكرى السنوية الثالثة لاحتلال العراق، العضو المؤسس للجامعة العربية، على يد القوات الأمريكية - الذي أصبح بنداً ثابتاً على جداول أعمال الاجتماعات واللقاءات العربية على كافة المستويات، ولم يعد قاصراً فقط على مستوى القمة.

ويحمل الملف العراقي هذه المرة جديداً مهماً بالنسبة للقمة العربية يتمثل في أمرين:

أولهما يتعلق بالوضع الأمني وما يتطلبه من ضرورة ضبطه وإحكام السيطرة عليه.

أما الشق الثاني فيتعلق بالنزاع الطائفي المتأجج، والذي يزداد تفاقماً بمعدل متسارع بين مختلف أطياف الشعب العراقي, خصوصاً مع الإنذارات المتكررة من اندلاع حرب داخلية نتيجة الممارسات الدموية للحكومة الشيعية وميليشياتها المدعومة بتخطيط وتوجيه إيراني مسبق، وبحسب الفكر الغربي فإن القادة العرب اليوم مطالبون بالتعامل مع عراق مختلف عما اعتادوه من قبل سواء أمنياً أو دستورياً.

وتضغط الإدارة الأمريكية على قمة الخرطوم في وضع الترتيبات الضرورية, لإرسال قوات عربية وإسلامية إلى العراق لتحل محل القوات الأمريكية, وخصوصاً في المدن والمناطق السكانية, لتتحمل هي عبء المواجهة الدموية مع العراقيين, وتتحصّن القوات الأمريكية, في قواعدها الرئيسة في مناطق محددة, بعدما انتهت من تجهيز أكثر من عشر قواعد منها حتى الآن.

ويأتي الملف السوداني متقدماً هو الآخر عن غيره من الملفات الأخرى التي يتضمنها جدول أعمال القمة، بعدما اتخذت قضية دارفور بعداً جديداً لتصبح قضية عالمية تنشغل بها أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، كما تنبع أهمية هذا الملف من تزايد المخاوف لدى الكثير من الدول العربية من أن يفتح تدويل القضية السودانية الباب أمام مزيد من التدخلات الخارجية في المنطقة، حسبما أكدت الكثير من الدوائر والأوساط الإعلامية العربية.

بل إن بعض المسؤولين بجامعة الدول العربية يصف الأزمة في دارفور بأنها تحولت إلى ما يشبه حائط مبكى للغرب على حقوق الإنسان، وحرية العقيدة، ومختلف القيم الإنسانية النبيلة، ويرى دبلوماسيون بالجامعة أن الغرب يستند في تقييمه لما يجري في دارفور إلى ما يعتبره تطهيراً عرقياً يتعرض له أهالي دارفور بحكم أصولهم غير العربية، وهو الأمر الذي يتأكد خطؤه بالكلية، وترى الحكومة السودانية أن تلك القضية إنما هي بمثابة وضع قدم للغرب في السودان، وبداية لمشروع احتلالي كبير.

والمهم في القضية السودانية أن الطرف الخارجي متمثلاً في حلف شمال الأطلنطي 'ناتو' الذي يستعد للقيام بدور أكبر في تلك المنطقة الحساسة من العالم العربي ليس طرفاً فردياً أو دولة واحدة، وإنما منظمة 'دفاعية' تمثل الغرب بعمومه وتتحرك باسمه.

ونظراً لأن زيادة التدخل الخارجي في الشأن السوداني يستند إلى أسس عقائدية، يرى المسئولون في الجامعة العربية أن الخطر ذاته يصبح قائماً ومحتملاً في حالات أخرى داخل السودان أولاً، ثم في دول عربية أخرى في مرحلة لاحقة.

الإدارة الأمريكية عملت كل ما في وسعها من أجل عرقلة عقد القمة العربية في الخرطوم بالتحديد, ومارست مختلف الضغوط لحرمان السودان من استضافة هذه القمة ومن رئاستها لمدة عام كامل من مارس2006 إلى مارس2007, مما يعطي الحكومة السودانية وضعاً مميزاً في الإطارين الإقليمي والدولي بعد أن سبق لها حرمان السودان من رئاسة قمة الاتحاد الإفريقي قبل أسابيع.

واشنطن تضغط أيضاًً لإرسال قوات دولية تحت قيادة الأمم المتحدة, إلى إقليم دارفور السوداني بديلاً للقوات الإفريقية, كمرحلة متقدمة من مراحل تدويل أزمة هذا الإقليم الغني بثرواته الكثيرة والمتنوعة, والمطلب الأمريكي المحدد هو: أن تتحمل الدول العربية العبء الأكبر من تجهيز هذه القوة الدولية بالرجال والأموال تحت القيادة الدولية الأمريكية.

أمريكا تريد غطاء عربياً واضحاً في هذا الموضوع, على عكس إرادة السودان, وهي تضغط من أجل توفيره من خلال موافقة القمة العربية.

فهل ستخضع القمة للضغط الأمريكي؟ أم تتخلص منه؟ أم ستكون متوازنة بين المطالب الأمريكية والمطالب السودانية، خاصة بعد الموقف السوداني الرافض لإحلال قوات دولية مكان قوات الاتحاد الإفريقي، وقول الرئيس البشير: إن السودان سيعلن الجهاد على هذه القوات.

ويأتي الملف الفلسطيني هو الآخر على جدول أعمال قمة الخرطوم محملاً بكثير من الأعباء التي تفرض تحديات كبيرة على القادة العرب، تختلف كثيراً عن التحديات التي واجهت اجتماعاتهم السابقة، لعل أهمها الجمود الذي أصاب الوضع في المناطق الفلسطينية بعد فوز حركة المقاومة الإسلامية 'حماس' بالانتخابات التشريعية.

ورغم أن فوز حماس في الانتخابات لم يكن مفاجأة للكثير من الحكومات والدوائر السياسية العربية، إلا أن العديد من تلك الدوائر والمسئولين العرب لم يبدأوا في التعامل مع هذا التطور إلا بعد حدوثه وبشكل اضطراري أقرب إلى التعامل مع واقع مرفوض، وليس كنتاج طبيعي لتطورات سابقة.

وجاء في تصريحات لمسؤولين فلسطينيين بجامعة الدول العربية نقلتها وكالة أنباء الشرق الأوسط: أن كثيراً من الأطراف العربية المعنية بالقضية الفلسطينية تتعامل مع حماس وكأنها كيان دخيل على الساحتين الفلسطينية والعربية، وأن عليها أن تقدم ما يثبت حسن نواياها أولاً قبل أن يتم منحها مشروعية عربية، أو الوقوف بجوارها في مسيرتها السياسية للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني.

ولعل هذا هو أهم ما في الأعباء الجديدة التي يحملها الملف الفلسطيني إلى قمة الخرطوم، حيث سيكون على القادة والزعماء العرب التعامل مع حكومة جديدة اختارها الشعب الفلسطيني بإرادة حرة يحسدهم عليها كثير من الشعوب العربية، بينما تلك الحكومة غير مقبولة إسرائيلياً وأمريكياً وإلى حد ما عربياً، حسبما أكد المتحدث الرسمي باسم الأمين العام لجامعة الدول العربية في تصريحاته لـ CNN.

ولعل المشكلة الأبرز في التعامل مع الملف الفلسطيني من خلال رئاسة أبو مازن تتمثل في أن القادة العرب مطالبون بتأكيد دعمهم للشعب الفلسطيني، وهو ما يعني بالضرورة تقديم دعم لحكومة حماسº ليس من أجل إنجاحها أو توفير مناخ ملائم لعملها، وإنما للحفاظ على الحد الأدنى اللازم لحياة الشعب الفلسطيني.

 

لماذا منع حماس؟

وحول عدم مشاركة حماس كانت تصريحات عمرو موسى إن حماس لم تشكل حكومتها حتى الآن، ومشاركة رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن ترسم مع أفق الاتفاق علي إعادة النظر في مبادرة السلام العربية مسار القضية الفلسطينية بين أروقة القمة، مع مطالبة خالد مشعل الذي زار الخرطوم قبل عدة أسابيع أن تخرج القمة العربية بقرارات واضحة فيما يتعلق بمواصلة الدعم العربي للحكومة الفلسطينية، لكن ربما تؤثر الأزمة القائمة بين حماس وحركة فتح حول الاعتراف بمنظمة التحرير كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، وضغوطات غربية وأمريكية يشاع أنها تمارس علي القادة العرب بالإمساك عن دعم حماس التي لم تعترف بدولة إسرائيل، ووضعت شروطاً صعبة للإسرائيليين حتى تقوم بالاعتراف بها، وبدا أن أبو مازن سيكون مؤيداً لاستمرار الدعم العربي للحكومة الفلسطينية فهو لا يستطيع أن يمنع شعبه من الدعم المقدم، وإن كانت حماس قد حرمت من فرصة التواصل مع القادة العرب الذين تجمعهم قمة الخرطوم.

والجدير بالذكر أن وزيرة خارجية الكيان الصهيوني قبل أيام أدلت بتهديدات للقادة العرب محذرة إياهم من الإقرار والاعتراف بحكومة حماس، قائلة: إن لدى حكومتها ما يمكن الرد به على أي قرار عربي يصدره القمة يتضمن اعترافاً بحكومة حماس.

ولا تألو أمريكا وإسرائيل جهداً في الضغط على القمة لرفع الغطاء العربي عن دعم حركة حماس, ووقف الدعم السياسي والمالي عنها, بالموازاة مع وقف المساعدات الأمريكية والأوروبية, حتى تسقط حكومة حماس خلال شهور على الأكثر كما يتصورون.

ولا يزال الملف السوري - اللبناني من الملفات الساخنة التي ستتعامل معها قمة الخرطوم رغم أنه شهد مؤخراً بعض الإشارات الإيجابية من جانب لبنان تتمثل في الحوار الوطني الذي بدأ في الثاني من مارس/ آذار الجاري، ولعل هذه الإشارات قد تمثل مفتاح الحل الذي يمكن من خلاله أن تتعامل القمة العربية مع هذا الملف، فهناك مرحلة معينة كان الهدف منها تحجيم أو إنهاء الدور السوري في لبنان، ولكن هذه المرحلة في سبيلها إلى الانتهاء، والاعتبارات التاريخية والجغرافية، والأوضاع الحالية والمستقبلية تفرض على كلا الدولتين الحاجة إلى الآخر، وهذا لا يعني العودة إلى الأوضاع التي كانت قائمة في السابق, وقد سادت الأوساط السياسية أنباء بضغوطات أمريكية على الخرطوم بمنع أي وساطات لبنانية سورية عبر القمة العربية خصوصاً بين السنيورة رئيس الحكومة اللبنانية وبين الرئيس الأسد.

 

غياب القادة ما هي الأسباب؟

من اللافت للنظر غياب عدد كبير من القادة، حيث تأكد غياب الرئيس المصري حسني مبارك، والعاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز، والمغربي محمد السادس، والبحريني الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة عن هذه القمة، كما يتغيب أيضاً كل من الرئيس العراقي جلال الطالباني، والتونسي زين العابدين بن علي، والإماراتي الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وسلطان عمان قابوس بن سعيد، بينما سيمثل لبنان بوفدين في القمة إذ يحضر بالإضافة إلى لحود رئيس الحكومة فؤاد السنيورة.

هناك تأويلات كثيرة لمسألة الغياب هذه منها البعد الأمني، فقد لعبت الترتيبات الأمنية دورها أيضاً، وكشفت مصادر مطلعة أن فريقاً أمنياً مصرياً اعترض على الإجراءات التي اتبعت لتوفير الأمن للقادة العرب في الخرطوم، واعتبرها غير كافية، وأشار المصدر إلى أن فيلا كانت خصصت لإقامة الرئيس المصري تبين أنها تقع على النيل في مواجهة جزيرة مليئة بالغابات، مما يسهل استهدافه، واستناداً إلى مسؤول عراقي فإن الرئيس العراقي جلال طالباني فضل التعاطي مع الشأن الداخلي بعد وصول المفاوضات حول تشكيل الحكومة إلى مرحلة حاسمة، على رغم أن الملف العراقي مطروح بقوة على القمة، كما أثار غياب رئيسي الصومال وجزر القمر رغم حضورهما الدائم القمم السابقة الأسى لكون غيابهما جاء لأسباب تتعلق بصعوبة تدبير نفقات رحلتهما.

وهناك من يفسر ظاهرة الغياب بإحراج الرئيس البشير، وإظهاره على أنه مهمش، وأنهم لا يأبهون له ولا لرئاسته.

هناك رأي آخر يرى أن الأزمات العربية أصبحت أكبر من أن تحلها قمة عربية، واعتبر مسؤول عربي أن تأثير غياب عدد من القادة عن قمة الخرطوم يعود إلى أنها تبحث في قضايا تتعلق بالأمن القومي العربي، فغياب الرئيس المصري مثلاً عن قمة يمثل فيها ملف السودان قضية مهمة وسط تداعيات أزمة دارفور التي تهم المصريين يعطي انطباعاً بأن الأزمة أكبر من أن تحلها قمة عربية، وأن تحدي الإرادة الدولية في هذه القضية قد يفرز بنتائج سلبية.

كما أشار مصدر دبلوماسي إلى أن من بين الأسباب الأخرى طلب الولايات المتحدة من بعض القادة العرب عدم حضور القمة لتجنب استغلال الخرطوم لحضورهم كمظهر من مظاهر الدعم لها في مواجهة الضغوط الدولية عليها للقبول بتدويل ملف دارفور.

أياً كانت المبررات والأسباب فليس ثمة شك أن ذلك سيكون له أثر سلبي على قمة الخرطوم.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply