أوروبا تستأنف الحرب وقدوم الحملة الصليبية الخامسة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أوروبا تستأنف الحرب وقدوم الحملة الصليبية الخامسة أيمن خالد تستمر أوروبا في مراقبة العالم الإسلامي طوال الوقت، وعندما تكون الفرصة مواتية للانقضاض عليه مجدداً، لن تتوانى عن ذلك، فالانتصار على الغرب في معركة كبرى مثل حطين، وفتح بيت المقدس، ثم إنهاك الصليبيين وشرذمتهم أثناء الحملة الصليبية الثالثة التي قادها ملوك أوربا، كل ذلك لا يبدو مقنعا للبابوات، للكف عن مهاجمة العالم الإسلامي، فتستمر أعينهم بمراقبته، حتى إذا وجدوا الفرصة قد حانت، انقضوا عليه مجدداً. بالتالي تبقى المعادلة الأولى هي مدى قوة المسلمين وتماسكهم، فعندما تتوحد إرادة المسلمين، فان العدو ينكفئ وعندما تتمزق إرادتهم فسيكون ذلك مدعاة لاستثارة أطماع الغزاة من جديد، في تكرار لتجربة ظلت تعيشها الأمة طوال مئتي عام من عمر الحروب الصليبية. فعندما نتحدث عن أي من الحملات الصليبية، فإننا سنتوقف بالضرورة عند الحالة السياسية العربية، والتي بدورها، تعكس سلباً أو إيجاباً طبيعة النتائج العسكرية على الأرض، فالوحدة السياسية التي تحققت في زمن صلاح الدين الأيوبي، وفعل لأجلها الكثير، سرعان ما ستتمزق بعد موته، ويختلف الأبناء على وراثة الحكم، من بعده، وسيساوم سلطان مصر آنذاك المعروف بالكامل الصليبيين ويمنحهم بيت المقدس سلماً لكي يكونوا حاجزا بينه وبين أبناء أخيه في دمشق، وذلك في أثناء الحملة الصليبية الخامسة والتي كان خط سيرها دمياط. أوروبا والحرب الكنيسة بدورها تحتاج إلى الحرب بين الفينة والأخرى مع العالم الإسلامي، فأوروبا كانت - ولا تزال - تخشى مجاورة العالم الإسلامي مجاورة طبيعية، نظراً لارتهانها إلى زمرة من البابوات كانوا يجدون أن الدين الإسلامي يشكل خطراً عليهم وتهديداً لمصالحهم، نظراً لقدرة الإسلام الذاتية على التمدد السريع ولقابليته للانتشار من خلال رغبة الناس فيه عند الإطلاع عليه، فانتشار الإسلام شرقاً وشمالاً وغرباً في إفريقيا، ظل يقلق الرهبان، فكان لا بد من الاستمرار في رفع الأسوار بين العالم الإسلامي وبين الغرب، بغية بقاء الإسلام بعيداً عن القارة الأوروبية. لا نستطيع أبداً أن نتصور أوروبا في تلك المرحلة بذلك المكر الكبير بحيث أنها ضربت مصر بغاية الضغط عليها وإخراجها من دائرة المواجهة لانتزاع بيت المقدس، وان كانت الأمور جاءت كذلك فيما بعد. فالأوروبيون أدركوا بعد الحملة الثالثة أن التوجه نحو القدس مباشرة هو مكلف للغاية، وذلك بعد أن توحدت إرادة المسلمين في دولة قوية، وبالتالي إن استثارة مشاعر المسلمين ستجعلهم يلتفون حول مشروع جهاد جديد، هو مكلف بكل أبعاده على الغرب. ثم هناك مسألة غاية في الأهمية، فالرهبان في أوروبا لا يستطيعون صناعة جيش جديد وتوجيهه نحو القدس، بحيث يكون قوياً ويحمل أعباء معارك كبيرة طاحنة، ومصيرية في آن، فالقدس هي معركة المسلمين المصيرية، ومسألة الاقتراب منها ليست بالأمر الهين. فهناك حالة من اليأس في الغرب بشأن القدس، حصلت حينما فتح صلاح الدين الأيوبي القدس بعد حصارها الشهير، حينما أخذها سلماً باتفاق وقعه مع الرهبان فيها، وهو ما أدى إلى موت البابا لدى سماعه الخبر، ونص الاتفاق على أن يأخذ الرهبان أموالهم - وهي كثيرة - مقابل تنازلهم عن القدس وللأبد، وهو ما أفقدهم دلالة القدس الدينية في أعين مواطنيهم في القارة الأوروبية، هذه القارة التي دفعت بمئات الألوف إلى الموت بحجة استرداد القبر المقدس المزعوم، لينتهي الأمر في النهاية، بإقرار الصليبيين أن لا حق لهم في القدس، وأنها منذ الآن بيد المسلمين، وأن الكنائس التي فيها هي للمسيحيين الشرقيين، وهو ما جعل عودتهم مجدداً على حمل لواء الدين للمقاتلة من أجل القدس غير ممكن. صحيح أن القدس كانت حاضرة في أذهان الأوروبيين في تلك الحقبة، كما كانت حاضرة في أذهان جميع الإمبراطوريات البائدة، لكنها في تلك الفترة هي مسألة طلب المستحيل وغير الممكن الحصول عليه أبداً. فالحملة الثالثة فشلت فشلاً ذريعاً في احتلالها، وكانت تضم آنذاك ملوك فرنسا وألمانيا وإنجلترا، ثم جاءت الحملة الرابعة لتنهي الإمبراطورية الرومانية وتنصب جسراً برياً مع الشرق الإسلامي، تستطيع دفع جيوشها نحوه، ثم تأتي الحملة الخامسة، وفي برنامجها نقرأ مسألة واحدة، هي الحرب على المسلمين، والاستمرار في رفع الأسوار بين العالمين الإسلامي والأوروبي. أهمية فلسطين السياسية الوعي السياسي في الغرب في تلك الفترة لم يكن ناضجاً بما فيه الكفاية لنقول إن الرهبان اكتشفوا أهمية فلسطين السياسية في المنطقة، فقد برزت أهمية فلسطين من قبل داخل الغرب لأسباب هي خاصة بالغرب ذاته، من الرغبة في دفع الأمراء الجشعين للاقتتال خارج القارة الأوروبية بغية تخفيف أعباء الكوارث التي جلبوها على القارة، ناهيك عن رغبة الرهبان في الهيمنة السياسية على مجريات الأمور داخل القارة، فاخترعوا قصة القبر المقدس وغير ذلك، وأما أن تكون القدس قد برزت لقيمتها الحقيقية في أعين الغرب آنذاك، فهذا أمر غير ممكن، لأن ذلك يتطلب استقراراً سياسياً داخل أوروبا بالأصل، ومن ثم نوعاً من الوحدة الأوروبية، ومن ثم البحث عن دور سياسي خارجي، وهذه أشياء لم تكن متاحة في أوروبا، المحكومة بعقول الرهبان والأمراء الجشعين، ما يجعلنا نصنف الحملات الصليبية على اختلافها، أن أوروبا لم تكن تبحث من خلالها عن دور سياسي خارجي، بمقدار ما كان يبحث الرهبان عن أسباب تدفعهم لشن الحروب على الإسلام لذاته، خوفا من الإسلام (ذاته) أن يطرق العتبات الأوروبية. إن منظر الرهبان الذين التفوا ذات يوم حول إمبراطور الرومان هرقل، وزمجروا بأصواتهم معترضين عليه، حينما أراد أن ينصف الرسالة الإسلامية بقولة حق، إن هذا المنظر هو الحاضر الدائم في عقول الرهبان، فهم لا يريدون الإسلام فحسب، ولا يفكرون إلاّ من خلال هذه المعادلة. المسألة الثانية أن سكان القارة الأوروبية في تلك الفترة، كانوا يعدون أضعاف سكان المنطقة العربية، فلم تكن الحروب متكافئة من حيث التعداد البشري، فهي قارة تعج بملايين البشر الذين تبحث أوروبا عن وسيلة تلفظهم بها إلى عالم جديد، فالحرب كانت هي صورة الحياة، والمحارب هو الذي يستطيع أن ينتزع أموال الآخرين ويستأثر بها لنفسه، وإذا كانت أوروبا قد أوجدت صيغة للتفاهم بين أمرائها الجشعين، فإن هذه الصيغة تعني في أهم دلالاتها، استهداف الأضعف نسبياً وهم المسلمون، فالحرب على الشرق، فيها دلالات كثيرة، وفيها مغانم حينما يكون المسلمون ضعفاء، وفوق هذا وذاك، ثمة ما يغري المقاتل إذا ذهب إلى الشرق، فالمسلمون لا يقطعونه إرباً ولا يشوونه حياً إذا وقع في الأسر. الشرق الساحر أيضاً في جغرافيته، والساحر بموارده وبالطعام والغنى المتوفر فيه، يجعله فرصة مهمة للأمراء، فقد كانت أوروبا آنذاك تعج بحار المتوسط بسفنها، وكانت هذه السفن ليست لها إلا لغة القراصنة، فكلما وجدوا الفرصة سانحة لهم للانقضاض على أي هدف إسلامي، فلم يكونوا يتأخرون. الصهيونية الدور المختلف بالنسبة للصهيونية كان دور فلسطين واضحاً للعيان لها وللغرب، وذلك بعد أن تغيرت خريطة الكون السياسية مرات عديدة خلال القرون الماضية، وظهرت أهمية فلسطين وتزايدت بعد الاكتشافات الجغرافية الحديثة، لما تمثله من حلقة وصل بين الشرق والغرب، وبين الشمال والجنوب، والأهم من ذلك كله، موقعها بالنسبة للعالم العربي والإسلامي، حيث تتوسط درع القوة فيه، وانتزاعها يعني إعادة تشكيل المنطقة على قاعدة التقسيم التي ستحول دون أن تقوم للأمة قائمة. لذلك، عندما باتت أهمية فلسطين واضحة بهذا الشكل، بات الغرب يريدها لذاتها، ولا مانع لديه من أن يساهم في خلق الأساطير والمزاعم الدينية بغية إبراز قيمتها وأهميتها لليهود لجلبهم إلى فلسطين، ومن هنا فالغرب، كان يدرك طبيعة اللعبة السياسية، وأراد أن ينتزع فلسطين، لمنع قيام وحدة إسلامية، ولمنع قيام خلافة إسلامية مجددا يكون محورها العرب، وهو أمر صريح جاء على لسان الجنرال النبي حينما قال لحظة دخول القدس بعد انكفاء الخلافة العثمانية«الآن انتهت الحروب الصليبية» فالحروب الصليبية بدأت بغاية إزاحة المسلمين عن هذه البقعة بالذات، فحينما تعود أوربا من جديد، لتزيح المسلمين عنها، فهي تعنها حرباً صليبية جديدة على الإسلام والمسلمين، لكن مشكلتنا تمثلت في أبرز جوانبها، في النخب الثقافية التي كانت سائدة تلك المرحلة، والتي انبهرت بالثقافة الغربية، ولم تستطع أن تدرك أن الغرب الجديد، هو استعماري بكل ما فيه، وأن الثقافة الغربية هي أمر يخص الغرب، وأما نحن، فهي المادة التي يرغب بتشكيلها كيف يشاء ولسنا في نظره أكثر من ذلك. لقد وجد الصليبيون أنفسهم أثناء الحملة الخامسة، في مواجهة سياسية جديدة، لم يحسبوا لها حساباً، فقد عرض عليهم سلطان مصر أن يعطيهم فلسطين إن هم ذهبوا عن مصر وتركوه، في تلك اللحظة بالذات، كان الغرب يدرك أن فلسطين، لا يمكن انتزاعها إلا بموافقة طرف عربي على ذلك، وهو ما يعاد اليوم صناعته من جديد، ويبقى في مواجهة ذلك كله، أحفاد خالد بن الوليد، وصلاح الدين الأيوبي وغيرهم.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply