التبشير في بلاد المسلمين


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

التبشير يجاور الاستعمار:

الحمد لله نستهديه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله، خصنا بخير كتاب أنزل، ونبي أرسل، وأشهد أن سيدنا وإمامنا عبد الله ورسوله، أما بعد:

فيا أيها الأخوة المسلمون قد شكا إلي كثير من الأخوة والأخوات النشاط التبشيري الملحوظ في الآونة الأخيرة في منطقة الخليج، وأرسلوا إلي صوراً من الرسائل التي تأتيهم عبر البريد تطلب إليهم أن يبحثوا عن خلاصهم ونجاتهم في الإيمان بالرب يسوع، الذي يغفر لهم كل خطاياهم بمجرد أن يؤمنوا به، وأن في الكتاب المقدس شفاء لكل داءً، وحلاً لكل مشكلة، وهذا عجيب حقاً أن يمارس هؤلاء نشاطهم علانية وجهرة في بلاد إسلامية عريقة، هي مهد الإسلام، وهي دار الإسلام.

كنا نود من هؤلاء أن يذهبوا بنشاطهم إلى بلاد الوثنية في آسيا وإفريقيا فهناك وثنيات كبرى، فيها آلاف الملايين من الناس، وهناك بلاد عاشت في إطار الإلحاد سنيناً عدداً، عقوداً من السنين، كنا نريد من هؤلاء المبشرين والمنصّرين أن يذهبوا إلى تلك الديار ليهدوهم إلى نصرانيتهم، أما أن يذهبوا إلى بلاد المسلمين فهذا هو العجب حقاً، وهذا ليس بجديد، الحملة التبشيرية بدأت مع الاستعمار، منذ دخل الاستعمار بلاد المسلمين وبلاد غيرهم في آسيا وأفريقيا، كان يجاور الاستعمار جنباً إلى جنب التبشير، أوروبا تخلصت من الدين في ديارها، كان الدين - دينها دين الكنيسة، ورجال الكنيسة - كان عقبة في سبيل النهوض، كان الدين ضد الفكر، وضد العلم، وضد الاختراع، وضد التحرر، كان مع الملوك ضد الشعوب، وكان مع الإقطاعيين ضد الفلاحين، وكان مع الظلم ضد العدل، وكان مع الظلام ضد النور، وكان مع الجمود ضد التحرر، ولذلك ثار الناس على الدين هناك، وقالوا كلمتهم الشهيرة: اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس، تحرروا من دينهم دين الكنيسة، الدين الذي وقف ضد هذه المعاني الهادية، والمعاني الطيبة، وقفوا ضد هذا الدين وثاروا عليه، ومع هذا صحبوا الدين في رحلاتهم الاستعمارية، الدين الذي حاربوه في الداخل اصطحبوه معهم للخارج، اصطحبوا معهم المبشرين والأناجيل - كما قال أحد الأفارقة -: "جاء الأوروبيون فأخذوا أرضنا وثروتنا، وأعطونا بدلها الإنجيل".

كان التبشير في خدمة الاستعمار، منذ بدأ الاستعمار والتبشير يسير في ركابه، ويقدم له الخدمات، وهذا ما لاحظناه من قديم، ومنذ بداية هذا القرن ذهب إلى مصر حملات هائلة للتبشير، حاولوا أن يغروا مصر بلد الأزهر والعلماء، ولكنهم لم يجدوا أذناً صاغية، ولم يجدوا من يستجيب لهم، حتى القرى التي تشكوا من سوء الحال، ومن ضيق العيش كان الرجل يذهب إليهم فيحكي عن عجائب المسيح ومعجزات المسيح والعذراء، والناس يسمعون وفي النهاية يقول أحد الحاضرين: وحدوه!! فيقول الناس: لا إله إلا الله، صلوا على النبي، اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، فيقولون: لم نستفد شيئاً.

 

سيظل الإسلام صخرة عاتية:

لم يجدوا من يستجيب لهم، وكتب كبيرهم في ذلك تقريراً مطولاً قال: في نهايته سيظل الإسلام صخرة عاتية في مصر تتحطم عليها محاولات التبشير المسيحي مادام للإسلام هذه الدعائم الأربع: القرآن الكريم، والأزهر، واجتماع الجمعة الأسبوعي، والحج السنوي.

مادام القرآن يُقرأ ويتلى ويحفظ ويسمع فهو يوقظ ويحرك، ومادام الأزهر يخرّج علماء يعلّمون ويعظون ويذكّرون الناس فسيظل الناس مشدودين إلى الدين، ومادام اجتماع الجمعة الأسبوعي يربط الناس بالمسجد، ويربط الناس بالدين، وبالعلم وبالموعظة، وبذكر الله فأيضاً سيظل الناس على صله بالدين، وهذا المؤتمر في الحج السنوي، يذهب الإنسان عاصياً ويعود تائباً، يذهب بعيداً عن الله ويعود قريباً من الله، هذه الدعائم الأربع، وهذه الدعائم موجودة في كل بلد، فليس المقصود بالأزهر هو البناء، المقصود العلماء، المؤسسة التي تخرج علماء الدين ودعاته، في كل بلد فيها القرآن والعلماء واجتماع الجمعة وفيها الحج، فلذلك لم يستطع التبشير أن ينجح، وصدر في ذلك كتاب مشهور اسمه الغارة على العالم الإسلامي، وقال القائل في ذلك الكتاب: أنه مادام هناك القرآن، ومادامت هناك الكعبةº فلن نستطيع أن نغزو المسلمين".

وستظل الكعبة، ويظل المصحف - إن شاء الله -، ولكنهم غيّروا طريقتهم استطاعوا أن يطّوروا أنفسهم، وكتب منهم من كتب إنه ليس من الضروري أن نحول المسلم إلى نصراني، ليس من الضروري أن يتحول محمد وأحمد وعبد الرحمن وعلي إلى جورج ومتىّ وبولص، إنما المهم أن نزعزع ثقة المسلم بإسلامه، أن نشككه بالإسلام، أن ندخل عليه مفاهيم جديدة تخالف مفاهيم الإسلام، وقيماً جديدة تخالف مفاهيم الإسلام، وهكذا صنعوا، وخصوصاً في المنطقة العربية، فالمنطقة العربية يصعب فيها أن ينتقل إنسان من مسلم إلى مسيحي، ولكن هذا حدث في غير المنطقة العربية خارج العالم العربي، وجدنا أناساً ينتقلون من الإسلام إلى النصرانية، خصوصاً الأطفال الذين يأخذونهم منذ نعومة أظفارهم ليعلموهم في مدارسهم، ويلقنون عقائدهم ومبادئهم، فينشأوا على ما علمهم معلموهم، هذا وجدناه في آسيا وأفريقيا.

منذ عقود من السنين حكم نيجيريا حاكم مسيحي، هذا الحاكم المسيحي من قبيلة مسلمة، كيف صار هذا؟؟ إنه ارتد بواسطة التعليم في المدارس، حدث هذا في نيجيريا، وكثيراً ما تذهب تجد على لافتات المحلات اسماً مسيحياً وجده اسماً مسلماً، أو قبيلته إسلامية، وهكذا كان في إندونيسيا، أذكر من حوالي ربع قرن حينما ذهبت إلى إندونيسيا وفي الطائرة سألت المضيّفة: سألتها هل أنت مسلمة؟ فقالت: لا لست مسلمة أنا مسيحية، ولكن أسرتي مسلمة، معناها أنها ارتدت والعياذ بالله، وسألت المضيف: هل أنت مسلم! فقال: لا ولكن زوجتي مسلمة، وهذه مصيبة أخرى، كيف تتزوج المسلمة غير مسلم؟؟ حدث خلل في المجتمع استطاع هؤلاء المنصّرون أن يكسبوا بعض المسلمين بوسائل شتى، إغراءات مختلفة، إغراءات للبلاد الفقيرة، والقرى النائية، والناس الأميين الذين لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه، وبواسطة التعليم هذا ما فعلوه، ومع هذا - مع أنهم كسبوا ما كسبوا - ترى المبشرين ينشرون أنهم لم يستطيعوا أن يؤثروا في المسلمين، ولم يستطيعوا أن يكسبوا المسلمين، وهذا لعله مقصود منهم، مقصود أن ينشروا ذلك ليشعروا المسيحيين الأغنياء أنهم في حاجة إلى مزيد من الأموال لتتدفق عليهم المليارات، فكلما شعروا أن الأمر فيه عقبات ومعوقات، ويحتاج إلى جهود أكبر، وإلى أموال أكثرº جاءت لهم هذه المعونات بالمليارات، ومن ناحية أخرى لعلهم يريدون أن ينومونا ويخدرونا، أن يخدروا الفريسة حتى نقول: الإسلام بخير، ونسكت على ما يجري من حولنا ولا نقاوم، هذا هدف أيضاً.

 

أمنيتهم منذ 30 عاماً تحويل العالم الإسلامي لنصراني:

ومن ناحية ثالثة فهذا أيضاً لعله دون ما كانوا يتمنون، إنهم كانوا يتمنون أن يغزو العالم الإسلامي، ويحولوه إلى النصرانية، هذه كانت أمانيهم منذ نحو 30 سنة، وضعوا خطة لتنصير إندونيسيا أكبر بلد إسلامي في العالم أن ينصروها في 50 عاماً، وذهب بعض الأخوة إلى إندونيسيا، وعرض عليهم الأخوة هناك الخطط التي وضعها المنصّرون، وهي خطط جهنمية ورائها إمكانات هائلة، المسلمون في إندونيسيا - في إندونيسيا آلاف الجزر - يتنقلون بالقوارب، وهؤلاء يتنقلون بالطائرات، طائرات الهليوكوبتر، هناك حوالي ستين مطاراً تملكها الإرساليات التنصيرية في إندونيسيا، لهم مدارس ومستشفيات، ولهم أندية، ولهم ولهم، جاء هؤلاء الأخوة يقولون: يا مسلمون أنقذوا إندونيسيا، وحينما زرت إندونيسيا منذ ربع قرن رأيت ذلك، عرض علي بعض الأخوة هذا الأمر، وقال: ادعوا المسلمين في أنحاء العالم أن يقفوا معنا، ووقف الدكتور محمد ناصر وإخوانه هناك في المجلس الأعلى للدعوة الإسلامية يقاومون بإمكاناتهم القليلة، ولم يستطع التنصير أن يحقق أمنيته، بالعكس جاءت صحوة إسلامية جديدة في إندونيسيا لم تخطر لهم على بال، وإذا بالشباب الإندونيسي يتحول منه إلى الإسلام، ويقف مع الإسلام، ويدعو إلى الإسلام، لذلك حينما يقول المنصّرون نحن قد أخفقنا وفشلنا مع المسلمين لأنهم لم يحققوا كل أمانيهم.

في سنة 1978م انعقد مؤتمر للمنصرين البروتستانت في ولاية كلورادو في أمريكا، 150 من عتاة المبشرين قدموا أربعين دراسة عن علاقة الإسلام بالمسيحية، وكان الهدف المعلن لهذا المؤتمر هو تنصير المسلمين في العالم.

سنة 1986م انعقد مؤتمر في بازل في سويسرا بتنصير العالم، وفي سنة 87 بعدها بسنة بتنصير المسلمين في العالم، يعني أول ما يجب أن يبدؤوا به هم المسلمون ليسوا الوثنيين أو الملاحدة؟؟!!! هذا هو العجب، المسلمون يجب أن ينصَّروا، ورصدوا لذلك ألف مليون دولار، جمعوها من المليارديرات الكبار في الحال، ألف مليون دولار، وأنشأوا لهذا معهداً أسموه معهد زويمر، وزويمر هذا أحد المنصرين العتاولة، كان مقره في البحرين في أوائل هذا القرن، ورأس مؤتمر المبشرين الذي عقد في القاهرة سنة 1906م في أوائل هذا القرن، أرادوا أن يحيوا ذكراه، وأن ينشؤوا معهداً متخصصاً في تنصير المسلمين، معهد يدرس فقط كيف تنصر المسلمين؟، هؤلاء متخصصون في جنوب إفريقيا، وهؤلاء في شرق إفريقيا، في غرب إفريقيا، في وسط إفريقيا ، في شمال إفريقيا في كذا ، وكل جماعة يعرفون المنطقة التي يبشرون فيها، يعرفون لغتها، يعرفون لهجاتها وقبائلها، وشيوخ القبائل، والمذهب الفقهي السائد، الطريقة الصوفية السائدة نقشبندية أو تيجانية أو قادرية أو كذا، يعرفون المذهب العقدي هل هم أشاعرة، هل هم سلفيون أو كذا، يعرفون كل شيء عن المنطقة، ويدخلونها يحاولون أن يغزوها من الداخل، وأن يفرقوا بين أبنائها، وأن يفعلوا وأن يفعلوا، هذا هو المعهد الذي أنشأوه، وهذا الذي دفعني في تلك الأيام أن أنادي المسلمين في بلاد شتى: يا مسلمون قفوا ضد هذا الغزو الجديد.

 

ديننا دين عالمي ونحن مأمورون بتبليغه:

إذا كان هؤلاء قد رصدوا ألف مليون دولار لتنصير المسلمين في العالمº فلنرصد ألف مليون دولار لحماية الوجود الإسلامي في العالم، لا لأسلمة العالم، مع أن ديننا دين عالمي، ونحن مأمورون أن نبلغه إلى العالمين، لأنه رحمة الله للعالمين، ليكون للعالمين نذيراً ((يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً ))، إذا لم نفعل ذلك فعلى الأقل نحمي المسلمين، المسلمون الذين يستغلون فقرهم وجوعهم، ويستغلون بطالتهم وعطالتهم، ويستغلون أمراضهم وأوجاعهم، ويستغلون يتمهم وتشردهم، يستغلون تلك الأشياء لينشؤوا منشآتهم، وهذه المنشآت باسم المسيحي والمسيحية، وهكذا لم نستطع نحن المسلمين أن نجمع الألف مليون دولار، بل لم نجمع إلى الآن 40 مليون دولار، وإن كنا يعني أقمنا نشاطاً كبيراً ولكن الهدف أن نجمع ألف مليون دولار لنوظفها ونستثمرها، وننفق من عائدها هذا كان الهدف، وإذا كان هؤلاء رصدوا ألف مليون دولار فهم يجمعون سنوياً عشرات آلاف الملايين.

في حلقة من حلقات برنامج " الشريعة والحياة " كنت أتحدث عن جهود هؤلاء المنصرين، وقلت: أنا أظن أن لهم ربع مليون مبشر في أنحاء العالم، فرد علي أحد الأخوة المعنيين بهذا الأمر رئيس جمعية الإصلاح الاجتماعي في الكويت - الشيخ عبد الله المطوع حفظه الله - وبعث إلي إحصائيات منهم، هم كتبوها بأنفسهم، وقال: إن هناك 4 ملايين و 750ألف مبشر ومبشرة يتبعون الكنيسة في أنحاء العالم، ويأخذون أجورهم من الكنيسة، خمس ملايين إلا ربع يعملون للكنيسة!! أنفق عليهم سنة 1996 ، 193 مليار دولار، وفي سنة 1997م قاربوا ال200 مليار، انظروا أيها المسلمون! القوم يعملون لابد أن نعترف بهذا، هم يعملون فماذا نعمل نحن؟ إننا لا نعمل على مستوى الإسلام الذي نؤمن به ونمثله، ولا على مستوى العصر الذي نعيش فيه، ولا على مستوى ما يعمل هؤلاء لدينهم الذي نعتقده نحن ديناً باطلاً، نحن نؤمن بالمسيح - عليه السلام -، ونؤمن بموسى، ونؤمن بأصل اليهودية والنصرانية، ولكن نعتقد أن هذه الديانات حرّفت وبدّلت لأنها كانت ديانات موقوتة لزمن معين، ولذلك لم يتكفل الله بحفظ كتبها، إنما استحفظها أهلها ((بما استحفظوا من كتاب الله)) فلم يحفظوه، ونسوا حظاً ما ذكروا به، وكتبوا الكتاب بأيديهم، وقالوا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً، فويل لهم مما كسبت أيديهم أو كتبت أيديهم، وويل لهم مما يكسبون.

 

نحن مع أهل الكتاب:

القرآن جعل لأهل الكتاب منزلة خاصة، وأمرنا أن نجادلهم بالتي هي أحسن، ونقول آمنا بالذي أنزل إلينا والذي أنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون، بل أجاز لنا عند الحاجة أن نتزوج من نسائهم، وأن نأكل من ذبائحهم، ((وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب))، ولكنهم للأسف لم يعاملونا بمثل ما نعاملهم به، إنهم يضمرون الكيد لنا دائماً من قديم ومن حديث، من قديم كانت الحروب الصليبية، والصليبية ليست نزعة دينية، إنها نزعة استعمارية كلها أحقاد وكراهية وبغضاء، والبغضاء هي الحالقة لا تحلق الشعر بل تحلق الدين، إنهم يعاملوننا بهذه الروح الصليبية ولا يعاملوننا أننا أهل كتاب، فهؤلاء هم الذين يحاولون اليوم أن يغزونا في عقر دارنا، وأن ينصِّرونا وهيهات هيهات.

 

هناك من نذروا أنفسهم لنشر المسيحية، فأين نحن؟؟

صحيح أن عندهم رجالاً ونساءً نذروا أنفسهم لهذا الأمر، وهذا يجب أن نعترف به، هناك من نذروا أنفسهم لنشر الديانة المسيحية على ما بها، وقد حكى لنا في أحد مؤتمرات منظمة الدعوة الإسلامية في إفريقيا حكى لنا لواء في الجيش السوداني متقاعد، عضو مجلس أمناء المنظمة، حكى لنا قصة فيها عظة وعبرة، قال: حينما استقل السودان ذهبنا إلى قرية من قرى الجنوب، فدخلنا بسيارة جيب، حينما رأى الناس السيارة هربوا وهرولوا لبيوتهم، لم يروا سيارة في حياتهم، ما هذا الشيء الذي يتحرك ويمشي، وليس هو بقرة ولا جاموسة ولا حماراً أي شيء هذا؟، خاف منها الناس وهبوا، فقال: استعدناهم وكلمناهم، وقلنا لهم: نحن سودانيون مثلكم، وجئنا لمصلحتكم إلى آخره، قال: ونحن نكلمهم سمعنا جرساً يدق!! فقلنا لهم: ما هذا الجرس؟؟ أهنا مدرسة؟ قالوا: لنا لا، لا يوجد هنا مدرسة، ولا يوجد أحد يعرف القراءة ولا الكتابة، فقال: وما هذا الجرس؟ قالوا هذا أبونا، قال: ومن أبوكم؟ قالوا: هذا رجل يأتينا كل أسبوع مرتين!!

ذهبوا إلى هذا الرجل فوجدوه يركب دراجة، من أنت؟، قال: أنا فلان الفلاني، من أي بلد؟ قال: أنا من بروكسل من بلجيكا، ماذا تفعل؟ قال: أنا جئت هنا لأنشر هداية المسيح، كم لك هنا؟ قال: لي 30 سنة، كم مرة زرت فيها بلدك؟، قال: ولا مرة، قال: ومتى تنوي العودة إلى وطنك؟، قال وما كل هذه الأسئلة؟ أنا وطني هنا، وحياتي هنا، ورسالتي هنا، وقبري هنا، الرجل جاء متفرغاً لهذه الدعوة، ترك الأزرار الكهربائية والأوتوماتيكية، وجاء في هذه الغابات، وفي هذه القرى التي ليس فيها ماء ولا كهرباء، ولا مدرسة ولا شيء، ويذهب بدراجته إلى نحو 30 قرية يزور الواحدة مرتين كل أسبوع، ومعه حقيبتان حقيبة فيها حلوة للأطفال، وحقيبة فيها أدوية خفيفة، قطرة، مرهم، أسبرين أشياء من هذا القبيل، يوزع على الأطفال الحلوة، وعلى الناس هذه الأشياء، ويحكي لهم بعض قصص المسيح والعذراء إلى آخره، هذا ما يفعله القوم.

نحن إذن مطالبون أن نعمل لديننا، لماذا لا يجند للإسلام؟ وعندنا نحن المسلمين عشرات الآلاف ومئات الآلاف من الشباب الذين يستطيعون أن يذهبوا إلى آسيا وإفريقيا وغيرها في الإجازات الصيفية؟ وقد فعل ذلك بعض الأخوة " لجنة مسلمي إفريقيا في الكويت "، واستطاعوا أن يعيدوا الكثيرين إلى الإسلام، وأن يصححوا إسلامهم، ويدخلوا الكثيرين من الوثنيين إلى الإسلام، الإسلام دين الفطرة، وهو الدين الذي يخاطب الفطرة الإنسانية، ويخاطب العقل الإنساني، لم يأت بشيء يستحيل على العقل، ولذلك المسيحيون - لأنهم يأتون بما لا يعقل – يقولون: اعتقد وأنت أعمى، أغلق عينيك ثم اتبعني، أما نحن فلا، نحن عندنا ((قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين))، الدين عندنا غريزة فطرية، وضرورة عقلية، هذا هو الإسلام أيها الأخوة، نحن مطالبون بأن نعمل لديننا، وإذا كان الآخرون يعملون لدينهم ونحن نعتقده باطلاً - حتى قال ابن حزم: لم توجد مقولة في الدنيا أشد فساداً وبطلاناً من مقولة النصارى " الثلاثة واحد، والواحد ثلاثة، الأب والابن والروح القدس، هما ثلاثة، ولكن هي واحد، والواحد هي ثلاثة"، قال هذه مقولة لا يوجد في الدنيا أكثر بطلاناً منها -، وهكذا نرى كيف ينشرون هذه الديانة، وينفقون عليها عشرات المليارات، ويبعثون من أجلها ملايين المبشرين والمبشرات، نحن أولى بأن نعمل لديننا، وديننا هو سفينة الإنقاذ للبشرية، وهو حبل النجاة للإنسانية، إنه الدين الذي يعطي الإنسان الآخرة ولا يحرمه من الدنيا، يعطيه الإيمان ولا يسلبه العلم، يصله بالسماء ولا ينتزعه من الأرض، يعطيه الروحانية ولا يحرمه من المادية، لأنه دين التوازن، دنيا وآخرة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply