ديانتها الدماء وأجساد الأطفال وصرخات الشيوخ


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الطائرة القاذفة المقاتلة جوهر المدنية الحديثة وعلامتها الفارقة. إنها نتاج اجتماع كل العلوم سوية وتحييد كل الأخلاق والقيم. إنها اجتماع الليزر و"الميكرو أوبتكس" و"الميكرو إلكترونكس" و"الهاي تيك" و"الأيرو ديناميكس"، والدقة والضبط والتحليق والتوجيه والتصويب والتدمير.

 

الدماء ديانة الطائرات المقاتلة

وتحول الطائرة القاذفة المقاتلة الفعل غير الأخلاقي إلى فعل يحلق فيما وراء الخير والشر، فلا يرى الطيار الدم ولا يرى الرصاصة وهي تخترق جسد ضحيتها، ولا يتعفر بالتراب، ولا يتسخ بالدم، ولا يزحف، ولا يرى عيون الضحية، ولا يتجاوز وصية "لا تقتل"، فهو لا يقتل بل يضغط على زر من بعيد. يسمع الضحايا أزيزاً فقط، ولا يكاد دوي الانفجار يصل إلى مسامعهم حتى يرتجّ كل شيء ثم ينهار دفعة واحدة دون أن يترنح. كل الناس أطفال أمام الطائرة، لا يستطيع بالغ أن يحمي ابنه من قاذفة مقاتلة..يحترق الأطفال، أو يدفنون تحت الأنقاض..

أما الفاعل في طائرته فيكون في هذه الأثناء قد رأى على شاشته بؤرة يتصاعد منها الدخان وسحابة الغبار، وأبلغ قاعدته كلاماً غير مفهوم عن مهمة نفذت، نظيفاً في قمرة القيادة، يهبط، ثم ينزل من الطائرة حاملاً خوذته كأنه سائق دراجة نارية، يحتسي القهوة في القاعدة ويتبادل النكات مع الطيارين والموظفات، ومع فنيي الصيانة الذين يجهزون الطائرة لطلعة موت أخرى.

ويعود إلى بيته مسترخياً، ويستمع في الطريق إلى الموسيقى ويتمتع برفقة الأطفال.

 

المقاتلات أصنام من آخر طراز

(بوينغ 15 i-F (ثندر، راعم، رعد): وهي طائرة حربية جديدة مزدوجة الوظيفة للهجوم والاعتراض، بعيد المدى، وهي الأفضل من نوعها في ميدان الشرق الأوسط القديم، ومن أدوات تحويله إلى شرق أوسط جديد. بدأ استخدامها في يناير 1998م، وتشكل رأس الحربة لسلاح الجو "الإسرائيلي"، وهي نسخة مطورة عن صنم)15 E-F سترايك إيغل)، والتي أنتجت خصيصاً ل "إسرائيل" من قبل العناية الأمريكية في "معابد مكدونال دوغلاس" الأمريكية، المسماة اليوم "بوينغ". وبفضل قدرتها الهائلة من جهة الحمولة، إلى جانب الأنظمة المتطورة، فإن ذلك يتيح لها تنفيذ هجمات في العمق، وهي تحمل كميات كبيرة من الذخيرة لمسافات بعيدة، على عمق منخفض، طوال ساعات اليوم وفي جميع الظروف الجوية.

(16 F i ستورم عاصفة): وهي طائرة حربية متعددة المهمات، تم إنتاجها من قبل شركة "لوكهيد مارتن"، وتحمل محرك "فراط أند وايتني"، ومنظومة متطورة، تم تطويرها في "إسرائيل" بما يتلاءم مع متطلبات سلاح الجو، من قبل الصناعات الأمنية في عام 2004م.

وتقوم بالتحليق على ارتفاعات عالية جداً بسرعة 2 ماخ (سرعة الصوت)، وعلى ارتفاعات منخفضة بسرعة 1440 كيلومتراً في الساعة. وتستطيع الطائرة حمل صواريخ جو جو حرارية من إنتاج "رفائيل" "الإسرائيلية" من نوع "بيتون4" و"بيتون 5"، وصواريخ جو جو توجه بالرادار من إنتاج العناية الأمريكية من نوع "أمرام"، "فود لايتيننغ"، وقنابل من نوع "JDAM و SPICE من إنتاج "رافائيل".

ونوع " JDAM مختصر Joint Di rect Attack Munition) وهي منظومة مثبتة في ذيل الطائرة، وظيفتها تحويل القنابل التي ألقيت من الجو بشكل حر إلى دقيقة وموجهة (قنابل ذكية)، ومن الممكن إطلاق هذه القنبلة في كل الأحوال الجوية وفي كل مجالات الرؤية، ليلاً ونهاراً. في حين أن القنبلة الموجهة بالليزر بحاجة إلى ظروف بيئية وأحوال جوية مريحة نسبياً (من دون غيوم أو دخان).

مما يتيح للطائرة إطلاق عدة قنابل بسرعة خاطفة، بحيث تتجه كل قنبلة بتوجيه ذاتي إلى هدف مختلف. أما قنابل الليزر، على سبيل المثال، فتتطلب التأشير على الهدف بشكل متواصل. وهذا التأشير يتم من قبل قوات برية أو من قبل طائرة تحلق في الجو. قنابل JDAM ليست متعلقة بطائرة أو بقوة برية، لأنها موجهة عن طريق الأقمار الصناعيةGPS. ويعد سلاح الطيران "الإسرائيلي" هو الجيش الأول بعد الأمريكي الذي امتلك هذه القنبلة.

أما القنبلة الأكثر تطوراً، فهي قنبلةSpice من إنتاج شركة "رفائيل" "الإسرائيلية" وتوجه هذه القنبلة بمساعدة الأقمار الصناعية وبطريقة "إلكترو ضوئية" (أي ملاءمة صورة الهدف للهدف الذي يبدو من "عين" القنبلة).

 

متى يتحرك العرب؟!

تدمر الطائرات، ولكنها لا تحسم معركة ضد أصحاب حق. من أجل ذلك يضطر أتباعها للقتال على الأرض، وإذا قاتل سكان هذه الحضارة على الأرض، فإنهم يقتلون ويبكون. وإذا قُتل لهم جندي يصابون بصدمة، بعد أن يتلقى جنودها ضربة أو يجربون هزيمة مذلة من قبل مقاتلين مظلومين، وتنسحب "إسرائيل" بخبث، وتقوم الطائرات بتدمير الموقع بيتاً كان أم قرية على من فيه... تصرف جبان وانتقامي، ولكنه تصرف مَن يملك سلاح الجو. فالأخير يمكِّن من يملكه أن يكون ذليلاً ضعيفاً على الأرض مختالاً معربداً في السماء. إنهم على الأرض بشر كباقي البشر، أما من السماء فبحماية طائراتهم يعربدون من دون أن تراهم العين المجردة، أحياناً فقط يسمع صوت مرورهم. إنهم يستغلون هشاشة من بقي على الأرض من دون طائرات، من يختبئ في ثقوب الأرض. ينتقمون ليس فقط لمجرد أنهم يريدون، فالإرادة ليست امتيازاً لهم، بل لأن طائراتهم تمكنهم من الانتقام.

 

القوة التدميرية لطائراتهم تُشعرهم بالغرور، فيتعثرون بالحبل الذي تمده لهم. متى تنقلب الصورة وتتحول القوة العاتية ضد العُزل إلى فضيحة؟ ثلاثون طفلاً، خمسون طفلاً! ثلاثون مع كاميرا، أكثر من خمسين من دون كاميرا! ما هو بالضبط الحد الذي يطفح عنده الكيل؟ لا تنقل الكاميرات رائحة الجثث التي لم تستخرج من تحت الأنقاض.

يصعب تحديد اللحظة التي يتأثر عندها المسؤول العربي أو الغربي وهو ينظر إلى الشاشة أمام مشهد أي طفل أثر به أكثر من غيره! هل يغص بما يأكل؟ هل يتوقف عن الكلام مشدوها؟ هل يتوقف عما كان يقوم به؟ ربما يهمس في أذنه مساعدوه أن الكيل قد طفح، وأن عليه الآن أن يطالب بوقف إطلاق النار. هل يضرب كفاً بكف من هول جرائم "إسرائيل" أم من غباء "إسرائيل" التي ضيَعت فرصة؟

 

سياسة المجازر

قامت "إسرائيل" على استهداف المدنيين لتهجيرهم بعد مذابح منظمة اشتهرت منها دير ياسين، ومثلها العشرات، وتشريدهم لتحل محلهم عام 1948م، كما استهدفت قرى بكاملها بعد أن شكّت بخروج فدائيين لعمليات منها، وهذا بموجب عقيدة عسكرية تشمل عنصرين: ردع المدنيين عن دعم المقاومة، أي ردعهم عن موقف سياسي أو اجتماعي معين، والانتقام وتغذية روح الثأر لدى مواطنيها في عمليات انتقامية أسستها الوحدة (101) بقيادة شارون في بداية الخمسينيات.. كانوا يدخلون إلى البيوت، يفجرونها ويقتلون السكان، اشتهرت منها مذابح قبية ونحالين والبريج، وأخيراً، جباليا وبيت حانون والشجاعية وحي القصبة في نابلس وجنين وغيرها.. من أجل ذلك كان يلزم "سفاحون"، أو كما كانوا يسمونهم "مقاتلين أسطوريين" ينفذون بالأيدي.

 

هزيمة منكرة

وبرغم الدمار والتشريد والقتل الذي حل بالمدنيين العزل في لبنان فشلت "إسرائيل" في تحقيق أهدافها التي تمحورت حول:

أولاً: عقاب من يدعم المقاومة.

ثانياً: تشريد المدنيين الجنوبيين شمالاً من أجل توتير العلاقات الطائفية في لبنان.

ثالثاً: تغذية رغبة الانتقام البربرية. عن سبق الإصرار والترصد. انطلاقاً من كونها دولة إرهابية. وتقر منطقها الإرهابي دولة إرهابية أخرى يقودها جورج بوش، رجل خطير وسادي وعنيف المزاج، وحوله عصابة من منظري ودعاة إرهاب الدولة المكيافيليين الباردي الأعصاب، الذين يعتقدون أن المدنيين الذين لا تملك دولهم طائرات مقاتلة ولدوا غير محظوظين، وغير مهيئين لصراع البقاء للأصلح، فإما أن يسيروا في ركب من يملك الطائرات أو يموتون.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply