شهود عيان يصفون عملية حرق عراقيين أحياء


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بَدَأ الهجوم على مسجد المُصطفى السنيّ الصغير بينما كان المصلون على وشك الانتهاء من أداء صلاة الجمعة في 24 نوفمبر 2006. مشى حوالي 50 رجلاً أعزل، الكثير منهم في الزي الأسود والبعض ارتدى أقنعة، في الحيّ وهم يهتفون "نحن جيش المهدي، درع الشيعة".

بعد 15 دقيقة، اقتربت شاحنتان صغيرتان (بيك أب) بيضاوان، وسيارة طراز (بي إم دبليو) سوداء، وأوبل سوداء قريباً من المتظاهرين. تناول المتظاهرون بنادق آلية وقاذفات صواريخ (آر. بي. جي. ) من السيّارات، بعدها سدَّدوا نيران القاذفات باتجاه المسجد ليعملوا فتحة كبيرة في واجهته الخارجية القريبة من الباب، بعدها اقتحموا المسجد وجرّوا ستة من المصلين إلى الخارج، سكبوا عليهم النفط وأضرموا النار فيهم أحياءً.

برزت تفاصيل هذه العملية، التي تُعد واحدة من أبشع الهجمات في الحرب المذهبية في العراق، يوم الثلاثاء (28 نوفمبر 2006) مِن خلال مقابلات مُنفصِلة مع مواطنين في الجيب السُنيّ في حيّ الحرية الذي تسكنه غالبية شيعية في منطقة بغداد.

أوردت وكالة أنباء أسوشيتدبريس حادث يوم الجمعة في مساء اليوم نفسه مُستندةً بذلك إلى تصريح نقيب الشرطة جميل حسين، وعماد الهاشمي، والأخير رجلٌ سنيّ مُتقدِّم في العُمر يُقيم في حيّ الحرية، الذي قال لقناة تلفزيون العربية إنّه شاهدَ أشخاصاً يُسكَبَ عليهم النفط ثم تُضرَم النار بهم أمام عينيه.

التقطت شبكة تلفزيون أسوشيتدبريس الإخبارية فيلماً بالفيديو لمسجد المصطفى. ظهر في الفيلم جزءٌ كبيرٌ من سور المسجد، القريب من الباب، وقد نُسِفَ. أظهرَ الفيلم لقطات من داخل المسجد أيضاً وقد بدا واضحاً أنّ أضراراً كبيرة قد لحِقَت به بسبب النيران.

غير أن الجيش الأمريكي قال في رسالة لوكالة أسوشيتدبريس يوم الاثنين، بعد ثلاثة أيام من الحادث، إنّه بحثَ هذا الموضوع مع وزارة الداخلية العراقية التي أخبرته أنّه لا يوجد هناك أحدٌ باسم جميل حسين يعمل في الوزارة أو كضابط شرطة في بغداد. وقّعَ الرسالة المُقدَّم مايكل دين، ضابط العلاقات العامة في مركز العمليات المشتركة بين القوات الأمريكية والقوات المتعددة الجنسيات في العراق. تضمنت الرسالة أيضاً ما جاء في بيانٍ, سابق للقوات الأمريكية أنها لا تتمكّن من تأكيد الأنباء المُتعلِّقة بحرق مُصلّين أحياءً.

لم تتلق الأسوشيتدبريس أي تعليق يوم الجمعة عندما سألت القوات الأميركية أولاً عن الحرق.

بعد ذلك نقلت الوكالة أجزاء من بيان عسكري أمريكي يوم السبت يقول إن الولايات المتحدة غير قادرة على تأكيد تقارير إعلاميّة بأنَّ ستة مدنيين سُنّة قد تمَّ جرهم من صلاة الجمعة وأحرِقوا حتى الموت. وقال الجيش الأمريكي إنه لا الشرطة ولا قوات التحالف قدَّمَت معلومات عن هذا الحادث.

في وقتٍ, لاحق قالت وزارة الدفاع العراقية إنَّ عماد الهاشمي، الرجل السنيّ المُسن في حيّ الحرية، قد أنكَرَ رؤيته للهجوم بعد أن زاره ممثل عن وزير الدفاع. وهذا ليس بغريب، فعادةً ما تظهر الشكوك ويبرز التضارب في الأقاويل عندما يُدلي العسكريون بوزارتي الدفاع والداخلية العراقيتين بتصريحاتهم لوسائل الإعلام.

في سبتمبر الماضي فازت شركة أمريكية باسم (لينكولن جروب Lincoln Group)، مقرها واشنطن، بعقد لمدة عامين لمتابعة ما يُنشر من تقارير عن النزاع في العراق بوسائل الإعلام باللغتين الإنجليزية والعربية. لكن شركة أمريكية أخرى باسم (ذا ريندون جروب The Rendon Group) حلَّت محل لينكولن جروب في تنفيذ هذا العقد بعد ظهور فضيحة حول مجموعة لينكولن عام 2005 عندما اضطرَّت إلى الاعتراف بأنها كانت جزءاً من عملية عسكرية أمريكية تقضي بدفع أموال للصحف العراقية كيّ تنشر مقالات وحكايات إيجابية عن النشاطات العسكرية الأمريكية.

وفي السعي للحصول على مزيد من المعلومات عن هجوم يوم الجُمعة، اتصلت الأسوشيتدبريس بالضابط جميل حسين للمرة الثالثة حولَ هذا الحادث ليؤكد من جديد عدم وجود خطأ بما ذَكَرَه. كان هذا الضابط مصدرا منتظما للمعلومات الرسمية التي تقدمها الشرطة منذ عامين، لقد تمَّت زيارته مِن قِبَل مراسل الأسوشيتدبريس في مكتبه بمركز الشرطة في عدة مناسبات. أكّدَ النقيب، الذي أعطى اسمه الثلاثي: "جميل غليم حسين" مرّة أخرى أنّ ستة أشخاص أحرِقوا أحياءً.

في يوم الثلاثاء (28 نوفمبر) عاد صحفيان مرّة أخرى إلى حيّ الحرية، وتحديداً حول مسجد المصطفى، ووجدا ثلاثة شهود عيان قدَّمَ كل واحد مِنهم إفادة مُستقلّة عن الآخر حول هذا الهجوم. قالَ آخرون في الحي إنهم يخشون التحدث عمّا حَصَل.

قالَ أولئك الذين تكلّموا إنَّ الهجوم بدأ حوالي الساعة 2: 15 بعد الظّهر، وإنّهم على يقين أنَّ المهاجمين ينتمون إلى ميليشيا جيش المهدي الموالي لرجل الدين مقتدى الصدر.

والميليشيا الشيعية متوغلون بعمق في حيّ الحريّة، كما يُسيطرون على مدينة الصدر، وهو جيب يقع في شمال شرق بغداد.

رَفَضَ الشهود المتكلّمون ذِكر أسمائهم خشية القتل، سواء من جانب المهاجمين الأصليين للمسجد أو الشرطة المرتبطة بفرق الموت والمُختَرَقة أصلاً من قبل جيش المهدي.

قَدَّمَ شاهدان (صاحب مكتبة بعمر 45 عاماً، وصاحب بِقالة بعمر 48 عاما) شهادات مُتطابِقة تقريبا لما حدث. قال شخص ثالث، وهو طبيب، إنّه شاهد الهجوم على المسجد من منزله، ورأى المسجد يحترق، وسَمِع الناس في الشوارع يصرخون إنَّ أشخاصاً قد أحرِقوا أحياءً. الشهود الثلاثة كلَّهم مسلمون مِنَ السُنّة.

قال الشاهدان الآخران إن الهجوم على المسجد بدأ في حوالي الساعة 2: 30 بعد الظهر عقب وصول أربع سيارات مليئة بالأسلحة. قالا أيضاً إنَّ المهاجمين أطلقوا النار على المسجد، ثمَّ دخلوا إليه وأشعلوا النار فيه.

ثم قال الشهود: بعد ذلك جلبَ المهاجمون ستة رجال مِن داخل المَسجد كانوا معصوبي الأعيُن ومُقيَّدي الأيدي وضعوهم على شكل صفّ في الشارع أمام بوابة المسجد، ثمَّ تمَّ سكب النفط على الستة من صفيحة للنفط بسعة 1. 3 جالون وأضرِمت النار فيهم الواحد تلو الآخر في فترات فاصلة من الوقت بواسطة مِشعَل مصنوع من الخِرق. الرجلان الخامس والسادس في الصف أضرِمَت فيهما النار في وقتٍ, واحد.

قال الشهود أيضاً إن الضحايا المُحتَرقين أخذوا يتدحرجون على الأرض مِن شدّة العذاب حتى توقّفوا عن الحركة مما يُشير إلى وفاتِهِم، بعد ذلك أطلقَ المسلّحون رصاصة واحدة على رأس كُل واحد مِنهُم.

وقال الشهود إنّه في غضون هذا الوقت تناولَ سكان الحيّ السلاح وبدأت معركة بالأسلحة مع أفراد الميليشيا استمرَّت حتى الرابعة عصراً. وقالوا إنَّ ما بين ثمانية إلى عشرة مُسلحين قتلوا وتُرِكَت جُثثهم في الشوارع. القانون العراقي يسمح لكلِ أسرة أن تمتلك بندقيّة هجوميّة لحماية نفسها.

قال أحد الشهود إنّه وغيره من الأهالي أخذوا الضحايا المحروقين الستة إلى المقبرة السُنيّة في ضاحية أبو غريب قرب بغداد وقاموا بدفنِهم. وقال هذا الشاهد إنَّ أحد الضحايا كانَ مؤذِّن مسجد المصطفى، أحمد المشهداني. وقال إنه لا يعرف أسماء الخمسة الآخرين، لكنهم جميعاً ينتمون لعشيرة المشهداني.

* كاتب أمريكي

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply