مسلمو كمبوديا : تجربة مريرة ولكن .. !!


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ما تردّد اسم كمبوديا أمام أي محفل عام أو خاص، وإلاّ تذكر الجميع المذابح التي ارتكبها نظام حكم الخمير الحمر الذي حكم البلاد أكثر من ثلاث سنوات، لاقى خلالها ثلاثة ملايين كمبودي مصرعهم على يد قوات نظام بول بوت، الذي يُضرب به المثل في الدموية والديكتاتورية، قبل أن تتدخل قوات فيتنام لإنهاء حكم الخمير الحمر الذي كان يحظى بدعم بكين وواشنطن على حد سواء.

على الرغم من أن جميع الكمبوديين قد عانوا الآمرّين من بطش الخمير الحمر، فإن مسلمي كمبوديا قد دفعوا فاتورة الصراع الذي أوقعهم بين شقي الرحى بين قوات فيتنامية شيوعية، وفرق الإبادة التابعة للخمير الحمر.

وقبل أن نسرد مأساة مسلمي كمبوديا، علينا أن نذكر أن معظم المسلمين هناك ينحدرون من أصول فيتنامية، ووصلوا إلى كمبوديا بعد سقوط مملكة تشامبيا الإسلامية على يد البوذيين.

وثم جاءت الموجة الثانية من هجرة مسلمي فيتنام إلى كمبوديا بعد سيطرة القوات الشيوعية على الشطر الجنوبي من فيتنام، ومارسوا ضغوطًا شديدة على المسلمين لاعتناق الشيوعية والارتداد عن الإسلام.

 

قتل وتشريد المسلمين

وعبثًا بذل المسلمون دماءهم وأرواحهم لمواجهة الغزو الفيتنامي لكمبودياº إلاّ أن محاولاتهم باءت بالفشل أمام جيش قوي ومدرّب، ووصلت المأساة ذورتها بمقتل نصف مليون مسلم روت بدمائهم الشيوعيةُ الحمراءُ أرضَ كمبوديا.

ولم تقف المأساة عند هذا الحد بل إن جحافل الشيوعية الحمراء زادت الطين بلة بتبني نفس السياسات التي دفعت المسلمين إلى مغادرة فيتنام الشمالية التي كانت موالية لواشنطن بأعمال القتل والإبادة في صفوفهم التي أشرف عليها نظام (هون سين) الشيوعي.

وجدير بنا أن نذكر أن كمبوديا هي إحدى دول الهند الصينية، وتحيط بها مجموعة من الدول أبرزها الصين وتايلاند وماليزيا وفيتنام، وتُعدّ من الدول الصغيرة نسبيًاº إذ لا تتجاوز مساحتها الجغرافية (185) ألف كيلو متر، ويصل تعداد سكانها إلى (12) مليون نسمة، من بينهم (2.5) مليون مسلم.

 

قوافل التجار المسلمين

وقد دخل الإسلام كمبوديا عن طريق قوافل التجار المسلمين الذين دلفوا إليها عبر السواحل التايلاندية، وإن كانوا بأعداد قليلة، إلاّ أن الإسلام أخذ في الانتشار في القرنين الثامن والتاسع الهجري، خصوصًا بعد سقوط إمارة تشامبيا وهجرة أكثر من مليون ونصف مليون فيتنامي إليها.

وقد فرض المسلمون على أنفسهم شبه عزلة للمحافظة على هويتهمº إذ كانوا يتمتعون بنوع من التعليم والمدنية في وقت كان نظراؤهم الفيتناميون الكمبوديون يضربهم الجهل والأمية، فانغلقوا على أنفسهم وأنشؤوا مدارس خاصة بهم، واختاروا زعيمًا دينيًا لهم يستفتونه في شؤونهم الدينية وأحوالهم الشخصية.

واتسمت أوضاع المسلمين بالهدوء على الرغم من المعاناة الاقتصادية والفقر الذي يعم أراضي كمبوديا، إلى أن وصل الخمير الحمر إلى سدة السلطة، وحاولوا جاهدين إجبار المسلمين على اعتناق مبادئ الشيوعية الحمراء، وهو ما رفضه المسلمون بشراسة أوقعتهم ضحايا لفرق الموت التابعة للخمير الحمر التي أبادت أكثر من (750) ألف مسلم، فضلاً عن تدمير مساكنهم، وإزالة مساجدهم من على الأرض.

ولم تختلف الأوضاع كثيرًا عند سقوط هذا النظام، وقفز (هون سين) إلى سدة السلطة، وتبنت حكومته نفس النهج الإلحادي المعادي للإسلام، فبدؤوا بتدمير المساجد وتحويلها إلى مزارع لتربية الخنازير، وتكليف أئمتها برعاية الخنازير، فضلاً عن إحراق المصاحف، وكتب الفقه وحظر كل أنواع العبادة، وإلقاء القبض على حكام المناطق المسلمة التي دعمت المقاومة للغزو الفيتنامي خصوصًا في مدينة كامبونج، التي ذبح الشيوعيون فيها أكثر من (7) آلاف مسلم كالشياه، وبينهم أطفال ونساء وشيوخ، وأُجبروا السيدات والفتيات على العمل في معسكرات الجيش الفيتنامي والكبمودي والترفيه عن جنودهما.

وعمدت السلطات كذلك في إشاعة الأمية في صفوف المسلمين بهدم مدارسهم وإعدام القائمين عليها، وهو ما جعل المسلمين يتراجعون عن إلحاق أبنائهم بالمدارس الرسمية، خوفًا من هجرهم الإسلام واعتناقهم للشيوعية.

 

تعليم القرآن في السراديب

وسط هذا الاضطهاد تبنّى المسلمون أسلوب تعليم أبنائهم القراءة والكتابة وحفظ القرآن في سراديب سرية على يد كبار الشيوخ الذين شبّوا على التمسك بصحيح الدين، بعد تفشي الأمية في صفوف العديد من شباب المسلمين الذين تربوا في مدارس الشيوعية الحمراء، ومُنعوا من توطيد علاقاتهم مع العالم الإسلامي.

جرائم الشيوعية ضد الشعب الكمبودي لم تقف عند هذا الحد، فالأوضاع الاقتصادية متدنية للغايةº فالفقر ينتشر بفضل سياسات رئيس الوزراء (هون سين) الذي كان أحد قادة الخمير الحمر.. و 90 % من سكان البلاد تعتمد على المعونات من الصين وفيتنام، الذين نجح (هون سين) بفضلهم في الهيمنة على الحكم وتهميش ملك البلاد سيهانوك ونجله رانا ريده.

غير أن هذه الأوضاع الاقتصادية الصعبة أجبرت (هون سين) على تخفيف قبضته على السلطة وإجراء تعديلات دستورية بحيث يعطي حقوقًا معينة للأقليات ومنهم المسلمون، وتسمح بقدر من الحريات العامة، خصوصًا الحريات الدينية بعد أن عجز النظام عن مواجهة الانتقادات الدولية، وهو ما أتاح للمسلمين فتح مساجدهم وأداء الصلاة بصورة علنية لأول مرة منذ عقود، وأعيد افتتاح الكتاتيب والمدارس الإسلامية التي تم بناؤها بدعم من دول الخليج كالسعودية والكويت والإمارات في العاصمة تنوم بنه، والعديد من المدن الشمالية للبلاد التي يشكل المسلمون نسبة كبيرة من سكانها.

التنازلات التي قدمها (هون سين) أتاحت كذلك للمسلمين الدخول في اللعبة السياسية والمشاركة في الانتخابات التي جرت مؤخرًا والحصول على أربع مقاعد برلمانية، وتبوّأ أحد أبناء المسلمين منصب وزير التعليم وهو ما خفف من الواقع الأليم الذي يعاني منه المسلمون، الذين يتفشى في أوساطهم الفقر والبطالة والأمراض الوبائية، وتفتقد مناطقهم للبنى الأساسية والخدمات من مدارس ومستشفيات أو دور لرعاية المسنين.

 

تحسن مطرد

غير أن هذه المعاناة لا تخص المسلمين وحدهم، بل يعاني منها أغلب الكمبوديين، كما تؤكد الدكتورة ماجدة علي صالح (أستاذ الدراسات الآسيوية بجامعة القاهرة)، التي شددت على أن المسلمين في كمبوديا قد تحسنّت أوضاعهم بشكل مطّرد في السنوات الأخيرة، فمساجدهم قد أُعيد افتتاحها، ومراكزهم الإسلامية تعمل بصورة علنية، وانتزعوا اعترافًا من الدولة بالهيئة الإسلامية التي ترعى شؤونهم، وتم تعيين قادة دينيين يشرفون على فروع هذه المراكز، فضلاً عن نجاحهم في الوصول إلى البرلمان وانتزاع منصب وزير التعليم، وهو يؤسس لدور سياسي قوي لو أحسن المسلمون توظيف أوراقهم، خصوصًا أن الوضع السياسي يتحسن إثر الضغوط الدولية، وسعى النظام الحاكم إلى جلب استثمارات خارجية.

وأشارت د. ماجدة إلى أن أوضاع المسلمين في كمبوديا يمكن أن تتحسن إذا قامت الدول الإسلامية بضخ استثمارات في مناطق المسلمين لتحسين أوضاع هذه المناطق واستغلال رغبة نظام (هون سين) في استقبال هذه الاستثمارات، فضلاً عن الدور الأساسي الذي يجب أن تلعبه منظمة المؤتمر الإسلامي من إرسال دعاة ووعاظ لتعليمهم مبادئ دينهم وتشجيع الهيئات الإسلامية على تقديم القروض لإنقاذهم من غول الفقر والبطالة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply