اللاجئون الشباب .. المعاناة تقربهم، وأمل العودة يوحدهم


بسم الله الرحمن الرحيم

 

تعرّضت فلسطين للكثير من الصراعات والمؤامرات الدولية والإقليمية التي حاولت تغييب دور الشعب الفلسطيني وعرقلة دفاعه عن أرضه لصالح الحركة الصهيونية التي رأت في فلسطين أرض الميعاد المنشود.

وتجسّدت عملية التغييب والترحيل الفعلي للشعب الفلسطيني في أواخر عام 1947م ومنتصف عام 1948م، عندما طُرد أكثر من (800,000) فلسطيني من أرضهم إلى الدول العربية المجاورة، وتواصلت هذه المأساة الإنسانية بطرد (400,000) فلسطيني آخر في عام 1967م.

وترتبط عملية التهجير والاقتلاع الجماعي للفلسطينيين بمعاناة مريرة: مجازر، ونهب وسلب، وتدمير ممتلكات، وتدمير قرى بأكملها، ومصادرة حقوق المواطنة، والتهجير القسري للسكان، لدرجة أنه ليس هناك فلسطيني واحد من لم يذق هو أو أحد أفراد أسرته طعم المرارة نتيجة الاحتلال.

واليوم هناك حوالي خمسة ملايين لاجئ فلسطيني، أكثر من نصفهم من الأطفال والشباب، يتوزعون على مخيمات في فلسطين المحتلة داخل الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي الدول العربية وخاصة لبنان، والأردن، وسوريا، والعراق، واليمن، ودول الخليج العربي، وأيضاً في بعض الدول الأجنبية. ومنذ طردهم ترفض "إسرائيل" السماح لهم بالعودة إلى ديارهم ومنازلهم الواقعة تحت الاحتلال.

 

الأردن: حقوق كاملة ولكن فقر!

يعيش في الأردن أكثر من (1,170,000) لاجئ فلسطيني، يشكلون ما نسبته 35% من مجموع السكان، ويقيم أقل من 20% منهم في (13) مخيماً تنتشر على امتداد الأراضي الأردنية. و العلامة الفارقة للاجئين في الأردن هي أنهم حصلوا على المواطنة الكاملة للمرة الأولى في ديسمبر 1949م، ومنذ ذلك الحين فإن الحكومة الأردنية تعدّ اللاجئين الفلسطينيين مواطنين أردنيين بحكم القانون والدستور.

ومع ذلك فإن أبناء المخيمات يعانون من مشكلات جمة، أهمها: الأوضاع الاقتصادية الصعبة، حيث تُعدّ المخيمات الفلسطينية من أكبر جيوب الفقر في الأردن، ناهيك عن البطالة بين أبناء المخيمات وخاصة الشباب منهمº إذ تصل معدلات البطالة بين اللاجئين الفلسطينيين في الأردن إلى 15%.

وحول ظروف التعليم، تشير الإحصاءات إلى بروز العديد من الأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات من سكان هذه المخيمات على الرغم من الظروف التعليمية الصعبة، سواء من حيث عدد الطلاب في الصف الواحد وسوء التجهيزات في المنزل، ناهيك عن ظروف الأهل المادية الصعبة فكانت إرادة الكثير من أبناء المخيمات وظروفهم الصعبة سبباً لبروزهم وتفوقهم على الرغم من عدم تمكن غالبية أبناء المخيمات من إكمال دراستهم للظروف نفسها.

وتتيح الدولة الأردنية للاجئين الفلسطينيين العمل في معظم المهن، كما يمكنهم إنشاء الجمعيات والنوادي، ولذلك يقبل اللاجئون الشباب على الالتحاق بالنوادي الرياضية الخاصة بمخيماتهم، والتي أصبح بعضها من أهم فرق الدوري الأردني لكرة القدم، كما برز العديد من اللاجئين الفلسطينيين في الرياضات الفردية.

 

لبنان: الموت أرحم من الذل

يعيش في لبنان أكثر من (400,000) لاجئ فلسطيني، يشكلون ما نسبته 10% من مجموع سكان لبنان، ويقيم معظمهم في (12) مخيماً فلسطينياً، إلى جانب تجمعات سكنية منتشرة في عدد من المدن اللبنانية كالبقاع وبيروت وجبل لبنان وصيدا وصور.

وبالمقارنة مع غيرهم من الفلسطينيين المتواجدين في الدول العربية المضيفة كالأردن وسوريا، يُعدّ فلسطينيو لبنان الأكثر هامشية ومعاناة في المجتمع المضيف. وعلى الرغم من وجودهم في لبنان منذ نحو (50) عاماً، ومع أن جيلين أو ثلاثة منهم ولدوا في لبنان، إلاّ أنهم لا يزالون يُعاملون كأجانب محرومين من حقوق المواطنة الأساسية.

ويمكن إجمال أهم المشكلات التي يعاني منها لاجئو لبنان بـما يلي:

- العمل: تحظر الدولة اللبنانية على الفلسطينيين العمل في المؤسسات الحكومية وفي قائمة طويلة من المهن الحرة تُقدّر بـ (70) مهنة، كما أن عليهم الحصول على ترخيص حكومي للعمل في القطاع الخاص، وهو من الأمور الصعبة للغاية إن لم يكن من المستحيلة. لذلك فإن معدلات البطالة تصل إلى أكثر من 50% بين اللاجئين عموماً، ولكنها تتجاوز 80% بين الشباب في الفئة العمرية من (18-30) عاماً.

- التعليم: تقوم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) التابعة للأمم المتحدة بإدارة شؤون التعليم في المخيمات الفلسطينية. وهناك (75) مدرسة لـ(الأونروا) تضم حوالي (40.000) طالب، لكنها تقتصر فقط على المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، وتعتمد نظام الفترتين بسبب قلة عدد المدارس مقارنة بعدد الطلاب.

ومع تخلي (الأونروا) عن تقديم التعليم المجاني بالكامل، فقد برزت مشكلات التسرب المدرسي وارتفاع نسبة الأمية التي بلغت وفق آخر الإحصاءات 48% من مجموع سكان المخيمات، في حين بلغت نسبة الحاصلين على الدرجات الجامعية نحو 5%.

كما يواجه الفلسطينيون في لبنان مشكلة متابعة دراستهم الجامعية، في ظل حرمانهم من الدراسة في الجامعات اللبنانية، وعدم وجود منح دراسية كافية. وهناك مركز للتدريب المهني والتعليم التقني يوفر سنوياً مقاعد لنحو (600) طالب فقط، وهو بالتالي لا يفي بالطلبات المتزايدة وسط الشباب.

- الصحة: تدير "الأونروا" عشرات المراكز الخاصة بالرعاية الصحية الشاملة، ورعاية الأم والطفل، ومكافحة السكر وضغط الدم، ورعاية الأسنان، والمختبرات، وأمراض القلب والعيون. ولكن (الأونروا) لا تملك مستشفيات، بل تتعاقد سنوياً مع مستشفيات لبنانية لاستخدام عدد من الأسرة لليال محدودة.

ومنذ عام 1993م صار لزاماً على الأهالي الاشتراك في دفع نفقات الاستشفاء، كما أن الكثير من الأدوية لم يعد متوفراً، وبالتالي على المريض أن يشتريها من حسابه الخاص. كما أدخلت (الأونروا) تعقيدات إداريةº إذ بات على المريض الانتظار وفق لائحة، وقد يحين دوره بعد أشهر تحت شعار "تنظيم دخول المشافي وفقاً للموازنة".

وأدّت هذه التخفيضات في التقديمات الصحية إلى وفيات عديدة، خصوصاً بين ذوي أمراض القلب والدماغ والكلى والسرطان. وفي الحالات الصعبة يقوم اللاجئون بإرسال المرضى إلى سورياº حيث يلقون العلاج اللازم نظراً لأن الدولة السورية توفر العناية الصحية للمواطنين والعرب دون تمييز.

- الملكية العقارية: هناك تعقيدات قانونية أمام تملك الفلسطينيين في لبنان للعقارات، ومن شروطها الحصول على ترخيص يُعطى بمرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء، وعلى الفلسطيني أن يدفع رسوماً مرتفعة جداً في حال تسجيل العقار.

- التنقل والمسكن: يُفترض الحصول على ترخيص للانتقال من مخيم إلى آخر، كذلك في حال ترميم أو بناء منزل أو منازل جديدة في المخيم.

- إنشاء الجمعيات: الجمعيات محظورة على الفلسطينيين، بل يقتصر الأمر على مؤسسات لبنانية تعمل في الوسط الفلسطيني، وهذا ما يحرم الشباب تحديداً من حقهم بإنشاء النوادي الثقافية والرياضية والعلمية. كما يُحظر على الفلسطينيين أيضا امتلاك وسائل إعلام.

 

سوريا: حرمان من المشاركة السياسية

يعيش في سوريا حوالي (400.000) لاجئ فلسطيني، يشكلون ما نسبته 2.5% من مجموع السكان، ويقيم 30% منهم في (10) مخيمات، ويمتاز اللاجئون الفلسطينيون في سوريا بصغر سنهم، فأعمار أكثر من 55% منهم دون السادسة عشرة، ولذلك فهم يشكلون تجمعاً شبابياً هاماً.

وعلى الرغم من أن الحكومة السورية لم تمنح جنسيتها للاجئين الفلسطينيين، وهو ما يحرمهم من التمتع بالمشاركة في الحياة السياسية، إلاّ أنّ ذلك لم يؤثر على معاملتهم داخل الدولةº إذ يتمكن اللاجئون من العمل في أي قطاع يختارونه، ويحق لهم الترقي وشغل المناصب الإدارية والحكومية. ولا تتجاوز معدلات البطالة بين اللاجئين الفلسطينيين في سوريا الـ9%. كما يحق للفلسطينيين الاستفادة من الخدمات الحكومية وخاصة التعليم والصحة والمسكن، وتقوم (الأونروا) باستكمال الخدمات التي تقدمها الحكومة السورية. وقد شهد التعليم تطوراً ملموساًº إذ انخفضت نسبة الأمية اليوم إلى حوالي 10% بعد أن كانت نسبتها 20% قبل (15) عاماً. وتستأثر مدارس وكالة الغوث بالنسبة الأعلى من طلاب المرحلتين الابتدائية والإعدادية، في حين يدرس حوالي 25% من الطلبة الفلسطينيين في المدارس الحكومية. ولا يعاني الطالب الفلسطيني من مشكلات الالتحاق بالجامعات السورية فهو يخضع للمعايير نفسها التي يخضع لها الطالب السوري ويدفع الرسوم ذاتها.

 

إصرار على العودة!

في الدول العربية الأخرى تتفاوت أعداد اللاجئين الفلسطينيين وأوضاعهم. فبعد أن كانت دولة الكويت تستأثر بنحو (450,000) فلسطيني قبل عام 1990م، بات الرقم لا يتعدى (50.000) اليومº إذ تم طرد الغالبية إبان حرب الخليج الثانية. وفي المملكة العربية السعودية هناك حوالي (270,0000) لاجئ فلسطيني، وفي الإمارات (60,000).

وتُعدّ العمالة الفلسطينية في دول الخليج العربية مؤهلة علمياً وعملياً، وهم يتركزون في الأعمال التي تتطلب شهادات أكاديمية وخبرة عالية، كالتدريس، والصحة، والنفط، والصحافة والإعلام. أما في العراق، فإن أعدادهم كانت عام 1948م لا يتجاوز (5,000) لاجئ، بينما أضحوا الآن مع وتيرة النمو الطبيعي حوالي (35,000) نسمة يحملون وثيقة سفر لاجئ فلسطيني في العراق، يُضاف إليهم حوالي (55.000) قدموا إلى العراق بعد عام 1970م من الأردن، ومن الكويت بعد حرب الخليج الثانية، ويحملون جوازات سفر أردنية أو وثائق مصرية وسورية ولبنانية. وبعد سقوط نظام صدام حسين واحتلال العراق، تكالبت عليهم بعض القوى العراقية، مما أجبر الكثيرين منهم على الفرار إلى دول الجوار وخاصة سوريا والأردن.

واليوم وبعد مضي نحو ثمانية وخمسين عاماً على نكبة الشعب الفلسطيني واضطرار الفلسطينيين لترك وطنهم المحتل، ما زالت المخيمات قائمة، وما زال اللاجئ يستمد هويته من بقائها ومن إصراره على العودة إلى وطنه، خاصة أن مسألة اللاجئين في القضية الفلسطينية تُعدّ على سلم الأولويات والأكثر تعقيداً في الصراع. وعلى الرغم من كل مشاريع "التوطين" التي تطرحها "إسرائيل" وبعض الجهات الدولية كبديل للعودة، فإن اللاجئين مصرون على حق العودة إلى فلسطين باعتباره حقاً ملزماً، لا يلغيه تعاقب الزمن.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply