هل تنتهي مأساة البوسنة وكوسوفا بموت المجرم ميلوسوفيتش ؟!


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

في 11 مارس الجاري الموافق للعاشر من صفر، أعلن في لاهاي عن موت الطاغية سلوبودان ميلوسيفيتش -1941 م - 2006 م- في وقت أوشكت فيه محاكمته على الانتهاء، وكان الجميع في انتظار القول الفصل للمحكمة، ليعضد قضية شكوى البوسنة، ضد صربيا والجبل الأسود، لدى محكمة العدل الدولية، التي تنظر حاليا وحتى 9 مايو القادم في الشكوى من خلال الاستماع لأقوال ممثلي سراييفو وبلغراد، وبعضهم من دول أخرى خارج البلقان. بيد أن أجل ميلوسيفيتش حضر قبل ذلك، وانتقل ملفه من محكمة وضعية نسبية العدالة، إلى محكمة إلهية تتوفر فيها العدالة المطلقة. وكان ذلك عزاء الضحايا وأهالي الضحايا، الذين يتذكرون عدالة الواحد الأحد، كلما شعروا بأن القضاء لم ينصفهم، ولم يقتص كما يجب من مجرمي الحرب، أو كلما تعرضت قضيتهم للتشويه والبهتان والأكاذيب. ورغم إدراك الجميع بأن ميلوسيفيتش سيدفع ثمن جرائمه في الدار التي هو فيها الآن، إلا أن الحسرة تبقى قائمة في سياق التاريخ، والزمن الممتد حتى نهاية الساعة.

 

ضحايا بالجملة

 ولذلك يطرح السؤال، هل يذرف العالم الدموع على ضحايا ميلوسيفيتش، وتذهب حقوق الضحايا -التاريخية - والقصاص العادل لأكثر من مئتي ألف مسلم، قضوا في حملات الإبادة، التي كان ينظمها نظام ميلوسيفيتش، وقواته العسكرية، وأجهزة استخباراته، وعصاباته الهمجية. والتي كان من ضحايها، أكثر من 30 ألف امرأة مسلمة تم اغتصابها في البوسنة، وأكثر من 350 ألف مسلم مروا عبر المعتقلات الجماعية التي بلغ عددها 600 معتقل، لم يشهد التاريخ لها مثيلاً، ما عدا محاكم التفتيش الكنسية في إسبانيا، والتي كان ضحاياها من المسلمين أيضا. إضافة لتهجير نحو مليونين ونصف المليون مسلم، منهم مليون ونصف المليون خارج البوسنة، ونحو مليون داخلها. وقد نال الأذى والقتل عدد كبير من المهجرين داخل البوسنة، مثل سراييفو التي قتل فيها، 12 ألف نسمة، خلال 4 سنوات من العدوان، دون أن يحرك ذلك ما يسمى بالعالم الحر، ودوائر حقوق الإنسان والحريات، ثم سريبرينتسا الجريحة التي قضى فيها في يوليو 1995 م ما يزيد عن 10 آلاف نسمة، خلال ثلاثة أيام، والمقابر الجماعية التي لا يزال يعثر على الكثير منها بعد أن بلغ عدد من تم العثور عليهم أكثر من 25 ألف ضحية، و مازال البحث جاريا. وهناك عدد كبير من الضحايا لا يعرف مصيرهم. وبعد كل ذلك يتوقف كل شيء بموت ميلوسيفيتش ؟!

 

ميلوسيفيتش والضحايا

 لا شك أن موت ميلوسيفيتش الذي بدأت محاكمته في لاهاي في فبراير 2002، خسارة كبرى للعدالة وللضحايا -في الحياة الدنيا - كما قال الرئيس البوسني سليمان تيهيتش، وممثلة هيئة الادعاء بمحكمة جرائم الحرب في لاهاي كارلا ديل بونتي، وآخرون، فقد أسدل الستار يوم 10 صفر على حياة جزار البلقان، وماتت معه الكثير من الأسرار، ويمكن أن يؤثر ذلك على قضية جرائم الحرب، وعلى شكوى البوسنة ضد صربيا والجبل، وعلى محكمة زعيمي الحرب في البوسنة رادوفان كراجيتش، والجنرال راتكو ملاديتش، في حال تم اعتقالهما ونقلهما إلى محكمة جرائم الحرب في لاهاي، كما هو مؤمل. ممثلة هيئة الادعاء بمحكمة لاهاي كارلا ديل بونتي قالت في ( تصريحات خاصة بالفرقان، عبر الهاتف) من المحزن حقا أن يموت ميلوسيفيتش قبل أن تنتهي محاكمته أمام القضاء الدولي) لكنها أكدت على أن الأدلة التي قدمت ضد ميلوسيفيتش طيلة فترة محاكمته وهي 4 سنوات و8 أشهر، كانت كافية لإدانته بالجرائم التي نسبت إليه وعددها 66 تهمة تتعلق بجرائم حرب وجرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية وهي تصنيفات لأنواع الجرائم وفق اتفاقية جنيف الموقعة عام 1949. لكنها عبرت عن أسفها لأن الضحايا الذين كانوا ينتظرون قرار المحكمة الأخير، لن يعيشوا تلك اللحظة التي ترقبوها كثيرا، بعد موت ميلوسيفيتش (أعتقد أنه من المؤسف، وللضحايا أيضا الذين انتظروا العدالة (وتابعت) موت المتهم قبل أسابيع من انتهاء محاكمته، يعد انتهاء لمحاكمة ميلوسيفيتش، ولكني لا أعتقد بأنها نهاية لجرائم الحرب التي لا يمكن أن تصبح من الماضي (وأشارت إلى وجود قيادات أخرى متهمة بارتكاب جرائم حرب وجرائم إبادة، منهم 6 فارين في مقدمتهم رادوفان كراجيتش، والجنرال راتكو ملاديتش) هناك آخرون متهمون بارتكاب جرائم حرب وجرائم إبادة، منهم 6 في حالة فرار، ومحكمة لاهاي ملتزمة أمام الضحايا بجلب المتهمين للعدالة وخاصة كراجيتش وملاديتش). ورغم اعتداد ديل بونتي بنفسها كما هي شخصيتها دائما، إلا أن عملية محاكمة المتهمين دون المطلوب، ففي محاكمات نتنبرغ وطوكيو كان الجنود وقادتهم والمسئولون السياسيين في حكومات ألمانيا واليابان، كبيرهم وصغيرهم يحاكمون ويعدم الكثير منهم، أما محكمة جرائم الحرب في يوغسلافيا السابقة فهي انتقائية، وزمن المحاكمة يأخذ وقتا طويلا، ولا يجلب للعدالة سوى عشرات الأشخاص، بينما كان لزاما محاكمة كل من شارك في الإبادة بمحض إرادته وهم آلاف مؤلفة.

 

شكوى البوسنة

 في الوقت الذي توقع فيه الكثيرون، أن يؤثر موت ميلوسيفيتش على شكوى البوسنة ضد يوغسلافيا، وأن يكون لنتائجها في حالة الحكم لصالح البوسنة، دور كبير في تغيير الأوضاع السياسية في البلاد، ومن ذلك إلغاء الحكم الذاتي الذي يهيمن عليه صرب البوسنة، ويشترك فيه البوشناق والكروات، - البوسنة تتكون من كيانين الفيدرالية وجمهورية صربيا ذات الحكم الإداري الذاتي، بها 15 وزيرا محليا منهم 3 مسلمين و2 من الكروات -، انبرى أحد أعضاء الفريق الصربي لدى محكمة العدل الدولية، المحامي تيبور فرادي، ليقول إن موت ميلوسيفيتش، سيقضي على شكوى البوسنة ضد صربيا والجبل الأسود، (لو حكم على ميلوسيفيتش بارتكاب جرائم إبادة، لكان لذلك تأثير قوي على قرار محكمة العدل الدولية في شكوى البوسنة ضد صربيا والجبل الأسود، أما وقد مات ميلوسيفيتش قبل صدور الحكم، فإن الشكوى قد فقدت زخمها، والادعاء أصبح في وضع صعب) وتوقع مرحلة صعبة بالنسبة للبوسنة، لأن الحكم على ميلوسيفيتش أمام محكمة جرائم الحرب في لاهاي، كان سيساعد البوسنة أمام محكمة العدل الدولية، في الحصول على حكم لصالحها ضد صربيا والجبل الأسود. ورغم أن المسئولين الصرب في بلغراد، مثل رئيس اتحاد صربيا والجبل الأسود سفيتوزار ماروفيتش، ورئيس صربيا بوريس طاديتش، ورئيس وزراء صربيا فويسلاف كوشتونيتسا قد عدوا نبأ وفاة ميلوسيفيتش (خبرا محزنا) إلا أنهم توقعوا مرحلة جديدة في تاريخ صربيا والمنطقة. وكان المسئولون الصرب قد حاولوا التملص من جرائم الحرب التي تمت في عهد ميلوسيفيتش، باعتبارها (مسؤولية نظام ديكتاتوري لا يتحمل نتائجها الشعب الصربي) بيد أن عددا من المسئولين الدوليين والبوسنيين ردوا على ذلك بأن ألمانيا قادها نظام نازي، سقط في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ولم يشفع ذلك لألمانيا، حيث أجبرت على تقديم التعويضات ببلايين الدولارات في غياب أدولف هتلر. وقال البروفيسور في جامعة زغرب، ايفو يوسيبوفيتش (موت ميلوسيفيتش الذي يعد أول رئيس دولة في التاريخ المعاصر يحاكم أمام القضاء الدولي، والذي توفي قبل نهاية محاكمته خسارة لضحايا سياساته، ولمحكمة جرائم الحرب في لاهاي) وذكر بأن محاكمته التي استمع فيها لـ 290 شاهدا، انتهت بموته. وكانت ممثلة هيئة الادعاء بمحكمة لاهاي كارلا ديل بونتي قد ذكرت بأن(موت ميلوسيفيتش لن ينهي قضايا جرائم الإبادة من الماضي، لأن هناك متهمين آخرين بارتكاب جرائم إبادة في انتظار صدور أحكام عليهم، أو لا يزالون في حالة فرار). أما عمر ماشوفيتش رئيس اللجنة البوسنية للبحث عن المفقودين، فقد أكد (للفرقان) بأن (البوشناق ينتظرون من محكمة العدل الدولية، إثبات أن صربيا قامت بارتكاب جرائم إبادة ضد البوشناق في البوسنة رغم موت سلوبودان ميلوسيفيتش في السجن قبل صدور الحكم النهائي عليه).

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply