المسلمون في كوبا .. صرخة في وادي الإهمال


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

كوبا اسم يتردد كثيرا في وسائل الإعلام وربما يعرف البعض من شعوب منطقتنا هذا الاسم جيدا، لكن الأغلبية من الشباب كانت تجهل هذا الاسم حتى جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما أعقبها من تدمير برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك ومبنى البنتاجون في واشنطن وتلا ذلك قيام الولايات المتحدة بغزو أفغانستان وأسر آلاف من مقاتلي القاعدة وطالبان، وإرسالهم إلى معسكر غوانتانامو في كوبا ومنذ ذلك التاريخ وهذا الاسم يتكرر على أسماعنا كثيرا، ولكن ما لا تعرفه الأغلبية من شعوبنا العربية والإسلامية أن كوبا كانت في وقت من الأوقات مقراً لأكثر من 6 ملايين مسلم جلبهم البرتغاليون والأسبان من غرب أفريقيا كرقيق يقومون بخدمتهم وبيعهم وشرائهم.

 تعود علاقة الإسلام بكوبا كما يذكر المؤرخون إلى ثلاث مراحل: الأولى تعود إلى ما قبل اكتشاف الرحالة كريستوفر كولمبس للأمريكتين، والثانية بعد استكمال السيطرة الأسبانية البرتغالية على الأمريكتين، أما المرحلة الثالثة فيؤرخ لها ببداية الهجرات العربية لكوبا في العصر الحديث ونهاية بأوضاع المسلمين حاليا في كوبا وهي مرحلة يؤرخ لها باندلاع الثورة الشيوعية 1959 بقيادة فيديل كاسترو و جيفارا وغيرهم.

 ويرجح المؤرخون وجود أعداد كبيرة من المسلمين على متن السفن التي قادت كولومبس إلى اكتشاف العالم الجديد.. حيث تذكر الروايات أن كولومبس عندما وصل بسفينته إلى كوبا في أكتوبر 1492 شاهد أثرا لمسجد على قمة أحد الجبال ويمتلأ بالمآذن والنقوش ومكتوب على جدرانها بعض الكتابات العربية وتكرر نفس الأمر عند نزوله إلى هايتي، غير أن هذه الآثار لم تفصح عن الكيفية التي وصل بها المسلمون إلى كوبا والعالم الجديد فهناك آراء تذهب إلى احتمال أن تكون رحلات عربية قد ضلت طريقها في المحيط الهادي أو الأطلسي في العصور الوسطي واستقر بها المقام في الأمريكتين فيما يشير الآخرون في ذلك إلى مؤسس الأسطول العثماني خير الدين بارباروسا الذي كان يرسل بعض السفن لاكتشاف بلدان ما وراء البحر.

 

تجفيف منابع:

وبعد قيام ثورة كاسترو الشيوعية كانت أعداد المسلمين في كوبا تقترب من نصف مليون مسلم ولكن الشيوعيين شنوا حملات شديدة ضد الوجود الإسلامي، وحملوهم على قطع أي صلات بالعالم الإسلامي ثم حرمانهم من دراسة أي شيء يتعلق بالإسلام.

ولم يسمح الشيوعيون بإنشاء مساجد للمسلمين في كوبا على الإطلاق واستثني من ذلك البيت العربي في هافانا القديمة الذي ظل المكان الوحيد في كوبا الذي تسمح الحكومة بفتحه مدة ساعات كل يوم جمعة لأداء الصلاة، فيما منع أي نوع من الفرائض وكان أي اعتراض من المسلمين على هذا يقابل بالذهاب إلى المعتقلات ومعسكرات العمل الجماعية وواصلت السلطات الشيوعية عصفها بالمسلمين مما أجبر عدداً منهم إلى الهجرة للأرجنتين والبرازيل والولايات المتحدة الأمريكية.

واستمرت سياسات فرض الإلحاد لسنوات طويلة مما حدا بالمسلمين هناك إلى ترك البلاد بعد أن يئسوا من إمكانية حدوث أي تحسن في أوضاعهم، وفي بداية الثمانينات اعتبرت اليونسكو البيت العربي من الآثار الإنسانية حيث جرى بناؤه بواسطة أحد التجار العرب في القرن السابع عشر وتبرعت دولة قطر بمبلغ 40 ألف دولار لتطويره ليضم مكتبة ومعرضا للتراث العربي ووثائق وصالة للمعارض وأخرى للمؤتمرات غير أن السلطات ورغم علاقتها الوثيقة بالعديد من دول العالم الإسلامي استمرت في منع المسلمين من أداء صلواتهم أو السماح لهم باستيراد كتب ومؤلفات عن الإسلام بل ورفضت رفضا باتا الاعتراف بهم كأقلية.

- وفي بداية التسعينات ومع سقوط الكتلة الشيوعية والاتحاد السوفيتي سمح الحزب الحاكم الشيوعي للبعض بممارسات دينية مثل بناء المساجد والمعابد، وتم رفع الحظر عن بناء المؤسسات الدينية النصرانية إلا أن مسلمي كوبا لم يحققوا أدنى فائدة نتيجة هذه التحولات حيث منعوا من بناء مسجد لهم، ووقفت السلطات حائلا دون أن يسمع لهم صوت.

 وتمادت السلطات في اجراءات العنصرية ضد المسلمين برفضها إقامة أي تعداد سكاني لهم وكذلك أبدت تحفظات شديدة على الاعتراف بوجودهم إضافة إلى امتناعها عن تحديد ممثلين لمسلمي كوبا لحضور اجتماعات المنظمة الإسلامية لأمريكا اللاتينية.

يحدث هذا في الوقت الذي اعترفت فيه بالجالية اليهودية التي لا يزيد عدد أفرادها على 1300 فرد وسمحت لهم بأقصى درجات الحرية في ممارسة الشعائر، بل صرحت لهم بإنشاء أكثر من معبد ومركزا خاصا بهم.

وفي الوقت الذي قام فيه كاسترو بزيارة الفاتيكان ولقائه بالبابا يوحنا بوليس آنذاك وموافقته على فتح مئات من الكنائس الكاثوليكية رفضت الحكومة الكوبية طلبات رابطة العالم الإسلامي والندوة العالمية للشباب الإسلامي ببناء مسجد لمسلمي كوبا سواء بالسماح بشراء قطعة أرض في العاصمة هافانا أو تحويل أحد المنازل التي يقطنها المسلمون إلى مسجد ومركز إسلامي، بل واعتبرت الطلب غريبا بحجة أن كوبا قبل الثورة الشيوعية لم تكن لها أي مساجد، وإزاء تعنت السلطات الكوبية تجاه مسلمي كوبا الذين تزيد أعدادهم على 5 آلاف مسلم إذا وضعنا في اعتبارنا الطلاب المسلمين من الصحراء العربية أو المهاجرين من سوريا ولبنان.

 

فقر وبطالة:

تعسف السلطات الكوبية ضد المسلمين ليس المشكلة الوحيدة التي يعانون منها حيث الفقر بالمسلمين هناك لدرجة أنهم لا يجدون قوت يومهم ويتوقف الكثيرون منهم عن مواصلة التعليم لقلة ذات اليد، لدرجة أن هناك أسرا مسلمة لا يستطيع أفرادها أداء الصلاة أو النطق بالشهادتين ومعرفة أركان الإسلام، وترفض السلطات الكوبية استقبال أي دعاة من العالم الإسلامي، أو السماح بدخول المصاحف لأراضي البلاد فالجزيرة الشيوعية رفعت القيود عن معتنقي جميع الديانات في الوقت الذي ضاق صدرها بالإسلام.

أغرب ما في الأمر أن كوبا تحتفظ بعلاقات وثيقة وتعاون اقتصادي مع عديد من الدول العربية وفي مقدمتهم مصر والجزائر إلا أن هذه الدول غضت الطرف عن مأساة مسلمي كوبا، المحرومين من جميع حقوقهم وكان بإمكان هذه الدول أن تضغط على نظام كاستروا للكف عن تبني سياسات الحصار ضد المسلمين واستغلال ثقلها السياسي للسماح بدخول الجمعيات الخيرية الإسلامية في الأراضي الكوبية لدعم المسلمين هناك ومنعهم من السقوط في شباك المنظمات التنصيرية الأمريكية التي تملأ المدن الكوبية.

 

إهمال ومأساة:

يرى المهندس محمد يوسف هاجر الأمين العام للمنظمة الإسلامية لأمريكا اللاتينية أن مأساة مسلمي كوبا تعد حلقة في مسلسل مسلمي أمريكا اللاتينية والوسطى حيث انقطعت الصلات بين هؤلاء المسلمين وبين العالم الإسلامي لدرجة أنه لا توجد أي علاقة أو تواصل بين مسلمي كوبا وبين العالم الإسلامي. وهو أمر شديد الخطورة ينبئ عن ذوبان مسلمي كوبا في مجتمعه الكاثوليكي.

 وانتقد المهندس هاجر بشدة السلطات الكوبية التي تمنع استقبال أي دعاة من دول العالم الإسلامي أو تقبل بوجود منظمات خيرية إسلامية.. متهما إياها بالعنصرية فهي تعترف بالأقلية اليهودية في الوقت الذي ترفض إعطاء شرعية للمسلمين الذين يزيد عددهم على أعداد اليهود.

 - وطالب دكتور هاجر الدول العربية والإسلامية ممارسة ضغوط على نظام كاسترو للتخفيف من قبضته الحديدية على مسلمي كوبا والسماح لهم بحقوق دستورية كما يحدث للأقليات الأخرى، وأن تتدخل هذه الدول لإنشاء مساجد في المدن، وأن ترسل قوافل دعوية لتوعية مسلمي كوبا بمبادئ الإسلام، لخلق نوع من الصلات بين مسلمي كوبا والعالم الإسلامي.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply