حكومة أوزبكستان والغرام اليهودي


بسم الله الرحمن الرحيم

على الرغم من عدم انتهاء الحكومة من مسلسل قمع الإسلاميين تحت ذريعة انفجارات طشقند السابقة، كانت العاصمة الأوزبكية طشقند مع موعد جديد مع الانفجارات، حيث هزت ظهر الجمعة 30/7/ 2004 ثلاثة انفجارات قوية استهدفت السفارة الأمريكية والصهيونية ومكتب المدعي العام في العاصمة الأوزبكية طشقند.

وبعيداً عن التوقعات والتكنهات حول منفذي تلك التفجيرات، وحول أعداد القتلى والجرحى التي من المتوقع أن تبقى طي الكتمان لفترة ليست بالقصيرة نظراً للتعتيم الإعلامي - خاصة المصور - يثير استهداف سفارتي الكيان الصهيوني وأمريكا، بالإضافة إلى تصريحات السفير الصهيوني زفي كوهين للإذاعة الصهيونية العامة عقب الانفجارات: [نحن جميعاً سالمون معافون، كذلك كل 'الإسرائيليين' المتواجدين في طشقند سالمون معافون، لدينا تعليمات دقيقة لمثل هذه الأوضاع، وقد طبقناها بكل صرامة]، يثير ذلك الكثير من التساؤلات حول طبيعة التوغل الصهيوأمريكي في أوزبكستان، ومدى تقاطع المصالح الأمريكية والصهيونية في منطقة وسط آسيا؟

 

حلقة في سلسلة السيطرة على آسيا الوسطي:

إذا كان العدوان الأمريكي على أفغانستان قد سلط الضوء بقوة على الاستراتيجية الأمريكية للهيمنة على آسيا الوسطى، فإن هذا العدوان قد كشف بوضوح أيضاً عن عمق وخطورة التغلغل الصهيوني في المنطقة، وعن رسوخ التحالف، وانسجام الأهداف، ودقة تنسيق المواقف والأعمال بين أمريكا والصهاينة في تلك المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية الكبرى.

وخلال أسابيع قليلة من بداية العدوان الأمريكي افتضح أمر مشاركة القوات الخاصة الصهيونية في الخطة الأمريكية، وانتقال بعض الوحدات إلى أوزبكستان لدعمها في مواجهة ما يسمى بـ'هجمات إرهابية محتملة' بعد أن كانت تلك الوحدات قد توقفت لعدة أيام في قيرغزستان، في محاولة للتمويه على وجهتها النهائية.

ويرجع هذا التعاون الوثيق - بشكل محدد - إلى الشهور التالية مباشرة لانهيار الاتحاد السوفييتي في ديسمبر عام 1991.

فقد تم الاتفاق على تنسيق العمل بين الطرفين في تلك المنطقة في لقاء بين الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب ورئيس الوزراء الصهيوني الراحل إسحق رابين في عام 1992م، حيث اتفق بوش ورابين على أن يشمل التعاون بين الطرفين مختلف القضايا السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية بما فيها منع وصول أسلحة أو تكنولوجيات نووية أو تقليدية متطورة ورثتها دول آسيا الوسطى عن الاتحاد السوفييتي السابق إلى الدول العربية أو الإسلامية.

وفي أواخر يوليو 1992 قام ريتشارد أرميتاج مساعد وزير الخارجية الأمريكية المسؤول عن تنسيق المساعدات للجمهوريات السوفييتية السابقة بزيارة إلى تل أبيب، ناقش خلالها مع المسؤولين الصهاينة تفاصيل الاتفاق المذكور، وكيفية وضعها موضع التنفيذ.

واتفق الطرفان على قيام أمريكا بتمويل مشروع صهيوني في دول آسيا الوسطى تركز في البداية في مجالات الزراعة والري، وإدارة المياه، وتدريب خبراء من أبناء تلك الدول، كما اتفقا على تكوين فريق أمريكي صهيوني مشترك لبحث مختلف أوجه التعاون الممكنة، وتنسيق الجهود في المنظمات والمؤتمرات الدولية المعنية بدول آسيا الوسطى.

ووظف الصهاينة اللوبيات اليهودية في دول آسيا الوسطى لفتح الأبواب أمام التغلغل السياسي والاقتصادي والأمني والثقافي على أساس معرفة ممتازة بأوضاع تلك الدول.

وجدير بالذكر أن هذه اللوبيات منظمة بصورة ممتازة، وللمخابرات الصهيونية تغلغل عميق داخلها منذ العهد السوفيتي من خلال جهاز خاص يتبع رئاسة الوزارة مباشرة هو جهاز 'الفافيت' المسؤول عن تنظيم هذه الجاليات، وتهجير المطلوب هجرتهم من بين أفرادها، وتجنيد الجواسيس من بينهم.

 

أوزبكستان وأهداف محددة:

إذا كان منع انتقال ترسانة الأسلحة الروسية من الانتقال إلى الدول الإسلامية والعربية هو أهم الأهداف المرحلية لأمريكا والصهاينة في الفترة ما بعد الاتحاد السوفيتي في وسط آسيا بشكل عام، فإن هناك أهدافاً أخرى محددة على الأجندة الصهيوأمريكية.

ومن أهم تلك الأهداف:

ـ وجود نظم حكم مواكبة لأمريكا والغرب عموماً، تقوم على اقتصاد السوق بما يسمح بتدفق رؤوس الأموال الأمريكية والغربية على هذه البلدان، وسيطرتها على أسواقها.

ـ تصفية الحركات الإسلامية في المنطقة بما يضمن أمن أمريكا داخل أراضيها، ومصالحها في الخارج، وكذلك أمن ومصالح حلفائها، واستقرار النظم الموالية لها في المنطقة، وهو الهدف الذي تضاعفت أهميته في السنوات الأخيرة وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر.

هذا بغض النظر عن الأهداف التوسعية للإمبراطورية الأمريكية، وما تتطلبه من تدفق مستمر لمخزونات النفط من جميع أنحاء العالم، وخاصة بحر قزوين.

وفي خضم الأهداف الأمريكية الكبرى يدخل الصهاينة اللعبة لتحقيق أكبر كم من المكاسب الممكنة:

وفي مقدمتها الهدف الصهيوأمريكي الرئيس والمتمثل في تطويق العالم الإسلامي، أو ما يعرف بنظرية 'شد الأطراف'.

بالإضافة إلى تنشيط الهجرة اليهودية من تلك البلدان، والاستناد إلى نفوذ الجاليات اليهودية القوية فيها لتعميق التغلغل السياسي والاقتصادي والثقافي والأمني الإسرائيلي فيها، وانتزاع مواطئ أقدام متزايدة الاتساع في أسواقها.

وكان من الطبيعي أن تتسارع وتيرة التعاون والتحرك الصهيوأمريكية في المنطقة مع بروز حركة طالبان في أفغانستان، ودعمها للمنظمات الإسلامية بالمنطقة.

وأعطى تَولِّي مادلين أولبرايت وزارة الخارجية الأمريكية عام 1997 دفعة كبيرة جديدة لتسريع هذا التعاون، على أن يتم تركيز الجهود الأمريكية ـ الصهيونية في تلك المرحلة على أوزبكستان بالدرجة الأولى بجعلها شريكاً للغرب - وخاصة أمريكا والكيان الصهيوني - في مواجهة ما يسمى بـ'الأصولية الإسلامية والإرهاب الدولي'، وتم تكليف السفيرين الأمريكي والصهيوني في العاصمة الأوزبكية طشقند بمتابعة تنفيذ توجيهات أولبرايت.

 

تحرك صهيوني وتخاذل عربي:

يذكر أحد المحللين العرب أن دول جمهوريات آسيا الوسطى شعوباً وحكومات وفي مقدمتها الشعب الأوزبكي كانوا يتوقعون في أول أيام الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي أن الدول العربية سوف تقوم بتقديم مساعدات اقتصادية ومالية إليها عقب استقلالها عن النظام الشيوعي، وانضمامها إلى العالم الإسلامي.

ولكن لم تتقدم أية دولة عربية بهذا الدعم المأمول، حيث أصبح التواجد العربي والإسلامي في هذه الدول محدوداً للغاية سياسيّاً واقتصاديّاً، وخلال السنوات الأخيرة أرسل الأزهر بعثات دينية إلى دول وسط أسيا الإسلامية لم تحدث تأثيراً سوى على نطاق ضيق لم يتعد المسائل الفقهية، ولم يصل إلى حد إحداث تغيير فكري يساعد على اكتشاف حقيقة الدور الصهيوني في المنطقة.

وفي الوقت ذاته كانت هناك جهات أخرى كالولايات المتحدة والكيان الصهيوني تمد يدها ساعية نحو إقامة علاقات قوية مع جمهوريات آسيا الوسطى عامة، ومع أوزبكستان على وجه الخصوص، اعتماداً على ثقلها، ودورها الرئيس الذي تلعبه في المنطقة.

ومهد الصهاينة لهذه العلاقات بتقديم المساعدات المالية والاقتصادية والفنية، فعند ظهور هذه الجمهوريات بادر عدد من رجال الأعمال الصهاينة بزيارتها ليوضحوا أنه ليس ثمة شيء يدعو إلى الخوف من 'الدولة الإسرائيلية'، وليعرضوا تقديم المساعدة في إعادة بناء القوات المسلحة لهذه الدول، وتقديم المساعدات الفنية في شتى المجالات.

وبادر الصهاينة بتعيين سفيرهم السابق في موسكو كأول سفير صهيوني في أوزبكستان، وهو ما يدل على الأهمية التي تعامل بها الصهاينة منذ البداية مع أوزبكستان.

وبعد أقل من 3 أشهر على انهيار الاتحاد السوفييتي كان الكيان الصهيوني قد نظم في العاصمة الأوزبكية طشقند أول مؤتمر اقتصادي مشترك بينه وبين دول آسيا الوسطى في مارس 1992م لبحث احتياجات تلك الدول من المشروعات والمساعدات الاقتصادية، والدور الذي يمكن أن يقوم به الكيان الصهيوني في تلبيتها.

وقام رئيس أوزباكستان إسلام كريموف بزيارة إلى الكيان الصهيوني في عام 1998، حيث تم الاتفاق على تطوير التعاون بين البلدين في شتى المجالات، وباستثمارات صهيونية أو مشتركة ساهم فيها رجال الأعمال الجدد من يهود أوزبكستان.

وتم افتتاح فرع للوكالة اليهودية سحتوت في العاصمة الأوزبكية طشقند لتنظيم هجرة اليهود الأوزبك إلى 'إسرائيل', وكان عدد هؤلاء يبلغ نحو 120 ألفاً تم بالفعل تهجير أكثر من 70 ألفاً منهم.

وللتأكيد على الاختراق الصهيوني تم افتتاح مركز ثقافي صهيوني في طشقند يعمل بنشاط على الترويج للثقافة والأفكار الصهيونية بين اليهود وغيرهم من مواطني أوزبكستان، فضلاً عن تعليم اللغة العبرية.

 

الحكومة الأوزبكية والغرام اليهودي:

'نحن الأوزبك مغتبطون بعودة الشعب اليهودي إلى أرض إسرائيل بعد ألفي عام من التيه، مصداقاً للنبوءات الواردة في التوراة وفي القرآن'!!

لا يوجد أبلغ من ذلك التصريح على لسان سفير أوزبكستان في تل أبيب لإحدى المنظمات الصهيونية يوم 18/10/1999 للتعبير عن مدى غرام الحكومة الأوزبكية بالكيان الصهيوني، والعلاقات الوثيقة معه، وهو ما تأكد خلال زيارة الرئيس الأوزبكي إسلام كريموف لأمريكا، حيث حرص على لقاء اليهود، وبخاصة اليهود البخاريين، وجرت المقابلة في فندق 'بلازا' بنيويورك بحضور زهاء 200 رجل، حيث منح معهد Be’er Hagolah Institutes  الرئيس كريموف جائزة 'الشخصية الحكومية على النطاق الدولي'.

وفي محاولة للحصول على المزيد من الصلاحيات لقمع الصحوة الإسلامية داخل أوزبكستانº قال كريموف خلال اللقاء نفسه: إني ضد المقاتلين الإسلاميين المتطرفين، وضد تدخل الإسلام في شؤون السياسة، نحن أنصار 'الإسلام التقليدي'، فديننا المقدس يدعو إلى السلم والإنشاء، والتفاهم والصبر، والوفاق بين الناس المختلفي الأديان والأجناس.

ومكافأة لكريموف قال مندوب الصهاينة في الأمم المتحدة 'يهوده لَنكري': إن اليهودية تزدهر في أوزبكستان تحت رعاية كريموف, وإن الطلاب الأوزبكستانيين يتعلمون باللغة العبرانية، وأنه يخطط في أوزبكستان لافتتاح متحف يهودي، وأعرب عن شكره العميق لكريموف فقال: 'إنا نرى أن حياة اليهود في أوزبكستان تتجدد'.

وتأكيداً على ذلك قال ليف ليوييِف رئيس اتحاد اليهود في الاتحاد السوفييتي السابق، وكونجرس اليهود البخاريين العالمي: إن كريموف صديق حقيقيّ للشعب اليهودي، وإنه مثل أبيه نشأ في حي اليهود، مضيفاً: قد عرفنا أنك صديق لنا فنحن أيضاً أصدقاء لك، إن اليهود في أوزبكستان لم يشعروا بأنفسهم آمنين هكذا خلال الـ100 سنة الأخيرة.

وعلق أحد الكتاب الأوزبكيين على هذه الجملة الأخيرة بقوله: [حينما جلس كريموف مستمعاً إلى كلمات معسولة لذيذة من فم أحد زعماء يهود العالم، كانت أخواتنا المحبوسات في الله تعانين في سجنه بطشقند من الجوع والعذاب المستمر, فلم يبق منهن سوى العظام والجلد، كما كتبت إحداهن في مكتوب أخرجته - إنا لله وإنا إليه راجعون -، وإذا لم يشعر اليهود أنفسهم آمنين هكذا خلال 100 سنةº فإن المسلمين لم يشعروا بأنفسهم غرباء هكذا خلال الـ100 سنة بل الـ1000 سنة الأخيرة].

 

جائزة أمريكية لسحق أصحاب اللحى:

وبعدما توثقت العلاقات مع اليهود استغل كريموف الحرب الأمريكية على العالم الإسلامي تحت مزاعم مكافحة 'الإرهاب' ليواصل عصفه بالإسلاميين، حيث وثق صلته بالإدارة الأمريكية، ووثق صلته باليمين الأمريكي المحافظ، وقدم تسهيلات عسكرية للولايات المتحدة سمحت لهم بقاعدة على الحدود الأوزبكية الأفغانية.

وقد اعترف كريموف نفسه في البرلمان الأوزبكي بالدعم الذي تقدمه له واشنطنº بل زاد على ذلك بالقول: 'اعلموا أن ورائي أمريكا وبوش، وهم لا يعبأون بمثل هذه المذابح لأنهم ولو كانوا ضد هذه المذابح لما قدموا لنا هذه المساعدات المالية السنوية، وقد لاحظت ذلك عند زيارتي لواشنطنº فقد ثمّن الأمريكيون جهدي وتضحياتي في الحرب على الإرهاب، وقدموا لي جائزة سخية من أجل تصفيتي وسحقي لأصحاب اللحى'!!.

بل إن كريموف طمأن أعضاء البرلمان بالقول: 'لا تنزعجوا عندما تجدون مسؤولين أمريكان ينتقدون سجلنا في مجال حقوق الإنسان، لأن هدف أمريكا من وراء ذلك إظهار مراعاتها للقوانين الديمقراطية أمام العالم'!!.

ويبدو أن كريموف قد أصاب في توقعه هذا، حيث أعلنت الإدارة الأمريكية في 15/7/2004 أنها أوقفت تقديم مساعدتها المالية التي تقدر بـ18 مليون دولار لنظيرتها الأوزبكية بسبب انتهاك الأخيرة لحقوق الإنسان، وعدم التزامها للمبادئ الديموقراطية في البلاد.

وعلى الرغم من ذلك أكدت الإدارة الأمريكية أنها تستمر في تعاونها مع نظيرتها الأوزبكية التي منحتها قاعدتها الجوية لقيامها بعمليات عسكرية في أفغانستان في مكافحة ما تسميه بالإرهاب والتطرف الديني، حيث جاء في بيانها: إن أوزبكستان تعد حليفة هامة للولايات المتحدة في الحرب ضد 'الإرهاب'، وعندنا كثير من الأهداف الاستراتيجية المشتركة, وهذا القرار لا يعني تغيير مصالحنا في المنطقة، أو رغبتنا في عدم التعامل مع أوزبكستان.

 

الحصاد المر:

كان لابد من نتيجة حتمية لهذا التوغل الصهيوني المتقاطع مع المصالح الأمريكية في أوزبكستان، وهى التي عبرت عنها الناشطة الحقوقية 'محبوبة قاسموفا' حين تساءلت: لماذا لا تستهدف الاعتقالات في الغالب إلا المصلين المتدينين؟ فإذا كان الالتزام بأداء الصلاة جرماً فلتعلن الحكومة هذا على الملأ، ولتصدر مرسوماً بأن الصلاة ممنوعة في أوزبكستان.

وأضافت: إن اللافت للنظر أنك تسمع من ألسنة الناس من حين إلى آخر في الأحياء والشوارع: 'إن فلاناً مصلٍّ, فليأخذ حذره'!!

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply