الموقف الغربي الغريب !


  

بسم الله الرحمن الرحيم

لعل من استمع إلى التنديد البريطاني بحادث اغتيال الدكتور عبد العزيز الرنتيسي - رحمه الله - أصابه شيء من العجب، وحق له:

 

- ألم تذكر دائرة المعارف البريطانية: بأن "الاهتمام بعودة اليهود إلى فلسطين، قد بقي حياً في الأذهان، بفعل المسيحيين المتدينين، وعلى الأخص في بريطانيا، أكثر من فعل اليهود أنفسهم"؟

 

- ألم يؤسس البروتستانت صندوقاً سمي (صندوق اكتشاف فلسطين) أيام حـكم فكتـوريا وكـان رئيس الصندوق هو رئيس أسـاقـفـة كنتربري وهو أكبر الأساقفة في بريطانيـا. بغرض اكتشاف أرض الميعاد وحدودها ومعالمها كما وردت في التوراة؟

 

- ألم يخرج وعد بلفور من بين أروقة السياسة البريطانية؟ بل قالت مترجمة سيرته وهي ابنة أخته: "إنه كان يؤمن إيمانًا عميقاً بالتوراة، ويقرؤها ويصدق بهـا حرفيًا. وإنه، نتيجة لإيمانه بالتوراة أصـدر هذا الوعد"؟

 

- ألم يقل رئيس الوزراء البريطاني (لويد جورج) أيام (بلفور) عن نفسه: إنه صهيـوني وإنه يؤمن بما جاء في التوراة من ضرورة عـودة اليهود وأن عودة اليهود مقدمة لعودة المسيح؟

 

- ألم يعط اليهودي (دوقلاس دافز)، (توني بلير) شهادة حسن السيرة في اليهود وذلك في تقريره من لندن الذي قال فيه: "توني بلير مجتهد في إرضاء المجتمعات اليهودية"؟

 

- ألم تدرج لندن حماس ضمن قائمة المنظمات الإرهابية؟

 

- أي ظلم في اغتيال زعيم منظمة إرهابية؟

 

بل لقائل أن يقول: لو كنت الناطق الرسمي باسم حكومة الليكود، لوجهت رسالة شديدة اللهجة إلى "جاك سترو" ومن خلفه إدارته أقول فيها: أتدينون قتل إرهابي ـ بإقراركم ـ يبرر قتل الأطفال وإهلاك الأموال، مالكم أين ذهبت عقولكم!

 

حاولت أن أجد تفسيراً مقبولاً لتصرفهاº فقلت: لعله استرضاء العرب، الذين مُسِخت صورتها في أذهانهم.

 

ثم نظرت في احتلالها العراق فبدا أن ذلك ليس سبباً كافياً.

 

قلت: لعلها تطمح إلى تحسين علاقتها مع أكبر مستهلِك في العالم، وفي نفس الوقت أكبر مصدر للمواد الخام إلى الدول الصناعية في العالم.

 

ثم بدا لي أنها لا تحتاج إلى أن توتر علاقتها مع إسرائيل لأجل أمر حصولها عليه لا يتطلب ذلك.

 

ودارت في الذهن رؤى عدة، ولعله يظهر للمتأمل أن غاية ما أرادته بريطانيا هو إيصال رسائل إلى إسرائيل، تدفعها بها وتحثها إلى الأولى، الذي يكفل لها استقراراً أفضلاً، وخلاصة هذه الرسائل:

 

- ليس كل إرهابي يقتل، فما دام الاعتقال والحبس متاحاً فليس من الحكمة اللجوء إلى الاغتيال، خاصة إن كان الاغتيال يثير حفيظة آخرين ويهيء جمهوراً عريضاً لحمل أفكار المقتول والسير على منهاجه.

 

- إن سياسة اغتيالاتكم هذه تبرر لكثير من المسلمين الذين دأبوا على استنكار قتل السياسيين والآمنين مراجعة نظرتهم تلك، على الأقل تدفعهم لتبرير أفعال الإرهابيين بأنها من قبيل المعاملة بالمثل. وبمثل تنديدنا هذا يمكن أن نصف فعلهم إذ ذاك بالإرهاب، ونعاملهم معاملة الإرهابيين دون أن نوصف بازدواجية تثير شارعنا.

 

- إن الاغتيالات في سياستنا ـ الأوربية ـ ليست منهجاً مرضياً، فهي لا تحقق أهداف القاتل، ولا تنصر أفكاره وآراءه، بل ربما على العكس من ذلك تماماً، ولهذا لجأنا إلى التغريب منذ زمن فقتل بنيات الأفكار، أنجع وأسهل من قتل الرجال!

 

وباختصار فإن التنديد الأوربي مع إبقائه حماس في أعلى قائمة الإرهاب، لا يمكن أن يفسر إلاّ على ضوء النصيحة التالية: "يا شارون لم تحسن التصرف، فما فعلته ليس في مصلحتنا ولا في مصلحة إسرائيل"، وما دام الخلاف في تقدير مصلحة ومفسدة فالخلاف يسير.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply