ربح البيع


 

بسم الله الرحمن الرحيم

في تاريخ الأمم والشعوب رجال يبنون حاضرها، ويصنعون مستقبلها، ويسطرون تاريخها وأمجادها

أجل رجال هاماتهم كالجبال، يحملون هموم الأمة على كواهلهم وصدورهم، ويعانقون الموت من أجلها ماضين في سبيل كرامتها ورفعتها وعزتها بعزيمة وجد وإباء، غير مبالين ولا ملتفتين للوراء شاخصين بأبصارهم متطلعين نحوالسماء، من هؤلاء القائد المجاهد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي - رحمه الله - وأسكنه فسيح جناته وعوض أمتنا خيراً بأمثاله.

- رحمه الله تعالى - لقد قضى شهيداً ونال مبتغاه وحقق ما تمناه في حواصل طير ٍ,خضرٍ, مستمتعاً برياض الجنة وأنهارها، متنعماً في رزقها وخيراتها، مستبشراً بالذين لم يلحقوا بهم من بعدهم ألا خوف عليهم ولاهم يحزنون.

لقد حيا ونال الشهادة، ومات آخرون وهم أحياء، فلا نامت أعين الجبناء.

لقد أكرمه الله - سبحانه وتعالى- بها، ونال الرضوان إن شاء الله، ولا نزكي على الله أحداً.

مذ كان شاباً في أرض الكنانة، دارساً على مقاعد جامعاتها، ليلتقي هناك بأحبابه وإخوانه وتتعانق الأرواح بالأرواح، وتمتزج الأنفاس بالأنفاس، لترتص الأيدي متعاهدةً على نصرة دينها، ماضية في سبيل الله لأجل ذلك بعزيمةٍ, وهمَّةٍ, وتصميمٍ, مردِّدةً.

 

الكفُوف في الكفُوف فاشهدوا عهودنـا *** الثـَّباتُ في الصٌّفوف والمضـاءُ والفـنا

المئـونَ والألـوف فـديـةٌ لدينـنا *** وعلى شبا السِّيوف نسـتردٌّ مجدنـا

بالكتاب شرعةً..... والرسول قدوةً..... واليقين عدةً..... واليقين عدةً.....

في حماك ربَّنا..... في سبيل ديننا..... لا يروعنا الفنا..... فتولى نصرنا.....

واهدنا إلى السَّنَن..... واهدنا إلى السَّنَن.

 

لقد كانت الغربة أثنـــاء تلقيه علوم الطب في أرض الكنانة مدرسةً عظيمةً له، صقلت نفسه، وهذَّبت روحَه، وأثرت خبرته ومعرفته، ليعود بعدها إلى غزة هاشم طبيباً أخصائياً ممارساً فيها مهنته الإنسانية دون أن ينسى للحظة ما عاهد الله عليه من حمل أعبـــاء الدعوة، وقضيته الأولى فلسطين أولى القبلتين وثالث الحرمين أرض الكرامة والأنبيـــاء، ومهد الحضارة والأصفياء الأرض المباركة إلى يوم الدين.

فكان أن أسس مع شيخ فلسطين القائد الشهيد أحمد ياسين - رحمهم الله - تعالى - حركة حماس مع ثلة من إخوانهم ليعتقلا بعدها ويكونا معاً في زنزانةٍ, واحدةٍ, بتهمة تأسيس حركة حماس لتبدأ مدرسة السجن والثبات والإعداد والتربية مع شيخ فلسطين لتزيد من تألقه، وتثري في خبرته ثم ليكون بعدها النفي بعد السجن إلى مرج الزهور في جنوب لبنان لتبدأ رحلةٌ جديدةٌ له في مخيمٍ, ومعسكرٍ, كشفيٍ, تربويٍ, عظيم لتلك العصبة المؤمنة وكأنما يهيئون لدور أكبر ومرحلة أعظم يصنعونها هم في تاريخ الأمة يُعدٌّها الله - سبحانه وتعالى- لهم وقد أوتي الشهيد البطل منذ شبابه مفاتيح الشعر والحكمة، ورهافة الأحاسيس والمشاعر، وبرع بفنون البلاغة والخطابة ما جعله الناطق الرسمي باسم إخوانه في مرج الزهور.

ذاك المرج الذي فاح أريجه، وفوَّح عطره بالدماء الزاكية التي أريقت عليه وتخضَّبت بتربته والتي أخرجت الصهاينة وأعوانهم منه ذليلين صاغرين أمام ضربات المقاومة وهم يجرجرون أذيال الهزيمة ممرغين أسطورة تفوق الجيش الصِّهيَوني في التراب ليعود بعدها بعد ضغوط دولية إلى غزة هاشم أصلب عوداً، وأقوى عزيمة، وأشدَّ شكيمةً بهمةٍ, كالرَّواسي لا تتزعزع ولا تخور بل تنفث العزيمة والهمَّة فيمن حوله، وتلقي الثبات واليقين فيمن يخاطبه.

وكلمة حقٍ, أقول إني كلما استمعت إلى الدكتور الرنتيسي ونبراته عبر الفضائيات كلما أكبرت هذا الرجل، وزادت مكانته عندي لأنك ترى فيه ليثاً هصوراً ومتحدثاً بارعاً يتكلم بحجة، ويتحدث بمنطق، ويخطب مالكاً عقول سامعيه، تلمح بريق العزَّة في عينيه، وتلقى نظرات التَّحدي في بؤبؤيه، وفي منطقه العزيمة والتَّصميم، وفي خطواته الكرامة والإباء مجسداً بمقابلاته وشعره، ونبراته ونثره قوله - سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم

((ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين)) آل عمران.

لقد كان بتصريحاته وبياناته أقوى من مدافع الجيوش العربية، ومن كلماته تتطاير قذائف الحق شرراً على أعدائه ونوراً على إخوانه كأنه يحمل مشعلاً مضيئاً ينير الدرب في الزمن الصعب.

وكأني أراه ليس الناطق الرسمي كما كان لإخوانه في مرج الزهور في منفاه، وليس كما كان أيضاً في الوقت القريب زعيماً لحماس في غزة بل كأنه الناطق الأوحد للشعوب العربية والإسلامية يتحدَّثُ بهمِّها ويتكلَّم بقضِّيَّتها منافحاً عن الأمة وأقداسها، مدافعاً عن عقيدتها وأقباسها، نافخاً فيها روح الكرامة والعزة.

حقاً لقد كانت كلماته أوقع عليهم من نيران القذائف وآلم عليهم من أسنَّة الرماح، وأشد قطعاً من شبا السيوف لهذا وذاك حاولوا اغتياله أكثر من مرة حتى قضى شهيداً.

وهذه سنة الدعوات، وضريبة الخلود والجنات.

((أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين)) 141 آل عمران

فقد توقع ما كان، وتشرف بنيل الشهادة، وحقَّق ما تمنَّاه، كان يردد دائماً..

إننا مشاريع استشهاد ولبنات كرامة لهذه الأمة.

أجل إن شجرة الكرامة تروى بالدم وتسقى بالأحمر القاني وما أجمل ما قاله أمير الشعراء:

 

دم الشهداء تعرفه فرنسا *** وتعلم أنه نور وحـق

 

وللحرية الحمـراء باب *** بكل يد مضرجة يدق

إن هذه الدماء المراقة والأشلاء المبعثرة هي التي ستروي شجرة العزة والكرامة لأمتها وتسطر لها الأمجاد والفخار، لقد قضى ومضى شهيداً، وقدم إلى ما قدَّم، مسطراً ملحمة الخلود.

فهنيئاً له المنزلة، وهنيئا له الكرامة، وهنيئاً له المقام، والله - سبحانه وتعالى- يقول: ((إن يمسسكم قرحٌ فقد مسَّ القوم قرحٌ مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين وليمحص الله آمنوا ويمحق الكافرين)) 140-141 آل عمران

أجل مكانة الشَّهادة عظيمةٌ هي ارتقاءٌ وانتقاء ٌ.. واحتفاءٌ واصطفاءٌ..

فلا نامت أعين الجبناء..... ولا قرت أعين الخانعين..... ولا نطقت ألسنة المتخاذلين الصامتين وصدق المولى - سبحانه - ((إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنَّ لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم)) التوبة 111

 

ربح البيع يا أبا محمد.... ربح البيع.... فهنيئاً لكم دار الكرامة والخلود.... جمعنا الله بكم في مستقر رحمته، وعلى النهج سائرون بإذن الله .

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply