من المسؤول عن دم الرنتيسي؟


 

بسم الله الرحمن الرحيم

في أقل من شهر واحد استشهد قائدان عظيمان من قادة الجهاد المبارك، أولهما: الشيخ أحمد ياسين (مؤسس حركة حماس)، وثانيهما: الدكتور عبد العزيز الرنتيسي (أبرز مؤسسي الحركة مع الشيخ)، وقد اختار الله - تعالى - الشهيدين ليهنآ بجنته - إن شاء الله - وليتركا المجال للأمة كي تضيق بها الأمور، وتزداد عليها الخطوب، وليتحكم في مصائرنا من لا خلاق لهم في الدنيا والآخرة إن هم استمروا على ذلك.

بين عبدة الفكر الصهيوني وخدامه، وبين عبدة الكرسي والشهوة الذين لا هَمَّ لهم إلا دنياهم، ضاربين بمصالح من استرعاهم الله - تعالى- عرض الحائط، مادين أيديهم للكفر البواح في أذل صورة لأناس تسموا بالمسلمين والإسلام لا يجاوز حناجرهم، ولأنهم ما عاشوا الإسلام فهو أبعد شيء يفكرون فيه، ولو فكروا فيه ما فكروا إلا في القضاء على من رفع لوائه، وجعله دستور حياتهم خوفاً على كرسيهم الملعون.

لن نطالب حكامنا أن يقاطعوا إسرائيلº لأنهم أقل من أن يفكروا في هذا، فضلاً عن أن ينفذوا حرفاً من هذا الكلام، لن نطالبهم أن يغلقوا سفاراتهم في دولة الاحتلالº لأنهم أجبن من أن يفعلوا هذا، لن نطالبهم أن يفكروا في استعادة شيء من كرامة الأمة التي ضيعوا كرامتها واستباحوا بيضتها، ونكسوا أعلامها، وأذلوا أهلها ناسين أنهم بنو قومهم وعشيرتهم، وأنهم يأكلون من خيرها ويعيشون على أرضه، ويحكمون، أقصد يستذلون شعبها، جاعلين قبلتهم نحو تل أبيب، وإن بدا أنها شطر البيت الأبيض الحرام فما عاد بيت الله محرماً، بل تحول التحريم نحو أمريكا وإسرائيل لتكون نسيئة العصر الحديث و"إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفرِ" (التوبة: من الآية37).

إن ما يحدث في أرض فلسطين والعراق وأفغانستان ما كان يحدث لو كان في العرب شبه رجولة، وإذا استذل كبار القوم فماذا ينتظر لمصير صغارهم؟

إن ترك عبادة الله - تعالى - إلى ترك عبادة الكرسي تأتي لنا بالعجائب، فيصبح الحق باطلاً والباطل حقاً، فميدان الجهاد في سبيل الله، ويعد نوعاً من الإرهاب الذي يجب أن يقاوم، ولا بأس أيضاً من باب الضحك على الشعوب أن يدان الكفر مع الإيمان، حتى يبدو أنهما يستويان، وإن كانا لا يستويان فهم عند أصحاب الكراسي لا يستويانº لأن الجهاد يجب أن يموت، أما الكفر الإنساني وقتل المستضعفين يجب أن تحيا دولتهم، ويرفع شأنهم، وأن يجلس معهم على الموائد، وأن يبتسم في وجوههمº لأنه في شريعة الكرسي تبسمك في وجه عدوك صدقة.

إن الصهاينة ما اغتالوا الشيخ ياسين وما اغتالوا الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، وإنما اغتيل شهداء الأمس واليوم، بل وشهداء الغد بأيدي خونة قومنا، الذين دلوا الصهاينة على أماكنهم، والذين مكثوا معهم يساعدونهم فيما يخططون له، ويجعلون عداءهم للمنظمات الجهادية كعداء أمريكا والصهاينة لهم: "يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَولِيَاء بَعضُهُم أَولِيَاء بَعضٍ, وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُم فَإِنَّهُ مِنهُم إِنَّ اللّهَ لاَ يَهدِي القَومَ الظَّالِمِينَ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأتِيَ بِالفَتحِ أَو أَمرٍ,مِّن عِندِهِ فَيُصبِحُوا عَلَى مَا أَسَرٌّوا فِي أَنفُسِهِم نَادِمِينَ وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَـؤُلاء الَّذِينَ أَقسَمُوا بِاللّهِ جَهدَ أَيمَانِهِم إِنَّهُم لَمَعَكُم حَبِطَت أَعمَالُهُم فَأَصبَحُوا خَاسِرِينَ يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرتَدَّ مِنكُم عَن دِينِهِ فَسَوفَ يَأتِي اللّهُ بِقَومٍ, يُحِبٌّهُم وَيُحِبٌّونَهُ أَذِلَّةٍ, عَلَى المُؤمِنِينَ أَعِزَّةٍ, عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَومَةَ لآئِمٍ, ذَلِكَ فَضلُ اللّهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ إِنَّمَا وَلِيٌّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزبَ اللّهِ هُمُ الغَالِبُونَ يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُم هُزُواً وَلَعِباً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلِكُم وَالكُفَّارَ أَولِيَاء وَاتَّقُوا اللّهَ إِن كُنتُم مٌّؤمِنِينَ" (المائدة: 51- 57). 

إن دم الشيخ ياسين، والدكتور الرنتيسي، ويحيى عياش، وغيرهم من أبناء الشعب الفلسطيني في رقبة من مد يده لصهاينة اليهود، وجلسوا معهم على مائدة المفاوضات، ووقعوا معهم الاتفاقات التي سلمت لهم الأرض المغتصبة، واعترفوا بكيانهم الظالم، وتعاونوا معهم اقتصادياً وسياسياً وأمنياً وثقافياً وفنياً وعسكرياً، وجعلوا دولة القتل وسفك دم الأبرياء دولة صديقة، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما أخرجه أبو داود والترمذي عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: "الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل".

إن الأقنعة الزائفة قد سقطت منذ زمن، ولكنها لم تكشف أو لم يؤذن لها بالكشف إلا بعد أن حقق أعداؤنا ما صبوا إليه، وهيؤوا الجو لظهور الأقنعة الزائفة لتري الأمة مكانتها وحقيقتها، وأنها أصبحت هملاًَ لا قيمة لها، وكأنهم يخرجون ألسنتهم يغيظون به قلوب قوم مستضعفين.

إن الدكتور عبد العزيز الرنتيسي نحسبه شهيداً عند الله - تعالى - ما مات ولا مات كل الشهداء، وإنما متنا يوم أن استشهدوا، فكان استشهادهم تأكيداً لموتنا وضعفنا وخورنا شعوباً وحكاماً ما دمنا لا نستطيع حراكاً، ولا نستطيع تغييراً في حياتنا، فماذا ننتظر من أعدائنا؟

إن العدو لا ينتظر منه إلا ما نراه، وهو معنا في معركة، فنحن لا نعتب على الصهاينة ولا الأمريكان، وإنما نعتب على أنفسنا ومن تولوا أمرنا، فلا هم اتقوا الله - تعالى - فينا، ولا نحن أجبرناهم على تقواه أو الخوف منا ومراعاة مصالحنا، بل أضحينا نصفق لكل من تولى أمرنا ولو كان رأس المفسدين وأول المخربين.

ولن تزال الأمة مأسوفاً عليها، هينة على أعدائها مادام هذا حالها، وما ترك شعبها حكامها يفعلون ما يشاؤون.

إننا قتلنا شهداءنا يوم أن عصينا ربنا، ومكنا عدونا منا بذنوبنا، واستحللنا ما حرم الله، وبارزنا الله - تعالى - بالمعاصي، وقتلنا قلوبنا، فلما قتلنا قلوبنا سهل على أعدائنا قتلنا.

إننا لا نحزن على فراق ياسين أو الرنتيسي أو غيرهما، فهؤلاء هم الرجال حقاً، وإنهم شهداء عند ربهم - إن شاء الله -، وقد قال الله - تعالى - في جزاء الشهداء: "وَلاَ تَحسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَموَاتاً بَل أَحيَاء عِندَ رَبِّهِم يُرزَقُونَ. فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضلِهِ وَيَستَبشِرُونَ بِالَّذِينَ لَم يَلحَقُوا بِهِم مِّن خَلفِهِم أَلاَّ خَوفٌ عَلَيهِم وَلاَ هُم يَحزَنُونَ. يَستَبشِرُونَ بِنِعمَةٍ, مِّنَ اللّهِ وَفَضلٍ, وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجرَ المُؤمِنِينَ" (آل عمران: 169، 170).

فإن كنا نظن الشهداء أمواتاً فهم أحياء بنص القرآن، وإن كنا نحزن عليهم فهم في فرح واستبشار، وإن كنا من عدونا خائفين فهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

إن كل ضيق يأتي للأمة سيكون بعده فجر جديد، وحين سمعت خبر استشهاد الدكتور الرنتيسي تذكرت قول الله - تعالى -: "حَتَّى إِذَا استَيأَسَ الرٌّسُلُ وَظَنٌّوا أَنَّهُم قَد كُذِبُوا جَاءهُم نَصرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدٌّ بَأسُنَا عَنِ القَومِ المُجرِمِينَ" (يوسف:110)، فلا يظن أن كثرة سقوط الشهداء دليل على انهزام الأمة مادامت في طريق الجهاد، بل كلما سقط شهيد اقترب النصر على أعدائنا.

إن سنة التدافع من سنن الله - تعالى - في الكون، ولا يضير الأمة أنها تهزم مرة أو أكثر، أو تفقد أعز أبنائها فقد فقدت من هم خير منهم صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن لترفع الأمة الخيانة الخفية والخيانة المعلنة، ولتكن أمة واحدة حتى تكون أهلاً لنصر الله - تعالى -.

وإن من رحمة الله - تعالى - علينا أن يتأخر النصرº لأننا لسنا من أهله، ولأن المسلمين ليسوا مؤهلين لأن يهبهم الله - تعالى - نصره، إن النصر يحتاج إلى إيمان صادق، وأخوة وثبات وجهاد واستشهاد، فما دام الإيمان غائباً، فالنصر معلق لحين مجيء الإيمان الغائب "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَستَخلِفَنَّهُم فِي الأَرضِ كَمَا استَخلَفَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِم وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُم دِينَهُمُ الَّذِي ارتَضَى لَهُم وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعدِ خَوفِهِم أَمناً يَعبُدُونَنِي لَا يُشرِكُونَ بِي شَيئاً وَمَن كَفَرَ بَعدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ" (النور:55).

فلا تبكوا الرنتيسي، ولكن ابكوا على الأحياء الأموات، ابكوا على من ماتت قلوبهم وضمائرهم، فما أخر نصر الله إلا بسببنا، وإن الله - تعالى - قد وعد بالنصر على أن يأتي جيله ويأخذه قومه، فالنصر يعرف أهله وهو ينتظرهمº وإنه ليشتاق إليهم، فمتى رآهم عانقهم وكساهم، ولكنه في الانتظار جالساً على كرسيه ليكون النصر المنتظر الحزين "كَتَبَ اللَّهُ لَأَغلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيُّ عَزِيزٌ" (المجادلة:21).

والمؤمل من الشعوب أن تتحرك هي بنفسها، وأن تحيي ذاتها بذاتها، وأن تقوم بنوع من الضغط الشديد على ولاة الأمور أن يفيقوا من سباتهم، وأن يعرفوا عدوهم من صديقهم، فالعدو هو من أذلهم وأخافهم على كرسيهم، أما الشعوب فهي ترضى لهم أن يبقوا كما هم على أن يتقوا الله - تعالى - فيهم، وأن يقوموا على شؤونهم، وأن يخافوا على أوطانهم، وأن يحبوا شعوبهم بدلاً من أن يظنوا أن في شعوبهم العدو الأول لهم.

إننا في حاجة إلى ترتيب البيت الداخلي، ولن يعيده إلا الشعوب المسلمة، وأن ينزعوا الخوف والهلع من أنفسهم، وأن يعرضوا على حكامهم أن يكونوا على مستوى مسؤوليتهم، وأن يقربوا المصلحين منهم يساعدونهم على أداء رسالتهم، فإن ما تمر به الأمة مدة عصيبة لا يمكن أن تبقى بالشكل الراهن الآن، وإلا فقد حكمنا على أنفسنا شعوباً وحكومات بالموت والفناء، وما أظن أن دعوات إقامة الديمقراطية بالطريقة الأمريكية إلا تهديداً لخلخلة الكراسي أن تميد بأصحابها.

رحم الله شهداءنا، فقد كشفوا لنا حقيقة حجم هذه الأمة، وموقف الدول حكاماً وشعوباً، فقد علمونا في حياتهم وعلمونا بعد مماتهم كيف تكون صناعة الحياة.  

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply