بابا الفاتيكان : جرحتَ عقيدة المسيح . . بجُرحك عقيدة محمد


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 
«العقيدة المسيحية تقوم على المنطق، بينما الإرادة الإلهية في العقيدة الإسلامية لا تخضع لحكم العقل.ولذا انتشر الإسلام بالسيف لا بالاقتناع العقلي، والنبي محمد لم يأت إلا بما هو سيئ وغير إنساني».. هذه هي خلاصة ما قاله بابا الفاتيكان عن عقيدة الإسلام ومنهجه ونبيه.

والطعنة (البابوية) غائرة الجرح، شديدة الإيلام، فادحة الإساءة لـ25 % من سكان الكوكب الأرضي من بني آدم.

وعلى الرغم من ذلك، سنلتزم الهدوء والصبر وتحمل الأذى، ونجادله ـ ومن معه ـ «بالتي هي أحسن» ـ كما أمرنا إسلامنا ـ: «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن».. وبالمناسبة فإن منهج المجادلة بالتي هي أحسن ـ الذي شرّعه دين محمد ـ إنما هو موقف عقلاني من حيث أن الحجاج العقلي، والحوار المنطقي، لا يصحان ولا يثمران إلا في مناخ هادئ رصين سمح متفتح عليم يتجرد فيه الأمر للبراهين والأدلة وحدها بدون انفعال متعصب.. ومجادلة عظيم الكاثوليك في العالم تتركز في ثلاث:

أ ـ العلاقة بين العقيدة والعقل.

ب ـ دعوى انتشار الإسلام بالسيف.

ج ـ دعوى أن النبي محمد لم يأت إلا بما هو سيئ وغير إنساني.

أولا: قارن البابا بين العقيدة المسيحية وبين العقيدة الإسلامية، فادعى أن الأولى تقوم على المنطق، وأن الثانية منافية لأحكام العقل. وقد قال ـ فيما يتعلق بعقيدة الإسلام ـ: «إن الإرادة الإلهية في العقيدة الإسلامية لا تخضع لمحاكمة العقل».. وهذا تصور خاطئ لـ(الالوهية ذاتها)، وليس لعقيدة الإسلام فحسب، ولو صدر عن ملحد لهان الأمر لأن للإلحاد مقولاته المعروفة.. أما أن يصدر هذا التصور عن (رجل دين) يؤمن بالله وقدرته ومشيئته وإرادته فهذا هو مبعث العجب، بل مبعث الفجيعة.

إننا نحسب أن البابا يؤمن بأن الله جل ثناؤه (أراد) أن يخلق إنسانا من أم فقط، أي بلا أب، وانه - سبحانه - تجلى بإرادته المطلقة فخلق عيسى ابن مريم من أم دون أب:

أ ـ «إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون».

ب ـ «إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين. ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين. قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يفعل ما يشاء إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون».

بهذا الـ(كُن).. بهذه الكلمة: (وفي البدء كانت الكلمة كما يقول الإنجيل).. بهذه الكلمة كان السيد المسيح عيسى ابن مريم - صلى الله عليه وسلم -: كان معجزة في حمله، معجزة في ميلاده، معجزة في نطقه وهو في المهد، وكان نبيا رسولا.

بهذا الـ(كُن) خرق الله جل شأنه سنن الإنجاب العادي وقوانينه، فكيف تكون إرادة الله خاضعة للعقل في هذا الفعل الإلهي؟.. وهل من العقلانية: إخضاع إرادة الله لأحكام ومقاييس عقل خلقه الله؟!

إن من مقاييس العقلانية السليمة الرصينة ـ ها هنا ـ: ألا تقاس إرادة الله وقدرته على إرادة البشر وقدرتهم، لأن القياس إنما يكون بين المتماثلات. وهذا أمر منتف بالنسبة لله - عز وجل -.. ثم إن من المقولات التي تجعل حجة الإلحاد متهافتة: مقولة: قياس قدرة الله بغيرها من قدرات خلقه.. ولذا نتعجب جدا من مقولة البابا «إن الإرادة الإلهية في العقيدة الإسلامية لا تخضع لمحاكمة العقل».

إن العقيدة الدينية في الله وإرادته وقدرته ومشيئته المطلقة هي (عقيدة واحدة) تنزلت بها الكتب جميعا، وهتف بها ودعا إليها الأنبياء والمرسلون كافة: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وسائر إخوانهم «شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه».. وجوهر الدين الذي شرعه الله لهؤلاء الأنبياء جميعا هو: «العقيدة في الله»: وجودا وذاتا وقدرة وإرادة ومشيئة مطلقة.. ومن صميم هذه العقيدة الواحدة الجامعة: أن نؤمن بأن الله (عرّفنا بنفسه) على لسان رسله، وإننا لا نستطيع أن نعرف أسماءه وصفاته بغير هذا المصدر، وأن من العقل: الإقرار بعدم الاستطاعة.

ثانيا.. إن دعوى البابا في نفي العقلانية عن الإيمان في الإسلام إنما هي مجرد دعوى بلا دليل، بل الدليل حاسم على ما يضادها. فالعقل في الإسلام هو مناط التكليف أو مناط الخطاب الديني للمكلفين: «إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك الذي في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون».. وبقدر حظ الإنسان من العقل يكون حظه من الإسلام: فهما وعملا. بل نستطيع أن نقول: إن الإسلام جاء للعقلاء فقط: «كذلك نفصّل الآيات لقوم يعقلون»، فلا دين لمن لا عقل له.

2 ـ بنى البابا دعواه في انتشار الإسلام بالسيف على دعواه بعدم العقلانية في الإسلام، ذلك أن الدين الذي لا يحترم العقل، يتوسل إلى مقاصده بالسيف، لا بالاقتناع.. فهل هذه دعوى صحيحة.. لا.. لا.. بدليل أن المسلمين ما حملوا السيف إلا للدفاع عن وجودهم المعنوي والمادي (وهذا حق مشروع لأمم الأرض جميعا).. وبدليل: ان العلاقة بين الإنسان والله ـ في الإسلام ـ تقوم على الحب، والحب لا يأتي بالسيف قط.. وبدليل ان كل فعل أو أمر يتم بالإكراه إنما هو فعل باطل بيقين في منهج الإسلام.

ولذلك نفى الإسلام نفيا حاسما مؤبدا: الإكراه في الدين، بموجب نص قرآني مدني قطعي ثابت غير منسوخ: «لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي».

3 ـ لندع تلك البراهين كلها التي تدحض دعوى انتشار الإسلام بالسيف، ولنركز على برهان (واقع ماثل) ملموس، يعرفه البابا نفسه تمام المعرفة من خلال التقارير السنوية بل اليومية التي ترصد حركة انتشار الإسلام في العالم. أن البابا يعلم أن ألوف الناس ـ مسيحيين وغير مسيحيين ـ يدخلون في الإسلام، وبطريقة مستمرة، بل انه في الولايات المتحدة نفسها، وبعد أحداث 11 سبتمبر بالذات: يدخل في الإسلام عشرون ألف أمريكي كل عام، معظمهم من الذين ظفروا بحظوظ عالية من التعليم.. فمن ذا الذي أكره هؤلاء بـ«السيف» لكي يعتنقوا الإسلام؟.. لا سيف تم ولا سياف، وإنما هو (الاقتناع الحر): اقتناع العقل الحر واقتناع الضمير الحر، واقتناع اختيار المصير الحر.

إن هذه (الحجة الواقعية) كافية ـ وحدها ـ لنقض دعوى: أن الإسلام قد انتشر بالسيف.

ثالثا: استشهد البابا بمقولة شانئ غابر مقولة: إن النبي محمد لم يأت إلا بما هو سيئ وغير إنساني.. وليس صحيحا أن يقال: إن البابا كان (ناقلا)، (لا مقرا) لهذه المقولة المجردة من كل تهذيب، ذلك أن السياق كله يفيد بأن البابا أوردها مورد (المتبني) لها.. والضمائم الأخرى الآنفة تؤيد ذلك. ومرة أخرى نرتفق منطق المجادلة بالحسنى ونستصحب أقصى درجات الصبر والعقلانية ونسأل: هل (السيئ وغير الإنساني) الذي جاء به محمد هو: الصدق والنبل والحق والجمال والإعجاب وسائر الصور والأساليب البهية التي قدم بها محمد أخاه المسيح عيسى ابن مريم؟

1 ـ هل من السيئ الذي جاء به محمد: التعريف الحق الجميل بمعجزة ميلاد المسيح العظيم ومعجزة ميلاده: «فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا. يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا. فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا. قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا. وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا. وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا. والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا»؟.

2 ـ هل من السوء الذي جاء به محمد: التعريف الكريم الودود بالشخصية الجميلة (الوجيهة) بالسيد المسيح: «إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين»؟.

3 ـ هل من السوء الذي جاء به محمد: التعريف بإعجاز نبوة المسيح ورسالته: «إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيه فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمة والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني»؟

4 ـ هل من السوء الذي جاء به محمد: التعريف بالإنجيل الذي انزله الله على سيدنا المسيح: «وقفّينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين».

5 ـ وهل من السوء الذي جاء به محمد: تمجيد أم المسيح: الصدّيقة مريم والدفاع عنها، ورفع ذكرها في الكتاب وترسيخ اليقين بطهرها:

أ ـ «واذكر في الكتاب مريم اذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا»

ب ـ «وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين».

ج ـ «وأمه صدّيقة»؟

6 ـ وهل من السوء الذي جاء به محمد: أن جعل رسول الإسلام: الإيمان بالمسيح عيسى ابن مريم من أركان الإيمان، ومدخلا إلى الجنة فقال: «من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق ادخله الله الجنة على ما كان من العمل»؟

أي سوء في هذا الجمال والعدل والإنصاف والكمال الذي جاء به محمد ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ؟.. وأي عقل صحيح هذا الذي يحول الحسن إلى قبح، والكمال إلى نقص، وخدمة المسيح ودينه وأمه إلى (إساءات غير إنسانية)؟!

«يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون»؟

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply