أكاذيب بابا الفاتيكان .. تجسيد الحقد الغربي ضد الإسلام


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 
ثمة شواهد كثيرة ويومية تؤكد لدعاة الحوار مع الغرب ومؤيدو ما يطلق عليه بحوار الأديان أن شروطا كثيرة يجب أن تتوفر قبل الانجرار وراء هذه الدعوة الزائفة التي هي في الأصل ووفق منهج خاص دعوة قرآنية..يقول الله- تبارك وتعالى -[ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون] العنكبوت [46].

ونسي هؤلاء أن القرآن الكريم أكد أن هذا الآخر والذي حدد لنا الإسلام معايير ثابتة لطبيعة التعاطي معه سلما وحربا.. يسعى جاهدا إلى أن تظل الأمة الإسلامية في حالة من التخلف والضعف [يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون]... آل عمران [118].. كما أكد أن هذا الآخر لن ينظر إلينا أبدا بعين الرضا [لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير].. سورة البقر [120].

ولعل ما جاء مؤخرا من تصريحات على لسان بابا الفاتيكان أعلى منصب كنسي في الغرب وما تضمنته هذه التصريحات من إساءات بالغة للإسلام ورسوله فيها أبلغ رد يكمم أفواه المخدوعين من أبناء الإسلام بدعوات الحوار, فالتصريحات جاءت هذه المرة على لسان كبير القوم ومرشدهم والذي أعاد بكلماته مقولات عفا عليها الزمن وتم دحضها وإثبات تهافتها مئات المرات من قبل العلماء والمخلصين من أبناء الأمة.

ويعكس بندكت باستمرار ترديد هذه المزاعم حالة الحقد والكره التي لم تخفت أبدا والكامنة في نفوس هؤلاء ضد الإسلام وأهله خوفا من ذلك النجاح والمد الذي يحققه الإسلام يوما بعد يوم في عقر دارهم على الرغم من كل مؤامراتهم وأفعالهم لتشويه صورته ومحاربة دعاته ووصمهم له بـ ' الإرهاب'.

أكاذيب بنديكت:

لم يكن هناك ما يدعو بنديكت خلال محاضرته التي ألقاها في جامعة ريجينسبورج الألمانية والتي درس فيها علم اللاهوت بين عامي 1969 و1977 إلى الحديث عن الإسلام والمسلمين سوى أنها فرصة جيدة يمكن أن يعبر خلالها وأمامه أصدقاؤه وزملاؤه وتلامذته عن حقيقة موقفه من الإسلام. فوجه بنديكت النقد الشديد لمفهوم 'الجهاد' الإسلامي داعيا المسلمين إلى الدخول في حوار للحضارات يكون أساسه اعتبار أن ما يسمى بالحرب المقدسة أو 'الجهاد' مفهوما غير مقبول ويخالف الطبيعة الإلهية وطبيعة الروح.

وزعم بنديكت أن المسيحية ترتبط بصورة وثيقة بالعقل وهو ما يتباين مع أولئك الذين يعتقدون في نشر دينهم عن طريق السيف في إشارة إلى ما ردده بعض المستشرقين عن الإسلام ودعوته وفي محاولة منه للتأكيد على أن هناك تعارض بين الإسلام والعقل.

وحتى يمكنه التنصل من مزاعمه اقتبس بنديكت في كلماته قولا على لسان إمبراطور بيزنطي في القرن الرابع عشر هو مانويل الثاني باليولوجوس الذي كتب في حوار مع رجل فارسي أن النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - جلب أشياء شريرة لا إنسانية مثل أمره بنشر الدين الذي يدعو إليه بالسيف وأن ذلك عمل غير منطقي وعمل غير عقلاني يعتبر ضد طبيعة الخالق.

ويستطيع بنديكت بذلك أن يقول إذا ما اشتد الهجوم عليه لتصريحاته هذه: إنه مجرد ناقل لكلام الغير وأن ذلك ليس كلامه ولا موقفه.

ونسي بنديكت أو تناسى أن صراعا مريرا نشب بين الكنيسة والأوروبيين في العصور الوسطى نظرا للتعارض بين الكنيسة والعلم أسفر عن مقتل عشرات ألآلاف من المتعلمين والباحثين الغربيين فضلا عن تكفير آخرين.

دحض الشبهات:

وكشفت مزاعم بنديكت عن مأزق شديد تعيشه الكنيسة الغربية إزاء هذه الأعداد الكبيرة من أبناء الغرب الذين يدخلون الإسلام سنويا مع كل ما يفعله من أجل وضع حد لهذه القضية, وهو ما دفع ببنديكت وغيره من ترديد المقولات السابقة للمستشرقين الغربيين الذين تعاملوا مع الإسلام بغير موضوعية, ففند علماء الإسلام مزاعمهم فضلا عن قيام مستشرقين آخرين أكثر موضوعية بدحض تلك الشبهات أيضا.

وفي تفنيد من قبل الدكتور محمد عمارة الكاتب والمفكر الإسلامي لدعوى بنديكت قال عمارة: إن تصريحات زعيم الفاتيكان تضمنت أربعة نقاط هي ' العنف والجهاد والعقل وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يأت إلا بما هو سيء ' وهي تحتاج إلى الكثير من الكلام.

ورد الدكتور عمارة على زعم بنديكت للربط بين العنف والإسلام وانتشاره بالسيف بأن كل الغزوات التي خاضها الرسول -صلى الله عليه وسلم- كانت دفاعية ضد الذين فتنوا المسلمين وأخرجوهم من ديارهم ,وكان ضحايا كل هذه الغزوات 386 فقط من الجانبين المسلمين وأعداءهم.

وتساءل الدكتور عمارة: ألا يعلم البابا أن الحروب الدينية المسيحية بين البروتستانت والكاثوليك أبيد فيها ما يقرب من 40% من شعوب أوروبا حتى أن فولتير يحصيها بـ 10 مليون شخص؟.. ألا يعلم البابا أن الكنيسة شنت وعبر قرنين من الزمن ما يسمى بالحملات الصليبية على المسلمين. ألا يعلم أن الفتوحات الإسلامية لم تحدث إلا لإخراج أهله الرومان من الشرق وهذه الفتوحات هي التي حررت الكنائس الشرقية من الاحتلال والاضطهاد؟ ألم يقرأ شهادات القساوسة من يوحنا النيقوسي عن الحملات لإنقاذ النصرانية؟.

وتطرف عمارة إلى ما آثاره بنديكت حول الجهاد الإسلامي مشيرا إلى أن هناك خطأ في المساواة بين الجهاد والقتال والعنف, فالرفق بالحيوان والإنسان والنبات والطبيعة وطلب العلم والإحسان والعبادات ومجاهدة النفس والشيطان كل هذه الأعمال تعد جهادا. في حين أن القتال لا يجوز في الإسلام إلا ضد من يفتنون المؤمنين ويخرجونهم من ديارهم.

ومرة أخرى يلوم الدكتور عمارة كبير الفاتيكان متسائلا.. أليست لدى البابا خريطة ليرى من خلالها القوات العسكرية للدول المسيحية تغطي العالم الإسلامي أو يرى تلك الأساطيل البحرية في البحار والمحيطات.. فمن يغزو ومن يمارس العنف والإبادة؟

واستنكر عمارة أن يجد هذا الجهل الذي ليس له نظير في التاريخ بالإسلام وهو الجهل الذي لا يليق بإنسان عادي فما الحال بمن يحتل مثل هذه المكانة الدينية عند المسيحيين.

من جانبه دعا الدكتور محمد العياشي الكبيسي أستاذ الشريعة في قطر وعبر رسالة بعث بها إلى زعيم الفاتيكان إلى مناظرة علنية ومفتوحة حول علاقة الإسلام بالعلم والعقل على أن يحدد بنديكت الزمان والمكان الملائمان له.

وأكد الكبيسي أن له دراسات في مقارنة الأديان وأنه قرأ التوراة والإنجيل والقرآن فما وجد من كتاب يحض على إعمال العقل ويربط بين الوحي والعقل بقدر ما يفعل ذلك القرآن الكريم فكيف يتم اتهام الإسلام بأنه دين غير منطقي وغير عقلاني معللا أن هذه التصريحات جاءت ربما لأحد سببين: أولهما الجهل الكبير بالإسلام أو التأثر بالأجواء السياسية المشحونة بين الغرب والمسلمين.

محاولات للتبرير:

وفي محاولة للتخفيف من حدة تصريحات بنديكت قال أبوت فولف رئيس المذهب البنديكتيني في أنحاء العالم: إن البابا استخدم حوار مانويل مع الرجل الفارسي ليشير بطريقة غير مباشرة إلى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لتحويل القضية إلى مجرد انتقاد لسياسة إيران الساعية لامتلاك أسلحة نووية, فضلا عن رسائل نجاد التي اعتبرت أنها متعجرفة إلى الرئيس الأمريكي جورج بوش والمستشارة الألمانية انجيلا ميركل.. وبهذا فإن الأمر لا علاقة له بالإسلام ذاته.

فيما قال المتحدث باسم البابا فيدريكو لومباردي: إن بنديكت استخدم آراء الإمبراطور مانويل عن الإسلام لمجرد شرح الموضوع وليس لوصم الدين الإسلامي بالعنف مشيرا إلى أن هذا مجرد مثل, فالجميع يعلم أنه في داخل الإسلام هناك مواقف عديدة مختلفة عنيفة وغير عنيفة والبابا لا يريد إعطاء تفسير للإسلام بأنه عنيف.

وبكل تأكيد فإن مثل هذه التبريرات لن يكون صدى إذ أن هناك مؤشرات كثيرة تدلل على حقيقة الموقف البابوي من الإسلام يأت على رأسها اعتذار الفاتيكان لليهود عن تلك المذابح التي تعرضوا لها بيد مسيحيين بينما رفض قادة الفاتيكان الاعتذار للمسلمين عن قرنيين من الاعتداء على المسلمين خلال الحروب الصليبية فضلا عن قرون أخرى من الاستعمار خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply