الأبتر المقطوع عن كل خير


  

بسم الله الرحمن الرحيم

الحرب على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قديمة قدم التاريخ، وتنوعت في ذلك أساليب أعدائهم ووسائلهم، وكانت السخرية من أبرز أساليبهم تعبيرا عما تكنه قلوبهم من الحقد والحسد والكبر والعناد، فقد سخر المعاندون الأولون من نبي الله نوح - عليه السلام - قال - تعالى -: {ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأِ من قومه سخروا منه (38)} [هود]. وقالوا لشعيب - رضي الله عنه -: {وإنا لنراك فينا ضعيفا (91)} [هود]. ونعتوا الأنبياء بالسحر والجنون والأوصاف التي لا تليق بآحاد الناس، وتوالت سيرهم مع الأنبياء - عليهم السلام - وتتابعت سنن الله - تعالى -فيهم، إذ إن الله - تعالى -يدافع عن الذين آمنوا وهو - سبحانه - ولي الصالحين، ومبطل كيد الكافرين.

 

في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (يقول الله - تعالى -من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة) قال شيخ الإسلام: فكيف بمن عادى الأنبياء ومن حارب الله وإذا استقريت قصص الأنبياء المذكورة في القرآن نجد أممهم إنما أهلكوا حين آذوا الأنبياء وقابلوهم بقبيح القول أو العمل وهكذا بنو إسرائيل إنما ضربت عليهم الذلة وباؤوا بغضب من الله ولم يكن لهم نصير لقتلهم الأنبياء بغير حق مضموما إلى كفرهم كما ذكر الله ذلك في كتابه. ولعلك لا تجد أحدا آذى نبيا من الأنبياء ثم لم يتب إلا وأصابه الله بقارعة من عنده، وقد ذكرنا ما جربه المسلمون من تعجيل الانتقام من الكفار إذا تعرضوا لسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبلغنا مثل ذلك في وقائع متعددة وهذا باب واسع لا يحاط به ولم نقصد قصده هنا وإنما قصدنا بيان الحكم الشرعي وكان - سبحانه - يحميه ويصرف عنه أذى الناس وشتمهم بكل طريق حتى في اللفظ. ففي الصحيحين عن أبي هريرة قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ألا ترون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم يشتمون مذمما ويلعنون مذمما وأنا محمد فنزه الله اسمه ونعته عن الأذى وصرف ذلك إلى من هو مذمم وإن كان المؤذي إنما قصد عينه.

وقد أخبر الله - تعالى -أن مبغض النبي - صلى الله عليه وسلم - أبتر من كل خير، قال - تعالى -في سورة الكوثر: {إن شانئك هو الأبتر (3)} [الكوثر]. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: سورة الكوثر ما أجلها من سورة وأغزر فوائدها على اختصارها، وحقيقة معناها تعلم من آخرها فإنه - سبحانه وتعالى - بتر شانئ رسوله من كل خير فيبتر ذكره وأهله وماله فيخسر ذلك من الآخرة ويبتر حياته فلا ينتفع بها ولا يتزود فيها صالحا لمعاده ويبتر قلبه فلا يعي الخير ولا يؤهله لمعرفته ومحبته والإيمان برسله ويبتر أعماله فلا يستعمله في طاعة ويبتره من الأنصار فلا يجد له ناصرا ولا عونا ويبتره من جميع القرب والأعمال الصالحة فلا يذوق لها طعما ولا يجد لها حلاوة، وإن باشرها بظاهره فقلبه شارد عنها وهذا جزاء من شنأ بعض ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ورده لأجل هواه أو متبوعه أو شيخه أو أو كبيره. فكل من شنأه أو أبغضه وعاداه فإن الله - تعالى -قطع دابره ويمحق عينه وأثره فقوله: {إن شانئك (3)} [الكوثر]. أي: مبغضك والأبتر المقطوع النسل الذي لا يولد له خير ولا عمل صالح فلا يتولد عنه خير ولا عمل صالح قيل لأبي بكر بن عياش: إن بالمسجد قوما يجلسون ويجلس إليهم فقال: من جلس للناس جلس الناس إليه ولكن أهل السنة يموتون ويحيا ذكرهم وأهل البدعة يموتون ويموت ذكرهم لأن أهل السنة أحيوا ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - فكان لهم نصيب من قوله: {ورفعنا لك ذكرك (4)} [الشرح].

وأهل البدعة شناءوا ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -؟ فكان لهم نصيب من قوله: {إن شانئك هو الأبتر (3)} [الكوثر]، وفي قوله: {إن شانئك هو الأبتر (3)}. أنواع من التأكيد أحدها: تصدير الجملة بإن. الثاني: الإتيان بضمير الفصل الدال على قوة الإسناد والاختصاص، والثالث: مجيء الخبر على أفعل التفصيل دون اسم المفعول، والرابع: تعريفه باللام الدالة على حصول هذا الموصوف له بتمامه وأنه أحق به من غيره. ونظير هذا في التأكيد قوله: {قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى(68)} [طه]. وقال ابن كثير: وقوله - تعالى -: {إن شانئك هو الأبتر (3)} [الكوثر]. أي إن مبغضك يا محمد ومبغض ما جئت به من الهدى والحق والبرهان الساطع والنور المبين هو الأبتر الأقل الأذل المنقطع وقال: السعدي: {إن شانئك (3)} [الكوثر]. أي مبغضك وذامك ومنقصك {هو الأبتر (3)} [الكوثر]. أي المقطوع من كل خير، مقطوع العمل مقطوع الذكر. وأما محمد - صلى الله عليه وسلم - فهو الكامل حقا الذي له الكمال الممكن للمخلوقº من رفع الذكر وكثرة الأنصار والأتباع - صلى الله عليه وسلم - وقد أبقى الله ذكره على رؤوس الأشهاد وأوجب شرعه على رقاب العباد مستمرا على دوام الآباد إلى يوم المحشر والمعاد صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم التناد.

 

إن وعد الله حق ومن أبغض رسوله - صلى الله عليه وسلم - أو شيئا مما جاء به، فهو الأبتر المقطوع من كل خير، الممقوت من الله - عز وجل - ومن عباده الصالحين، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون، ومتم نوره ولو كره الكافرون.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply