ردع التطاول على النبي .. أسبقية عقدية ودبلوماسية وإعلامية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه تحية من (نوع مختلف): تحية معجونة بالحقد والكراهية وانتهاك (حقوق الآخر) ـ الذي هو مسلمو العالم ـ أي تحية هذه؟..

لقد نشرت مجلة (مسيحية) نرويجية رسما هازلا ساخرا هازئا (كاريكاتير) لنبي الاسلام  - صلى الله عليه وسلم -  ومتى؟

 

أول أيام عيد الأضحى. بالضبط يوم الثلاثاء 10 ذي الحجة (10 يناير أيضا)، أي في ذات اللحظات التي بدا فيها مسلمو العالم يبتسمون لإشراقة باكورة أيام عيدهم. وكأنّ هذه المجلة ومن وراءها، قد تعمدوا تهنئة المسلمين بتوجيه الإهانة إلى نبيهم المحبوب.. وكانت صحيفة دانماركية قد مارست الفعل ذاته من قبل، بل إن الفعل الثاني (محاكاة) للفعل الأول: وفي كل شهر.

 

ولو كنا (كافرين) بالمسيح عيسى ابن مريم، لطالبنا رسامي الكاريكاتير في العالم العربي الإسلامي برسومات تستهزئ به، بناء على قاعدة (المعاملة بالمثل). ولكن هذا الطلب ممتنع أبدا من حيث أنه (كفران) مبين بالنبي محمد نفسه، - صلى الله عليه وسلم -. فالتفريق بين الأنبياء في الإيمان بهم، بمعنى الإيمان بنبي والكفر بآخر، إنما هو كفر حقيقي وصريح بهم جميعا: «إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض أولئك هم الكافرون حقا واعتدنا للكافرين عذابا مهينا».. يُضم إلى هذا الفيصل الإيماني: موجب عدلي.. وموجب أخلاقي. أما الموجب العدلي فهو أن المسيح  - صلى الله عليه وسلم -  بريء من التهجم على أخيه محمد. وكيف يتهجم عليه وهو الذي بشر بمجيئه: « وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني اسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد».. وأكابر أهل الكتاب كانوا يعلمون هذه الحقيقة ويجهرون بها. فعندما سمع النجاشي القرآن النازل في حق عيسى وأمه مريم، من الوفد المسلم المهاجر إليه قال: «أشهد أنه رسول الله وأنه الذي نجد في الإنجيل وأنه الذي بشر به عيسى ابن مريم».. وحين سمع هرقل ملك الروم، وصف النبي – صلى الله عليه وسلم - من أبي سفيان بن حرب، قال هرقل: «إن يكن ما تقول فيه حقا، أنه لنبي، وقد كنت أعلم أنه خارج».. والإنجيل هو مصدر علم هرقل.. ومن هنا: ليس من العدل: أن يحمّل المسيح مسؤولية ما لم يفعل، وما لم يرض.. وأما الموجب الأخلاقي فهو: أن المسلمين يحملون (مسؤولية أخلاقية) مطلقة ودائمة تجاه الأنبياء والمرسلين.. مسؤولية أخلاقية تتمثل في الدفاع عن مقامهم وجلالهم وكرامتهم وسمعتهم وحقوقهم التي تنبغي لهم. ولذا فإن قاعدة (المعاملة بالمثل) في هذا المقام: معطلة أبدا، بل ملغاة بإطلاق، فلا يحل لمسلم: رسّام أو كاتب أو غير ذلك: أن يهزأ بنبي الله عيسى ابن مريم، ولا بأي نبي آخر.

 

بيد أن استحالة (المعاملة بالمثل) ـ للأسباب العقدية والأخلاقية التي ذكرت ـ لا تعني الصمت وابتلاع الإهانة. فالتطاول السفيه على مقام خاتم الأنبياء والمرسلين، ليس مسألة يمكن الإغضاء عنها، ولا التساهل فيها. ذلك أنها (قضية عقدية مبدئية كبرى) تنتظم منظومة من القضايا التي تُعد كل واحدة منها: أسبقية فكرية وثقافية ودبلوماسية وحضارية.

 

1 ـ قضية: أن عدم وجود (ردع) فكري ودبلوماسي وإعلامي يشجع على ارتكاب المزيد من السفاهات ضد نبي الإسلام.

فبالأمس تطاول سفهاء في الدانمارك. واليوم يتطاول سفهاء في النرويج.. ومن المحتمل أن يتبعهم غيرهم: ما لم يحصل (ردع) فكري ودبلوماسي وإعلامي، يشعر السفهاء ودولهم: أنهم يدفعون ثمنا باهظا بسبب هذا التطاول: «ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض».

 

2 ـ قضية (حق الشعوب المسلمة) في أن يحمي حكامها وقادتها عقائدها ومقدساتها من العدوان، ليس بحرب تقليدية، ولا بحرب نووية. فهذا أمر غير وارد، لا من حيث الإمكان، ولا من حيث الحاجة إليه. وإنما يتعين على قادة الشعوب المسلمة:

أن يحموا عقائدها ومقام نبيها بـ(الطرق السلمية) المستطاعة: بالردع الإعلامي المبرمج.. وبالحركة الدبلوماسية الجادة النشطة، بما في ذلك: الاتصالات المكثفة والاحتجاج بالبيانات الواضحة الحازمة عن طريق السفراء، أو وزراء الخارجية، بالتحرك الجماعي أو الفردي.

 

3 ـ قضية (الاستفادة) من اليهود في مواقفهم من كل ما يمس مقدساتهم ومعظماتهم.. نعم. على المسلمين أن يتعلموا من اليهود في هذا المجال: أن يتعلموا منهم (يقظة الذاكرة)، ورهافة الحس، وسرعة المبادأة. طبعا مع إسقاط (الزوائد الباطلة) مثل الدس والمبالغة والافتراء والابتزاز والانتقال من (حق الدفاع عن النفس) إلى (باطل ظلم الآخرين).

ثمة ما يشبه (الحصانة) لكل ما هو يهودي في عالمنا هذا.. وبلوغ هذا المستوى من التقدير لكل ما هو يهودي، لم يأت بلا جهد.. وإنما تحقق بـ:

أ ـ وضوح الهدف.

ب ـ الايمان الراسخ بالقضية.

جـ ـ النشاط المتدفق الوثاب.

د ـ التناغم في حركة الفريق: جيئة وذهوبا، دفاعا وهجوما، تركيزا لجهد الذات، أو تشتيتا لجهد الفريق المقابل المنازل.. وبديه أن اليهود لا تؤيدهم الملائكة، وليس معهم جن سليمان، ولا يعملون بـ (خوارق العادات). ولكنهم قوم آمنوا بقضيتهم، وبذلوا اقصى نشاطهم في خدمتها.. وهذا (نموذج حي) وماثل، يمكن أن (ينشّط) المسلمين: حكاما وشعوبا، وأن يريهم: كيف يكون الدفاع المتصل عن القضايا، مع حذفه مضامين الافتراء والظلم كما قلنا.. وهذا (نوع من الحكمة العملية) الإنسانية التي يتوجب على المسلمين: الانفتاح عليها بثقة، ورؤيتها بوضوح، والتقاطها بذكاء واستثمارها بحرص.. وفي الحديث النبوي الصحيح: «احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز».

 

4 ـ قضية أن الدفاع عن الأنبياء والمرسلين: مضمون كل أساس، ومقصد رئيسي من مضامين القرآن ومقاصده: ومن ذلك: كف الأذى والاستهزاء عن الأنبياء والمرسلين.. مثال ذلك:

أ ـ «وكم أرسلنا من نبي في الأولين. وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزئون. فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين».

ب ـ «يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها».

جـ «والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم».

 

5 ـ قضية: أنه لا قيمة ولا كرامة لأي إنسان: اذا أهين الأنبياء والمرسلون. ذلك أن النبيين هم (قمة النوع الإنساني) وخلاصة رصيد الأنفس والأعلى والأنبل في الطهر النفسي، والسمو الأخلاقي، والتحقق بـ (الإنسانية الكاملة) أو الكمال الإنساني. ومن هنا، فأيما إهانة توجه إليهم ـ ولو في صورة واحد منهم ـ إنما هي إهانة تشمل الناس كافة. فالمتطاول على مكانة (الأعلى) إنسانيا وأخلاقيا. يسهل عليه ـ بداهة ـ انتهاك كرامة من هو أدنى من الأنبياء في هذا المجال.. ومن دون انتقاص من مقامات النبيين، فإن الناس قد تعارفوا على أن إهانة رأس الدولة تعني إهانة الشعب أو الأمة كلها.

 

6 ـ قضية (تقويض) أسس (حوار الأديان) أو حوار الحضارات. فكيف يحاور المسلمون أقواما يسخرون ممن كان سببا في وجودهم المعنوي والمادي، وسببا لسعادتهم في الدنيا والآخرة وهو: نبي الله محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -؟!.. ويتعين أن يتفطن لهذه الحقيقة المنهجية (دراويش) الحوار في الطرف الإسلامي لئلا يجمّلوا وجه من يهدم أسس الحوار بالتطاول على خاتم الأنبياء والمرسلين.. وقد يقال: ليسوا جميعا يفعلون ذلك.. والرد في القضية القادمة رقم (7).

 

7 ـ قضية: سكوت الكنائس ورجالها.. حقيقة: لماذا هذا السكوت؟.. أن أسباب السكوت الطويل: أما عدم العلم بالتطاول على نبي الإسلام.. وهذا احتمال مستبعد.. واما حسبان هذا التطاول أمرا ثانويا هامشيا لا يستحق الاكتراث. وهذا موقف لا يقفه رجال دين: المفترض فيهم تعظيم الأنبياء، أو احترامهم على الأقل.. وأما أن يكون السبب هو الرضى والتواطؤ.. ومن هنا ننفذ إلى القضية الثامنة.

 

8 ـ قضية: أن الرضى بهذا السلوك السفيه: يرفع معدلات (التوتر الديني في العالم، وهو توتر يؤجج التطرف، ويضرب السلام العالمي في مقتل.. نعم. فالسلام العالمي لا تهدده ترسانات السلاح النووي فحسب، بل تهدده (الغام دينية) شديدة الانفجار، تتكون (عبواتها) من التوترات الدينية التي تستمد خميرتها من الغضب العاصف على ما يمس المقدسات ورموزها العليا.. في النمسا نصبت لوحات عليها رسومات تخدش شخصيات أوروبية منها اليزابيث: ملكة بريطانيا، وجاك شيراك رئيس الجمهورية الفرنسية، ولم تكد اللوحات تظهر حتى ماجت بريطانيا وفرنسا وأوروبا كلها بالغضب.. وفي ساعات قليلة أزيلت اللوحات المسيئة.. فهل يتصور عاقل: أن غضب المسلمين لنبيهم أقل من غضب الإنجليز والفرنسيين لملوكهم ورؤسائهم!.

 

9 ـ قضية: نقض (الدروشة) في رفع الشعار المستهلك: شعار (الآخر). فقد اندفع أناس من المسلمين يرفعون هذا الشعار رفعا جلدوا به الأمة العربية الاسلامية بحسبانها هي (الرافض) الاعظم للآخر. ولسنا ننفي ان بيننا غلاة يفعلون ذلك. لكن جلد الامة كلها بسبب هذه التهمة، سلوك فيه من الافتراء والبهتان والجور ما فيه، بدليل ان هذا الآخر الذي يتباكون عليه لأنه منبوذ وغير معترف به.. هذا الآخر نفسه يمارس ضد المسلمين: النبذ...والاقصاء.. والكراهية.. والحقد.. والعداوة، والتطاول على نبيهم.. والغريب العجيب المريب: ان الذين رفعوا أصواتهم عالية جدا:دفاعا عن (حق الاخر): التزموا الصمت المطبق تجاه هذا (الآخر): الكاره، النابذ، المقصي، المعتدي!!!

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply