كما تكونوا يولى عليكم


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :

كَـمَـا تَـكُـونُـوا يُـولَّـى عَـلَـيْـكُـم


نسمع كثيرا عبارة : " كَـمَـا تَـكُـونُـوا يُـولَّـى عَـلَـيْـكُـم " 
فهل هذه العبارةُ حديثٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ 
وما درجته إن كان حديثا نبويا من جهة الصحة والضعف ؟ 
جاءت هذه العبارة مرفوعةً إلى النبي صلى الله عليه وسلم من طريقين :

1-            الـطـريـق الأولـى : 
روى القضاعي في مسند الشهاب (1/336) من طريق الكرماني بن عمرو ، ثنا المبارك بن فضالة ، عن الحسن ، عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ثم كما تكونون يولى أو يؤمر عليكم . 
وفي هذا السند المبارك بن فضالة ، قال الحافظ ابن حجر في التقريب : صدوق يُدلِّس ويُسوي . وتدليس التسوية من أسوء أنواع التدليس . 
وقد تكلم عدد من أهل العلم في روايته عن الحسن البصري . 
قال نعيم بن حماد عن عبد الرحمن بن مهدي : لم نكتب للمبارك شيئا إلا شيئا يقول فيه : سمعت الحسن . وفي هذا السند لم يقل المبارك بن فضالة : حدثنا . 
قال المناوي في فيض القدير عن هذا السند (5/47
قال ابن طاهر : والمبارك وإن ذكر بشيء من الضعف فالعمدة على من رواه عنه فإن فيهم جهالة .ا.هـ
وقال الحافظ ابن حجر في تخريجه لأحاديث الكشاف (1/345
رواه القضاعي في مسند الشهاب وفي إسناده إلى مبارك مجاهيل .ا.هـ
وقال العجلوني في كشف الخفاء (2/166) : وأخرجه ابن جميع في معجمه ، والقضاعي عن أبي بكرة بلفظ : يولى عليكم بدون شك ، وفي سنده مجاهيل .ا.هـ.

2-            الـطـريـق الـثـانـيـة : 
رواها الديلمي في مسند الفردوس ، والبيهقي في " الشعب "كما رمز له السيوطي في الجامع الصغير ، وذكر سنده المناوي في فيض القدير (5/47) فقال :
( فر ) وكذا القضاعي كلاهما من حديث يحيى بن هاشم عن يونس بن أبي إسحاق عن أبيه عن جده عن ( أبي بكرة ) مرفوعا . قال السخاوي : ورواية يحيى في عداد من يضع .
هب ) من جهة يحيى بن هشام عن يونس بن إسحاق ( عن أبي إسحاق عمر بن عبد الله السبيعي مرسلا ) بلفظ : كما تكونوا كذلك يؤمر عليكم ، ثم قال : هذا منقطع ، وراويه يحيى بن هشام ضعيف .ا.هـ
وقال العجلوني في " كشف الخفاء " (2/166
قال في الأصل : رواه الحاكم ، ومن طريقه الديلمي عن ابي بكرة مرفوعا ، وأخرجه البيهقي بلفظ : يؤمر عليكم . بدون شك ، وبحذف أبي بكرة ؛ فهو منقطع .ا.هـ
وأورد هذا الحديث السيوطي في الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة (ح 329) فقال : 
حديث : " كما تكونوا يولى عليكم " . 
ابن جميع في " معجمه " من حديث أبي بكرة ، والبيهقي في " الشعب " من حديث يونس بن أبي إسحاق ، عن أبيه مرفوعا ، ثم قال : هذا منقطع
قال الشيخ محمد لطفي الصباغ محقق الدرر في الحاشية : ضعيف
وأورده أيضا المُلا علي القاري في الأسرار المرفوعة ( ح 281) ، والشوكاني في
 الفوائد المجموعة ( ح 624) وقال في إسناده وضاع وفيه إنقطاع .ا.هـ
وجاء في تذكرة الموضوعات : في سنده انقطاع وواضع هو يحيى بن هاشم ، وله طريق فيه مجاهيل .ا.هـ
وقال الزرقاني في مختصر المقاصد الحسنة ( ح 772) : ضعيف . 
وقد ذكر الحديث العلامة الألباني في الضعيفة (320) ، وضعيف الجامع (4275) ، والمشكاة (3717( وقال : ضعيف .

أثـرٌ عـن الـحـسـن الـبـصـري : 
قال السخاوي في المقاصد الحسنة عند حرف الكاف : 
وعند الطبراني معناه من طريق عمر وكعب الأحبار والحسن فإنه سمع رجلاً يدعو على الحجاج فقال له : لا تفعل إنكم من أنفسكم أتيتم ، إنا نخاف إن عزل الحجاج أو مات أن يستولي عليكم القردة والخنازير ، فقد روي أن أعمالكم عمالكم ، وكما تكونون يولى عليكم . 
وقد بحثت عنه في معاجم الطبراني بهذا اللفظ فلم أجده .

فـوائـدُ فـي ثـنـايـا الـبـحـث :

1-            الــفــائــدة الأولــى : 
قال العجلوني في كشف الخفاء (2/166) : وفي فتاوى ابن حجر : وقال النجم : روى ابن ابي شيبة ، عن منصور بن أبي الأسود ، قال سألت الأعمش عن قوله تعالى : " وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا " [ الأنعام : 129 [ ما سمعتهم يقولون فيه ؟ قال : سمعتهم إذا الناس أمر عليهم شرارهم . 
وروى البيهقي عن كعب قال : إن لكل زمان ملكا يبعثه الله على نحو قلوب أهله ؛ فإذا أراد صلاحهم بعث عليهم مصلحا ، وإذا أراد هلاكهم بعث عليهم مترفيهم .ا.هـ
أما أثر الأعمش فقد رواه أيضا أبو نعيم في الحلية (5/51(

2-            الــفــائــدة الــثــانــيــة : 
قال العلامة الألباني في الضعيفة (320) بعد تخريجه للحديث : 
ثم أن الحديث معناه غير صحيح على إطلاقه عندي ، فقد حدثنا التاريخ تولي رجل صالح عقب أمير غير صالح والشعب هو هو .ا.هـ

3-            الــفــائــدة الــثــالــثــة : 
قال الطرطوشي في سراج الملوك ( ص 197
الباب الحادي والأربعون في " كما تكونوا يولى عليكم " . 
لم أزل أسمع الناس يقولون : " أعمالكم عمالكم كما تكونوا يولى عليكم " إلى أن ظفرت بهذا المعنى في القرآن قال الله تعالى : " وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا " [ الأنعام : 129  [، وكان يقال : ما أنكرت من زمانك فإنما أفسده عليك عملك . 
وقال عبد الملك بن مروان : ما أنصفتمونا يا معشر الرعية ، تريدونا منا سيرة أبي بكر وعمر ولا تسيرون فينا ولا في أنفسكم .....ا.هـ

4-            الــفــائــدة الــرابــعــة : 
استدل بعض أهل اللغة بلفظ هذا الحديث على فائدة لغوية ذكرها ابن هشام في المغني ، وسأنقل هذه الفائدة من " مختصر مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام الأنصاري " للشيخ محمد بن صالح بن عثيمين – رحمه الله – ( ص 110 – 111) 
القاعدة الحادية عشرة : 
من ملح كلامهم تقارض اللفظين في الأحكام ، ولذلك أمثلة منها : إعطاء كلمة ( غير ) حكم (إلا ) في الاستثناء ، وإعطاء حكم ( إلا ) حكم ( غير ) ، ومنها إعطاء ( أن ) حكم ( ما ) المصدرية المهملة في الإهمال وبالعكس ، ومُثِّل له بقوله صلى الله عليه وسلم : " كما تكونوا يولى عليكم " ذكره ابن الحاجب ، والمعروف : " كما تكونون " ...ا.هـ.

وصلى الله على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply