مسيرة تحرير المرأة من خلال بعض دعاتها البارزين


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

مسيرة تحرير المرأة من خلال بعض دعاتها البارزين (1)

إن من الدعوات الخطيرة التي تنتشر في بلاد المسلمين ، دعوة " تحرير المرأة " . هذه الدعوة الخبيثة بدأت في مصر من خلال دعاة لها تأثروا بما عند الغرب من حضارة وتقدم ، والأدهى والأمر أنها بدأت من خلال أناس انتسبوا إلى العلم .

ومن خلال هذا الموضوع سنلقي الضوء على بعض دعاة تحرير المرأة ، وما حملوا من أفكار لنشر هذه الدعوة الخبيثة .

لقد شخص الدكتور محمد محمد حسين سبب هذه الدعوة الخبيثة فقال في كتابه " الإسلام والحضارة الغربية " ( ص 14(

... وأمام هذا الشعور بالخطر بدأ الإحساس بضرورة تعزيز الجيوش إلى البلاد الإسلامية ، وتطلع المسلمون إلى الأخذ بأساليب البلاد الغربية في تنظيم جيوشها وتسليحا ، وعزموا على نقل العلوم الغربية لتحقيق هذا الهدف . واتخذ هذا النقل طريقين :

* أُرسِلت بعثات إلى البلاد الأوربية في بعض الأحيان .

* واستُقدِمَ أساتذة وخبراء غربيون في أحيان أخرى للتدريس في المعاهد العلمية على اختلاف أنواعها ودرجاتها .ا.هـ.

وصدق - رحمه الله - فالذي ينظر إلى رؤوس هذه الدعوة يجد أنهم ممن تأثروا بما عند الغرب سواء ذهبوا إلى تلك البلاد ، أو سمعوا بما عندهم من التقدم والمدنية الزائفة .

ولنأخذ بعضا من رؤوس دعاة تحرير المرأة في مصر وغيرها لكي نكون على حذر ممن يندسون في صفوف المسلمين من أمثالهم .

1 - رفاعة الطهطاوي (1216 - 1290هـ = 1801 - 1873م(

قال د/ البرازي في كتاب " حجاب المسلمة بين انتحال المبطلين وتأويل الجاهلين " (2/406) هو واعظ مصري . صحب البعثة المصرية المتوجهة إلى فرنسا كإمام لها غير أنه فُتِنَ بأفكار الثورة الفرنسية ، لِمَا كان عليه المجتمع الإسلامي - آنذاك - من ضعف ديني ، وتخلف سياسي .

وحين عاد إلى مصر حمل معه الروح الجديدة المتأثرة بالفرنسيين وعاداتهم ، خصوصا فيما يتعلق بالمرأة ، فكتب ثلاثة كتب كانت بذور الدعوة الأولى لما يسمى : بـ " تحرير المرأة " .

وهذه الكتب هي :

1 - تلخيص الإبريز في تلخيص باريز .

2 - مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية .

3 - المرشد الآمين للبنات والبنين .ا.هـ.

وكتاب " تلخيص الإبريز في تلخيص باريز " كتبه الطهطاوي أثناء إقامته في فرنسا ، وعرضه على أستاذه " جومار " قبل أن ينشره بعد عودته .

وقال د / محمد محمد حسين في كتاب " الإسلام والحضارة الغربية " عن دور رفاعة الطهطاوي :

وكان من أعضاء الجيل الأول لهؤلاء المبعوثين الشيخ " رفاعة الطهطاوي " ، الذي أقام في باريس خمس سنوات " من 1826 - 1831م " تقريبا ، وكان قد رافق البعثة المصرية كواعظ وإمام لها ، وما أن عاد إلى مصر حتى بدأ يبذر البذور الأولى لكثير من الدعوات التي تحمل جراثيمها معه من فرنسا ، مثل الدعوة إلى فكرة " الوطنية القومية " بمفهومها المادي المحدود المنابذ للرابطة الإسلامية بين المسلمين مهما تباعدات أوطانهم ، وكذا استوحى من واقع الحياة الفرنسية أفكارا عن المرأة هي أبعد عن شرائع الإسلام وآدابه ، وقد تجلى في مواقفه الجريئة من قضايا تعليم الفتاة ، وتعدد الزوجات ، وتحديد الطلاق ، واختلاط الجنسين ، حيث ادّعى في كتابه " تلخيص الإبريز في تلخيص باريز " ( ص305) أن " السفور والاختلاط بين الجنسين ليس داعيا إلى الفساد " ، وذلك ليبرر دعوته إلى الاقتداء بالفرنسين حتى في إنشاء المسارح والمراقص ، مدعيا أن الرقص على الطريقة الأوربية ليس من الفسق في شيء بل هو أناقة وفتوة ، وأنه لا يخرج عن قوانين الحياء ، ودعا المرأة إلى التعلم حتى تتمكن من تعاطي الأشغال والأعمال التي يتعاطاها الرجال .ا.هـ.

وقال د / السيد أحمد فرج في كتاب " المؤمراة على المرأة المسلمة "  ص38

وكانت دعوة جريئة من رفاعة لم يجد لها معارضا خاصة وأن حاكم البلاد قد بارك دعوته ، وبارك أول كتاب وضعه رفاعة وهو " تلخيص الإبريز في تلخيص باريز " يبرز فيه تقدم الغرب ، ويُحسن لمواطنيه الانتفاع بتقدمه ، وأكثر من هذا فقد قرأ " محمد علي " الكتاب قبل نشره بناء على تزكية له من الشيخ حسن العطار شيخ الأزهر فأمر بطبعه ، وأصدر أمره بقراءته في قصوره ، وتوزيعه على الدواوين ، والمواظبة على تلاوته ، والانتفاع به في المدارس المصرية ، بل إنه أمر بعد ذلك بترجمته إلى التركية .ا.هـ.

وقال الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم في كتابه الرائع " عودة الحجاب " " القسم الأول " ص 27

لقد كان رفاعة أول من وضع الأفكار النظرية موضع التنفيذ ، وأول من أنتج عملا فكريا يمهد لخطة اجتماعية عملية ، وتجلى ذلك في مؤلفيه " تلخيص الإبريز " و " المرشد الأمين " الذي ألفه بناء على أمر الخديوي إسماعيل وذلك عام (1872م ) قبل افتتاح أول مدرسة للبنات ترعاها الحكومة بعام واحد ، وقبل موت رفاعة بأعوام قليلة ، ولما كان الخديوي إسماعيل يقود - في بداية تلك المرحلة - حركة التحديث في كل ميادين السياسية والفكرية والاجتماعية ، فقد حاول بعد ذلك أن يقنع أهل الرأي بتأليف كتاب في الحقوق والعقوبات يطبقه في المحاكم ، بحيث يكون سهل العبارة ، مرتب المسائل على نحو ترتيب القوانين الأوربية ، ولكن رفض أهل الرأي من مشايخ الأزهر هذه الدعوة ، فطلب الخديوي من الشيخ رفاعة إقناعهم بقبول ذلك ، ولكنه اعتذر عن ذلك على الوجه الذي وصفه الشيخ رشيد رضا في كتاب تاريخ الإمام محمد عبده على الوجه التالي :

قال الشيخ رشيد : حدثني علي باشا رفاعة بن رفاعة بك الطهطاوي قال : إن إسماعيل باشا الخديوي لما ضاق بالمشايخ ذرعا ، استحضر والده رفاعة بك ، وعهد إليه أن يجتهد في إقناع شيخ الأزهر وغيره من كبار الشيوخ بإجابة هذا الطلب ، وقال له : إنك منهم ، ونشأت معهم ، وأنت أقدر على إقناعهم ، فأخبرهم أن أوربا تضطرب إذا هم لم يستجيبوا إلى الحكم بشريعة نابليون فأجابه بقوله : إنني يا مولاي قد شخت ، ولم يطعن أحد في ديني ، فلا تعرضني لتكفير مشايخ الأزهر في آخر حياتي ، وأقلني من هذا الأمر ، فاقاله .ا.هـ. كلام رشيد رضا .

وكان أن انزوى الطهطاوي بعيدا عن مكان الصدارة ، وانتأى بعيدا ، ليحتل مكانه الشيخ محمد عبده الذي كان في ذلك الوقت في شرخ الشباب ، يحدوه جرأة الشباب وإقدامه ، وهنا تبدأ مرحلة جديدة من مراحل " تحرير المرأة " .ا.هـ. كلام محمد المقدم .

فهذا ملخص للبذرة الأولى من بذور دعاة تحرير المرأة على يد رفاعة الطهطاوي ، وسنأتي على باقي الدعاة .

وليعلم أن هذا السرد التاريخي ليس الهدف منه مجرد الترف الفكري ، بل أخذ العبرة والاستفادة من هذا التاريخ ، فليتنا نحاول من خلال هذا السرد التاريخي أن نستخرج الدروس والعبر ، وذلك من خلال ما لدى الرواد من طرح.

 

 

 

 

وصلى الله على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply