أَثَرٌ مَشْهُورٌ يُرَدَّدُ فِي نَهَايَةِ كُلِّ عَامٍ


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

يقومُ الوعاظُ والخطباءُ ، وتقومُ المقالاتُ والمطوياتُ وغير ذلك في هذه الأزمان المتأخرةِ بالتذكيرِ بمحاسبة النفس في نهاية العامِ ، وهذا أمر طيبٌ ولا شك ، ولكن السؤالُ المطروحُ : هل كان السلفُ يذكرون الناسَ بمحاسبةِ النفسِ في نهايةِ العامِ فقط ؟!!!

الجواب:

 كلا، بل المتتبع لأحوالهم يجدُ أنهم يذكِّرون أنفسهم في كل وقتٍ وحينٍ بمحاسبةِ النفسِ، ولو رجعنا إلى مصنفاتهم في هذا الأمر لوجدنا العديد، ومن أشهر الكتب: محاسبةُ النفسِ لابن أبي الدنيا ، وهو يروي الأحاديث والآثار بالسند عن سلف الأمة ، ولم ينقل عن أحدهم أنهم يذكَّرون أنفسهم أو غيرهم بمحاسبة النفس في نهاية العام.

وأيضاً المتأملُ لكتابِ الله ِ يجد أن اللهَ في آيات كثيرةٍ يذكر العبد بالمحاسبةِ، والتوبةِ ، والإنابةِ إليه.

فالحاصلُ: إن المحاسبة للنفس ليست محددةً بوقت معين ، ولا بمناسبة معينة.

بعد هذه المقدمة نأتي على ما عنونا به المقال، نسمعُ ونقرأُ في موضوعِ التذكيرِ بمحاسبةِ النفسِ ترديداً لأثرٍ عن الخليفةِ الثاني أميرِ المؤمنينَ عمرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنه.
فلنقف مع هذا الأثرِ من جهةِ صحةِ نسبته إلى عمرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنه.

نَـصُّ الأَثَـرِ :
عنْ عُمَرَ بنِ الْخَطّابِ قَالَ : حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا ، وَتَزَيّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ ، وَإِنّمَا يَخِفّ الْحَسَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ في الدّنْيَا.

وفي لفظٍ: عن عمر أنه قال في خطبته: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، فإنه أهون لحسابكم، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتزينوا للعرض الأكبر: " يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ "[الحاقة : 18].

تَـخْـرِيـجُ الأَثَـرِ :
أخرجه ابن أبي الدنيا في " محاسبة النفس " ( ص 29 – 30 )، وأحمد في " الزهد " ( ص 120)، وأبو نعيم في " الحلية " (1/52)، وعلقه ابن الجوزي في " مناقب عمر رضي الله عنه " ( ص 178) من طريق جعفر بن بُرقَان ، عن ثابت بن الحجاج ، عن عمر رضي الله عنه به .

وهذا سند فيه انقطاع بين ثابت وعمر ؛ فإن ثابتاً لم يدرك عمر رضي الله عنه.

وأخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (13/270) من طريق جعفر بن بُرقَان ، عن رجل لم يكن يسمه، عن عمر رضي الله عنه.

وكما هو ظاهر السند فإن فيه رجلاً مبهماً.

وأخرجه ابن المبارك في الزهد (ص 103) عن مالك بن مغول بلاغا عن عمر رضي الله عنه.

وأخرجه مالك في " الموطأ " (2/111) " رواية أبي مصعب " بسند منقطع بين يحيى بن سعيد وعمر رضي الله عنه.

وقد ذكره الإمام الترمذي في سننه (4/550) بصيغة التمريض فقال: ‏وَيُرْوَى ‏عَنْ ‏عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ‏قَالَ: حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا ، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ ، وَإِنَّمَا يَخِفُّ الْحِسَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا.

وقد ضعف الأثر الشيخ العلامة الألباني – رحمه الله – في " الضعيفة " (1201)، وأبو إسحاق الحويني في " تخريجه لتفسير ابن كثير " (1/478) وقال: وهذا سند رجاله ثقات لكنه منقطع بين ثابت بن الحجاج وعمر بن الخطاب فلم يدركه .ا.هـ.
فالحاصل أن جميع طرق الأثر لا تثبت، والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد والحمدلله رب العالمين 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply