ويوم حنين


بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

إنها معركة حنين التي اجتمع فيها ولأول مرة جيش كبير من المسلمين عدته إثنا عشر ألف مقاتل فغرتهم كثرتهم وغفلوا عن ذكر الله والأسباب الحقيقية للنصر فكان الرد من الله تعالى على الفور أن هزمهم في بداية المعركة وحل الضيق بأنفسهم فأحسوا بضيق الأرض بسعتها وجعلهم يفرون مولين الدبر.

ثم كان النداء على أصحاب بيعة الرضوان فالتئم الجرح برحمة من الله والتفت عصبة الشجرة حول الرسول صلى عليه وسلم وأيدهم الله بجنود من عنده فكان النصر حليفهم.

هذه الهزة ما كانت إلا درساً عملياً للمؤمنين حتى يعودوا إلى الله و يتنبهوا لأسباب النصر الحقيقية ولتشير أن النصر لا يأتي بكثرة العدد والعدة وإنما يأتي بالقلة العارفة المتصلة والمؤمنة المتجردة المخلصة للعقيدة.

بل إن الكثرة قد تورث الهزيمة لما قد يدخل فيها من الناس الغير مدركين لحقيقة العقيدة والإيمان إنها تلك الحقيقة العظيمة التي تربى عليها حراس العقيدة من الجيل الأول لأكثر من ثلاثة عشر عاماً حتى تمكنت في قلوبهم وجرت منهم مجرى الدم وهؤلاء الناس الغير مدركين لهذه الحقيقة ستتزلزل أقدامهم حين الشدة فيثيروا الفوضى والرعب في الصفوف.

ناهيك عن أن الكثرة قد تشغل السائرين في الطريق بكثرة العدد عن حسن الإتصال بالله تعالى والأخذ بالأسباب والإعداد الجيد. حيث يقول الله تعالى:

(لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ عَلَىٰ مَنْ يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) التوبة 25 – 27.

إن الطريق الذي نسير فيه طويل وشاق لا تغني فيه الكثرة وإن القلة المؤمنة بالطريق والعارفة به والتي تسير عن بينة فيه والمتصلة بالله هي من ستصل إلى نهاية الطريق وهي من سيمنحها الله تعالى تأشيرة الوصول.

أما الآخرون فإنهم سيتساقطون على الطريق إن لم يدركوا اللحظة الفارقة وتوقظهم الهزة العنيفة من سباتهم وتعرفهم حقيقة الطريق وحقيقة السير.

أدركوا أن كثرة السائرين في الطريق قد توقف الطريق وتؤخر الوصول وتذكروا يوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً...

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply