ومن رباط الخيل


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

لقد أمر الله تعالى الجماعة المسلمة التي تريد السير في الطريق أن تعد العدة للسير من قوة و كان أمره تعالى معمماً في ذكر القوة لتناسب كل زمان و مكان حسب ما تتطلبه القوة حيث يقو الله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) الأنفال 60.

 ثم أردف بصيغة العطف (ومن رباط الخيل) فالخيل هي من أسباب القوة التي كانت سائدة في ذلك العصر فلماذا أتى الله على ذكرها ؟, رغم أن من يقرأ الخطاب الرباني في ذلك العصر أول ما يتبادر لذهنه من القوة الخيل ثم الرمح والقوس والسيف وغير ذلك من مقومات القوة وأسبابها التي يعرفها إنسان ذلك الزمان وسيدرك تماماً بفطرته السليمة ولغته الأم التي نزل بها القرآن وبالظروف الزمانية والمكانية التي يعيش فيها أن الخيل هي أحد أهم الأركان التي تقوم عليها المعارك.

إن الله أراد التوجيه إلى نوع مهم من أنواع القوة ربما يغيب عن الأذهان إنه الربط في سبيل الله أو الوقف في سبيل الله.

و نذكر هنا حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم: (من احتبس فرساً في سبيل الله إيماناً بالله وتصديقاً بوعده، فإن شبعه وريّه وبوله في ميزانه يوم القيامة) رواه البخاري.

الذي يوجه إلى هذا النوع من القوة وهو حبس الفرس أو ربطه في سبيل الله ويكون في حالة استنفار دائم.

ولكن الخطاب الرباني جاء بلغة ذاك العصر مدللاً على الخيل ولو أن الله تعالى ضرب لهم مثلاً غير ذلك كالدبابة مثلاً أو الطائرة لشق عليهم إدراك ذلك ولكان الخطاب الرباني بالنسبة لعقولهم كالطلاسم التي تحتاج لفك شيفرتها وحاشى لله أن يشق على عباده أو أن يكون خطابه غير مفهوم فالخطاب الرباني ما جاء إلا خطاباً عاماً للأمة كافة ولكل زمان.

وفي عصرنا اليوم تعددت أشكال الأوقاف في سبيل الله بتعدد أسباب القوة وأساليبها فمن الممكن أن يتم وقف مطعم أو مصنع أو آلة معينة وربطها في سبيل الله تعالى أي تخصيص مردوداتها للمجهود الحربي أو أي باب آخر من أبواب القوة التي تحتاجها الجماعة المسلمة العاملة التي تعاهدت و تبايعت على السير في الطريق.

ثم يأتي البيان الرباني ليبين أن سبب الربط في سبيل الله إنما هو إنزال الرعب و الخوف في قلوب أعداءنا وأعداء الله وأضاف لهم فئة أخرى هي الأعداء الذين نجهلهم ويبدون لنا الود وما تخفي صدورهم أعظم أو يقفون على الحياد وهم يعدون الدسائس والمكائد ويضعون العثرات في الطريق دون أن نعلمهم ولكن الله  تعالى الذي لا تخفى عنه خافية يعلمهم ويعلم مكرهم وعلم أن في ذلك الإعلان عن الوقف في سبيل الله الرعب لهم.

و كأن الله تعالى يوجه بالإعلان عن الوقف أو الربط في سبيل الله لأنه هو المقصود بقوله (ترهبون به) و المقصود لا يتحقق إلا بالإعلان.

وأما القوة والإعداد فلم يشمله الله تعالى في إخافة العدو وكأن به عز و جل يوجه لأن تكون القوة وأسبابها سراً من أسرار الجماعة المسلمة العاملة التي قررت السير في الطريق وشيئاً من أشياء الدولة المسلمة التي لا يطلع عليها العدو وتظهر عند الحاجة إليها وهذا مما يزيد الرعب في قلوب الأعداء ما علمنا منهم وما جهلنا.

وإن الإعداد والوقف لا يمكن أن يكون من غير دعم مالي ولذلك نجد أن الله تعالى أردف قائلاً (وما تنفقوا من شيء يوف إليكم وأنتم لا تظلمون) ومطمئناً أن الإنفاق في سبيل الله لا يمكن وأن يذهب سدى فلابد وأن يوفيه الله للمنفقين خاصة وللمجتمع عامة أمن وأماناً وعزة وتمكيناً لهم ولدينهم الذي ارتضى وحاشى لله أن يكون من الظالمين فلا يجزي كل عامل بما عمل.

وصلى الله على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply